السبت، 30 يونيو 2018

فرق في سعر العملة

زيارة قصيرة من صديقتي " الانتيم " لليمن بعد غربة دامت أكثر من ست سنوات في المملكة العربية السعودية..
يبدو عليها الانهاك من رحلة العودة البرية لكن المغترب اليمني لن يكف عن الدراما التي يعشقها..
رائحة التراب التي يتنشقها، التغني بالأجواء الأسطورية مقارنة بالمملكة، ورؤية الأهل والأصدقاء واحتوائهم التي لا تنقصها الدموع الصادقة والكثير من النهنهات ..

لاحظت بأنني وبرغم شوقي لها احتضنها دون أن اذرف دمعة واحدة، ولم أحاول ذلك لأكون صادقة، يبدو أننا كيمنيين محاصرين بين الحدود لم يعد من  شيء يبكينا، استنفذنا مخزوننا الاستراتيجي من الدموع والحزن حتى غدى روتين ممل لا جديد فيه، كما أن للفرحة ثمن لم نعد نريد مقايضتها به وقد خذلتنا كثيراً ..

وقف طفلها الصغير مبهوتاً في العصرية والأوراق المالية تتدفق عليه من الصديقات والأهل، فغر فمه للثروة التي تهبط عليه، كنز علي بابا الذي فتح له بابه دون أن يستجدي طرقات من سمسم " افندي "، جائزة يانصيب لم يشتري أي من أوراق سحبها!!..

تجاهلت ما يحدث وأنا أتطلع للسقف هاربة من دوري في العطاء!!..
لن أشارك في  إفساد أخلاق الفتى، ولن يخطو أولى خطواته في عالم التبذير بمساعدتي وهو يصرف ما جمعه عند صاحب الدكانة المحتال ليشتري " جعالة "..

لم يحاول الفتى الطيب فهم معنى لفظ " جعالة " بقدر ما كان مهتم بالابتعاد قدر الإمكان ولابعد مسافة عن والدته، يبدو أن " صديقتي " من الأمهات اللواتي تخفي أموال أبنائها في حصالة خفية للابد"!! ..

لم يمضي وقت طويل حتى سمعنا بكائه وصرخاته الفزعة وهو يعود قفزاً عبر سلالم العمارة!!..
ربما بالغ أطفال الحارة في تحيتهم للوافد الجديد!..

دخل " عموري " ملقياً بنفسه بين أحضان والدته الملتاعة  وهو يصرخ على طريقة قناة سبيس تون :" لقد ضاع كل شيء، انتهى الأمل ، انتهى الأمل " راح يكررها بطريقة هستيرية جعلتني أتمنى صفعه، مثل هذا الطفل يحتاج للقليل من " الشمة " ودورة تدريبية في أحدى البدرومات ليلقن فيها ملازم السيد _ الله لا غفر له ذنب _ .. 

بضع كلمات مبعثرة عرفنا بعدها سر ذلك البكاء " والشنهجة "، أعتقد الصغير أن ١٠٠٠ ريال يمني تعادل في قيمتها الشرائية مثيلتها من العملة السعودية، كيف لطفل أن يفهم معنى الفرق في أسعار العملة..

لا أخفيكم أني أعاني هذه الفترة من مزاج سيء، حالة تلبس شريرة تجعلني لا أستطيع معها أن أواري قروني الحادة، وتقوس حاجباي الاشعثان، الانياب البارزة التي تسعى لاصطياد فريسة وافتراسها، أي فريسة حتى وإن كانت ذلك الطفل  البريء!..

ابتسمت بلؤم متخيلة الأحلام التي راودته وهو يقبض على النقود ويفر بها، كمية المشتروات التي سيضنيه حملها، ورصيده الجديد في البنك الذي سيضطر لفتحه ليدخر ما تبقى لديه من تركة ثقيلة، لعله بدأ فعلياً في التفكير الجدي في  مشروع حياته، التخطيط لشراء بلاي ستيشن يخصه بعيد عن أخوه الأكبر قد يكون بداية رائعة!!..

لم أرغب في مسح دموعه أو في مساعدته، لا ضير في قليل من الدموع لغسل زجاج العين، كما أن مشاهدة الانكسار الأول للانسان ممتع نسبياً!..

لكني وكعادتي لا أستطيع إكمال أي فرحة للنهاية، لا بد من وجود عقل تافه يدمرها، ولا ينقصني مثل ذلك العقل المدمر !!..

لقد أدرك ذلك الطفل من أول أيامه في صنعاء بأن كل شيء ضاع، وأن لا مكان للأمل مجدداً، أكتشف ذلك بعد أن خذلته بضع خطوات للدكان، على العكس مني التي أضعت سنوات غالية من عمري لادرك حقيقة بسيطة  لم تخفى على طفل  لم يتجاوز السادسة!..

توقف الطفل عن البكاء، حين طمأنته والدته وهي تأخذ منه ثروته عديمة الفائدة لتخفيها في حصالته التي " ياللمفاجأة " أمست أثقل من حصالات إخوته!!..
وانا في الركن صامتة محاولة الإمساك بدموعي أتذكر الدروس القاسية التي لم يبخل بها الزمن علي!..

لكني كنت طالبة فاشلة صممت أذني عنها وبقيت متمسكة بالأمل الكاذب حتى خذلت دروس الزمن وخذلت نفسي،،، 
وتبدد الأمل!!..

نور ناجي

الأربعاء، 27 يونيو 2018

أنا وصنعاء في المحطة..

كم أكره الإنتظار!!..

كنت ومازلت اكرهه ولا أطيق دقائقه وساعاته التي قد تمتد لتصبح سنوات، لتكتشف فجأة أن العمر قد ينقضي وأنت قابع في محطاته لا تحمل سوى حقيبة مليئة بالساعات المتوقفة عن العمل !!..

ربما في وقت سابق تجبر عليه، وكان طريقة فضلى لإلقاء تبعات الفشل والضعف عن مواجهتك للواقع، لكن وانت  تدرك ذلك تفقد حيلتك المخادعة لتستمر في الجلوس..

ما أن حاولت القيام من مقعدي حتى تفاجأت بها تمسك طرف ذراعي لأبقى، " صنعاء " التي رافقتني مؤخرا واقتسمت معي مقعد الجلوس ومحطته، صنعاء مدينة الإنتظار الطويل..

التفت إليها لاجد الشحوب والاصفرار يلوكان وجهها، كنت دائما أعشق هذه المدينة رغم أنها لم تكن مسقط رأسي، لكنها ساحرة لدرجة تجعلك تحاول تغيير محل ميلادك لتشعر أن حجرها هو الذي استقبل صرختك الأولى!!..

عدت لمقعدي دون أن اهتف لها كعادتي  :" اعطيني البعض منك، ولو القليل من بهائك !!"، فلم تعد صنعاء تلك المتكبرة كالجحيم، الرائعة كطعم الحب، بدت حزينة تفيض منها رائحة القتل، وقد صبغ الغبار ودخان فوهات السلاح قمم اشجارها..

تنبهت لحظتها للضجيج الذي يصدر عن مذياع صغير تخفيه بين طيات ثيابها، أشرت إليه متسائلة فاجابتني أنها تبحث عن الأخبار فيه!!..

برغم سنوات الحرب العجاف لازالت المدينة تملك سذاجتي القديمة حين كنت أرفع جفّني بصنارات حادة كي لا يغلبني النوم وأفوت على نفسي هتافات النصر الحية حين تقبل مدوية، " لم يهلككِ ايتها الغرة الساذجة ويهلك اليمن سوى تلك الأخبار !!..

وضعت يدي على كتفها مربتة، قد تكون الحقيقة قاسية لكن لابد منها :" توقفي عن انتظار أحد، أو سماع بُشرى من خلال مذياع أو شاشة تلفزيون أو وسائل تواصل إجتماعي مهماً كانت مصداقيتها، جميعهم يا عزيزتي مشاركون في صنع جحيمنا !!..

كما أنك لن تجدي الجديد، أعداء الأمس أصبحوا حلفاء جدد، واصدقائك وحلفائك السابقون يتآمرون عليكِ بليل، دوامة يتبادل أبطالها أدوار الخير والشر بكل تناغم وانسجام، وقد انقلب الجميع على نفسه ليمشي على رأسه، لا خيار أمامك سوى الانتحار أو مشيك أنت الاخرى مقلوبة على عقبيك حتى يأتي الخلاص بعد ان تتخم بطون قادة الحرب !!!..

اتخذنا قرارنا "أنا وصنعاء" سريعاً وتركنا المقعد بعد أن استبدلنا احذيتنا بأخرى ذات كعب عالي، لا شيء يضاهي طقطقة الكعب العالي لهزيمة الشارع المزدحم بالكآبة ..

انتظرنا دورنا عند مصففة الشعر التي نظرت لي شزرا وأنا أخبرها بطلبي، لم أكن أدرك معنى لفظ " شزرا " حتى لمحته في عينيها، غمزت لصنعاء عبر المرآة وهي تطلي اظافرها بألوان زاهية وخصلات شعري تقص لاصبح قريبة الشكل لجنود المارينز ..

وعدنا سريعا لمحطتنا !!..

لا ينبغي لجو الإنتظار أن يكون كئيباً، قليل من التجمل لن يضر أحد، أسندت ظهري للمقعد وأنا أضع ساق على آخرى، بينما اخرجت رفيقتي مذياعها لتبحث عن أغنية عاشقة، وهي تحدق بين لحظة وأخرى لإصابعها الجميلة كطفلة مندهشة !!...

 نور ناجي

الاثنين، 25 يونيو 2018

‏أوزار وطن جريح

 الأحد, 08 أبريل, 2018 - 07:29 مساءً
نور ناجي
‏أعتقد أن نسبة كبيرة من اليمنيين تركت متابعة السياسية بعد أن دخلت الحرب أتون عامها الرابع دون توقف، وبدأت بالبحث الجدي عن وسيلة لمواصلة الحياة بديلا عن ملاحقة الأوهام.

‏أغمض متابعي الأخبار أعينهم عن شريط كلمة عاجل التي توضح زيفها برغم أناقة مذيعيها ولباقتهم. فلا شيء على أرض الواقع يتغير. ولكي أكون أكثر دقة: يتردى وضع البلد والمواطن من سيء إلى أسواء..!

‏أعترف أني استرقت النظر للأخبار قبل عدة أيام، ليصفعني خبر عابر عن انضمام دول جديدة للقائمة التي أغلقت حدودها عن اليمني واستثنته من تأشيراتها..!

‏يتزايد أعداد تلك الدول ومحاذيرها دون وجود منطق يوضح أسباب اتخاذ مثل تلك الإجراءات. اليمني المجرم دون ذنب اقترفه، والمخطئ دون آثام. ربما خطيئته الوحيدة ضياع أرضه وهو محملق بشاشات الأخبار العالمية في انتظار الفرج، وقبوله بنخبة سياسية فاشلة رغم عدم امتلاكه الوقت المناسب أو القدرة العملية على تغييرها..

‏لم أفكر في الهجرة يوما، ولن أهاجر بإذن الله تعالى حتى وإن فتحت لنا الأبواب والمعابر. لكن مجرد التفكير بأن شعبك مصنف تحت خانة "غير المرغوب فيهم"؛ شعب يجب أن يبقى محاصرا حتى يجف ويتشقق ابناؤه، وجع يسد حلقك من علقمه ...

‏ليس من الضروري وجودك خلف القضبان لتشعر أنك مسجون؛ تكفيك جنسيتك اليمنية لتعيش حياة المحاصر الذي لا يعرف لمَّ وُضِعَ في خانة الإجرام؟! ما المتوقع مع شعب، لم يتجاهل العالم معاناته وحسب، بل حَوَلَّ كافة أراضيه إلى محجر صحي! أُتفق على أن فنائه داخل حدوده أفضل الحلول المتاحة!

وكأن الحرب هي شقيقتنا ذات السمعة السيئة التي ألحقت بنا العار، حتى أمسى العالم يدير لنا ظهره كلما التقانا في سفارة أو مطار!! متناسيا بأن أمواله وأسلحته هي من ألقت اليمن واليمنيين في هذه المحرقة التي لا يراد لها انطفاء! فلا أفضل من تعامل سري مع الحروب لتسويق الاسلحة والمتاجرة بها، على الرغم من ارتداء الجميع زي النزاهة...!

‏لن أدّعي بأننا شعب من الملائكة، فنحن كغيرنا؛ فينا المسيء والمخطئ، لكن غالبية هذا الشعب أناس بسطاء، لم يتلوثوا بالسياسة، جل همهم أن يعيشوا حياة مقبولة بأقل الشروط الكريمة. 

‏فلماذا يُجمَع شعب بأكمله في سلة واحدة، ويُحاصَر القاتلَ والضحية بين حدود مشتركة؟ في عبثية لا يعبأ بها أحد، وقد مُنِعَ الابرياء من حق تجنب مصير مجهول؟!

‏أليكمل القاتل جريمته؟! أم لتكتمل دورة حياة الضحية، وتُنزع عنها شرنقة معذبيها، متحولة لنسخة أسواء منهم؟!
خيانة منظمة ..

خيانة منظمة


نور ناجي

 برغم رحى الحرب الثقيلة التي طحنت عظام اليمني، إلا أنها أكسبته الكثير من روح الفكاهة ومقدار لا بأس به من قراءة الواقع وفلسفته ..
 
"التوقع الصحيح لأفعال عدوك ينبئك بقرب زواله وانتصارك عليه". هكذا صار اليمني يتباهى بتوقعاته لسير المعارك وردود أفعال الميليشيا، التي بدأت تتطابق مع الأحداث على الأرض ..
 
لم تثر حادثة قتل أبن الناشط الحقوقي نبيل فاضل (رئيس المنظمة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر)، الصدمة والترويع الذي كان يمكن أن تثيره حادثة شبيهة بها قبل سنوات قليلة..!
 
فلم تعد جريمة إسالة الدماء مستغربة على هذه الميليشيا، وقد تعددت ضحاياها بين محايدة ومعارضة؛ بريئة كانت أم مخطئة؛ لا خطوط حمراء في معتقداتها إن اقتضت المصلحة ذلك ..
 
مقاتل الميليشيا يلبي رغبات قادته، منصاع لكل أوامر اغتيالاتهم وجرائمهم، وكله ثقة بأن ما يفعله "خيانة"!! خيانة مشروعة ومنظمة، يؤجر عليها، وترفع من حسناته كلما أوغل يديه في دمائها..!!
 
قد يتأخر البيان الموضح لأسباب جرائمهم لساعات أو أيام. فالميليشيا لا تكتفي بعملية اغتيال الجسد، بل تتوغل بكل بشاعة لاغتيال وخيانة سمعة ضحاياها، بمخزون اتهامات مفبركة لا تنضب. من قام بخيانة الحاضر والمستقبل لا يتورع عن سرد أكاذيب لم تعد تلقى من اهتمام المواطن ما يدعوه لإكمال قراءتها..  
 
ليست الخيانة فعل مستجد أو مفاجئ على هذه الميليشيا. فقد بدأت بممارستها مبكرًا في حروب ست وُجهت ضد الجيش اليمني وجنوده، الذين دربوا على أن العدو يأتي من خارج الحدود قبل أن يأتيهم الغدر من خلف ظهورهم، ويخسر الشعب آلاف الجنود لا ذنب لهم سوى جهلهم لأنواع الخيانة...!
 
خيانة نوعية بختم إلهي لا راد له، استخدمتها وهي تنصب أعمدة خيامها جوار خيام ساحة التغيير. وبسخرية مريرة رفعت هتافاتها حتى طاولت السماء، مطالبة بدولة مدنية تُبنى على أساس الحرية والعدالة الاجتماعية..!!
 
أسفرت عن وجهها القبيح بعد أن ثارت حميتها لأسطوانة الغاز التي ارتفع ثمنها بضعة مئات من الريالات، واجتاحت صنعاء بدماء حامية، "بحجة مبتكرة" ستبقى لعقود طويلة نكتة متداولة يسخر بها الشعب على نفسه وقد انطلت عليه خيانة ساذجة أكلت الاخضر واليابس!!..
 
تجاوزت المحرمات بخيانة اقتنصت النساء والأطفال والأبرياء بدم بارد من صعدة حتى مدينة عدن، وقد أطلقت على قتلاها الكثير من الأسماء والصفات: "دواعش، تكفيريين، منافقين، صهاينة.." ..!!
 
أهانت أخلاقيات الحرب والمحاربين بخيانة من تسميهم حلفاء. فلا حليف لها غير نفسها، وهي تعبث بنقل جثة الرئيس السابق على لحاف مهترئ بكل استهتار لحرمة الموت أمام مرأى العالم ومسمعه، ليصعق من شاهدها؛ سواء كان عدوا للرئيس السابق، أم معارض له، أم من أتباعه ومؤيديه!!..
 
لم يعد من شيء مفاجئ في ما تفعله تلك الميليشيا. الجميع مستعد لها ولأفعالها، وإن عانت حكومة الشرعية من مناقشة الوفود الأممية الباحثة عن حل لحرب اليمن، عليها ترشيح أي مرتهن بين حدود اليمن، تذوق طعم الخيانة على يد تلك الميليشيا!..
 
سنكون أكثر ثقة في تفويضه للحديث نيابة عنا. وأراهن بأنه سيمتلك من الحنكة والدهاء ما يجعله صاحب الكلمة الأولى على طاولة المفاوضات، كما أنه سيتخلص بسهولة من فخ أي خيانة متوقعة.
 

الأحد، 24 يونيو 2018

أما براوه ..

أتمنى معرفة السبب الذي يدفع البعض لعدم كتمان أسرارهم!..
العاطفية بالذات؟! ..

أسرارك العاطفية هي كنوزنك التي يجب أن تبقى مصانة طوال العمر، حتى وإن كان بعضها لا يصلح إلا مكب للنفايات، لكنها نفاياتك في آخر المطاف لا أحد غيرك يحب مشاهدتها أو  تدويرها!! ..

حضرت إلي، " كعادة صديقاتي "حين يستجد على حياتهن شيء ما، "بشوالة" كبيرة على كتفها، لم تلقي بها بعنف رغم ثقلها، بل وضعتها بيننا بحنان وكأنها تخشى عليها من الكسر!!..
خطأ متداول بين الناس بأن القلوب تُكسر!، لا تُكسر القلوب بل تذبل حتى تموت وتسقط كورقة خريف انهكتها الريح ..

نظرت إلي بتلك النظرة القريبة جداً من نظرة شمبانزي ينتظر وجبته :" ما رأيك ؟! "..

لماذا يتعامل معي الجميع وكأني شهبندر التجار الذي يجب عليه معاينة البضائع والكشف عن جودتها؟!..

لا تنصت القلوب لنصائح غيرها ولا تأخذ بها، والمرأة وأن كانت في أقصى مراحل العشق أكثر الكائنات ذكاءً، لا يمكن خديعتها بسهولة، هي من تخدع نفسها حين تتجاهل ما تريد تجاهله..

لعل صديقتي تريد بزيارتها هذا المساء ألتأكد من مدى مصداقية ما تشعر به !!..

أدعي انني أملك الخبرة اللازمة في مثل هذه المسائل ينقصني فقط بعض النقاط التوضيحية، قليل من طرح بعض الأسئلة وسيتضح لي الأمر!! ..

بعد صمت لا بأس به سألتها :" أين ترين النهاية ؟! "، أجابت مندهشة :" بدايتي معه هي النهاية السعيدة"، أعجبني الأداء لكني لم أثني عليها، لا أريد للغرور أن يدخلها من أول سؤال!!..

لا أثق في المشاعر التي تولد في الحرب، لكن الحرب مستمرة منذ فترة فلا هروب في مشاعر صديقتي، لكن القليل من الحرص لن يضر :" ما أخبار الصواريخ والطائرات معك ؟! " ، " لم أعد اسمع شيء وكأنها تتوقف على نافذتي كل مساء للتنصت علي !!"، ( بنت الذين) الجميع يتسائل : لم تحشد الميليشيا مقاتليها في صنعاء دون أن يقابلها نفير  من أي نوع؟، لم يخطر ببال أكبر الخبراء أن الطائرات إتخذت من فناء منزلها الواقع في الصافية منتزة للسمر والمقيل والتجسس على محادثات الواتس آب !!..

وصلت للمهمة الأصعب، يجب علي تكديرها لأرى رد فعلها، فسألتها بغتة :" سمعتي خطابات عبملك في رمضان ؟!" ، لم تجبني لأنها كانت مشغولة بالابتسام لشاشة هاتفها، تتلمسه برقة لتجيب عن رسالة ما، قبل أن ترفع رأسها وتجيب ببلاهة :" هااااه !!" ..

للحظة شعرت بنوع من الحسد تجاهها، لا شيء يكدرها!!، لم تلاحظ حتى الإسم الذي القيته عليها، تمنيت لو حظيت بمثل تلك الابتسامة لاعلقها على وجهي، خدي، أذني، لا يفرق عندي حتى لو وضعتها تميمة على أبطي؟!..

يبدو أن ما تشعر به حقيقي نوعاً ما، تركتها مع هاتفها وأنا اندب حظي وافتح شاشة التلفزيون أبحث عن الأخبار، يجب على أن أكتب مقالة الاسبوع وجمجمتي شبة فارغة إلا من عبملك، لاسمعها فجأة تدندن على نغمة الأخبار السمجة أغنية " أما براوه " لنجاة الصغيرة !!..

وضعت كوب القهوة الذي كان في يدي،" قضي الأمر"، صديقتي في حالة عشق مستعصية، لا سبيل لعلاجها إلا بخوضها حتى النهاية، وضعت يدي على جبينها لامنحها البركة وأنا أدعو لها بالتوفيق والنجاح، وختمت على الشوال الملقى أمامي شعار " لا مانع "..
ودعتها محذرة إياها من الرقص على سلالم العمارة، وعدت لقهوتي..

لم أجد عنوان جديد لمقالتي، ولم أجد شيء يشغلني عن إبتسامة صديقتي سوى فتح صفحة الفيس بوك لمتابعة معاركه الشرسة، وأنا اتجاهل أصابعي وهي تتسلل لفتح أغنية " عاليادي اليادي " لنجاة الصغيرة .. 

نور

الاثنين، 18 يونيو 2018

منشور قديم !!!

لما يكون عندك حمى، ويطبوا عليك زوار فجأة ، يهدروا ما تعرف ايش يقولوا!!!..
كم اتمنى احط لهم سم في العصير، لا يمنعني سوى جهلي بطريقة  التخلص من الجثث؟؟
قالوا الاسيد ممكن يذوب الجثث بسهولة!!
خاصة الي قاعدة جنبي!!
ايش دخلي الآن زوجها بيصلي في أي جامع !، لو الإمام يطول يروح جامع ثاني, مابش داعي يصلي تراويح...
الحوثي قال إنها مش سنة..
أبو أبوها ليش تزعجني أنا ...
هذي لازم ادخل اصبعي في عينها، وانتعها بحذر، لازم تطلع سليمة، مهم جداً تطلع سليمة ..
مستحيل ارميها.. هاخليها في برطمان واحافظ عليها...
كل ما احد يهدر جنب أذني هاحط عيونه في البرطمان، لغاية ما يصبح لدي متحف لعيون البشر..
كان فيه ساحر في روسيا عيونه محفوظة في مكان ما، " راسبوتين " اعتقد، بيقولوا عندها قوى سحرية، يمكن هاحتاجها ..
لا تخافوا من أثر الدماء، لا اطيب منه أو الذ في هذا التوقيت..
سمعت بان اللحم البشري اطيب أنواع اللحوم !!.
لن اتذوقه الليلة، أنا فقط أصنع  عبرة للعالم..
إحنا محتاجين للقدوة في حياتنا، لم نجد غير عفاش قدوة، والحوثي الغبي لم يصل حتى لمستواه برغم الي عمله، لازلنا بحاجة لروح الإجرام المبدعة ، الخلاقة ..
روح الإجرام التي تخرج السواد الكامن في قاع أنفسنا..
ولا اجمل من اللون الاسود في اللبس، دائماً انيق، ويجعلنا أرشق ..
دعونا من اللون الاسود الان..
ونرجع لموضوعنا، ليش هاعمل كذه، مش بسبب الحمى، لا تفهموني صح ارجوكم..
أنا اصنع القدوة..
هذي هي الحلقة المفقودة فينا ..
علشان كذه هاكون قدوة الإجرام في المجتمع ..
أرجوا أن أكون ذات نفع في المجتمع..

نسيت ايش اسمي ..
يمكن نور ..
نور ناجي ...
مشاعر تحت المجهر 

هل نفتقد للمشاعر أو مازالت في حوزتنا؟!، فصيلة البشر مجموعة من الحمقى المثير للملل بشكواهم الدائمة من المشاعر او ترجي لاستجدائها..
ملل يجعلني أتمنى ملاحقة جميع الناموس المزعج المحيط لمنزلي في هذا المساء لمسافة أربعة كيلو ونصف وإطلاق النار على رأسها منتقمة !!

لو أنك عزيزي الإنسان تصدق مع نفسك لبعض الوقت ستجد الحقيقة واضحة جلية، سهر يومين متواصلين يهديك مجهراً بجودة عالية تجعلك أكثر صدقاً فاسهر قليلا لتكتشف ما أنت بحاجة إليه فعلا..

سأكون صريحة وواضحة..

بالنسبة للحب مثلاً، أنت من صميمك تعرف أن مشاعره ليست سوى حاجة لملء فراغك، حديقة ملاهي مسلية لبعض الوقت، مهما التهبت وارتفعت نيرانه عالياً سرعان ما يخبو وينطفيء كعود ثقاب، لا يبقى منها غير التزامات أخذتها على نفسك في غفلتك الأولى، تتوسع هذه الالتزامات وتتقلص بمقدار الحب الوحيد الحقيقي في حياتك " حبك لنفسك "، كن شجاع وقف أمام نفسك واسألها بكل جرأة هل انت فعلا بحاجة  لاعواد ثقاب ؟!..

السعادة الكلمة الفضفاضة التي أتحدى وجود فيلسوف قادر على توصيفها وتعريف معنى حقيقي لها!!
كل ما كنت تظنه افراحك انتهت وأنت تلعب بها في الطين، تبني بيوت لن تسكنها وأحلام لا وجود لها على أرض الواقع، لا يتبقى لديك من مفهوم السعادة سوى أداء تمثيلي تجيد إتقانه مع الوقت..
 اعذروا صراحتي !!، إن لم يستطع الوقت تعليمك طريقة شد شفتيك كمهرج فلست سوى أحمق..

حتى الأحزان المشاعر الاكثر صدقاً في النفس البشرية تبلدت بعد ان عبدت لها طرق وجسور على جداران روحك!!..
أعتدنا الحزن!!..
هل من كارثة تقع على النفس البشرية أشد من ذلك، وقد اختفى ذلك البكاء الذي يعلو به صدرك وينخفض بلذة مؤلمة، دموعك التي تحرق وجنتيك وأنت تسمع صدى تبخرها تحولت لنهنهة مؤازرة لغيرك تختفي لحظة مغادرته، حقا لقد انتهى زمن الحزن الجميل !!

كل شوق ينتهي بلقاء لا تعول عليه!!، يبدو أني ازددت حكمة أو اقتراباً للجنون وقد بدأت أؤمن بأكثر ما كنت أرفض لابن عربي ..
فما الذي تبقى لدينا؟! ..

أهمس لكم بسر صغير، لازالت امتلك " الدهشة " الشعور الوحيد الذي يجعل اوردتي تشهق له !! المشاعر الوحيدة التي تحملها جعبتي الشبه فارغة، الا من دهشة تعبرني بين أوقات متباعدة ..

شحت المشاعر في هذا العالم، وامست باسعار عالية، فحافظ عليها أن وجدت شخص ما، أو مكان سري أو فعل عبقري يجعل فمك يفغر له احتفظ به بشرط إبقاء مسافة معقولة بينكما، وأجعله أيقونة بعيدة عن متناول يدك..

فنحن كالأطفال في التخريب لا نكاد نمسك بالشيء نحاول فهمه وفك طلاسم أسراره، حتى يفقد سحره ودهشته ..

قد يكون ما أكتبه الآن مجرد هراء فارغ، وقد يكون منتهى الصدق، الم أخبركم أن اللحظات التي تسبق النوم هي أكثرها خطورة وصدقاً، لذلك أتجنب العالم خلالها، لا أحد يحب كشف جميع أوراقه على الملاء..

ولن تكون إنسان كامل أن فقدت أسرارك ونشرتها مشاعاً على حبال الأحرف ...

نور

الأحد، 17 يونيو 2018

الهولوكوست الهاشمي ..

 الأحد, 17 يونيو, 2018 - 07:30 صباحاً
نور ناجي
 ‏"للأفكار  أجنحة"..! هل استقراءها الفيلسوف أبن رشد قبل حرق كتبه، أم رددتها شفتيه والنيران تلتهمها بنهم؟! ..
لا أعلم أن كانت ستبقى عبارته على حالها، لو علم باستمرار مجازر الجماعات المتطرفة التي تذوقها في عصره حتى الآن ! أم سيغيرها بحبر دواته: "تملك الأفكار أسلحة إن لم ينحني لها معارضيها"!!..

لا تختلف الجماعات المتطرفة في طريقة فرض أفكارها، الوجوه الميتة والصدمة المروعة، التي تضرب بها المجتمعات لتصيبها بشلل الخنوع. وقد أجبرتنا ميليشيا الحوثي على إعادة مشاهدة المسلسل المتكرر لفكرة نقاء سلالة واحقيتها في الحكم المستندة بالتأييد الإلهي..!!

امتلكت فكرة الإمامة وحقها الإلهي المقدس وقود بشري حي من المؤمنين بها على مر تاريخ اليمن، مكنتها من ارتداء درعها اللامعة والوقوف على تلة آمنة تشاهد محارقها على مر مئات السنين ..

تمددت الفكرة، أو تقلصت بحجم وعي وقوة معارضها، الذي لم يستطع للأسف القضاء على منبعها عبر مئات السنين، ربما لإحساسه بأن لا ضير من بقاء الأفكار في رؤوس أصحابها إن جنحوا للسلم!..

لكن الفكرة السلالية استمرت في الحياة لفترة أطول من المتوقع. ربما كان استخدام المقاتلين الذين لا ينتموا فعليا لسلالتها هو السبب في مقاومتها، فلم يكن السلالي يوماً مقاتلا قدر كونه منظراً، وقائد مخطط للحرب بعيداً عن المعارك..

استقبل اليمني قبل ألف عام السلالة الهاشمية حباً في دينه وفي رسوله، لكن ثمن ذلك الحب دفع مضاعفا بعدد الحروب المتتابعة لتثبيت دعائم تلك الفكرة المشوهة عبر التاريخ، لا يكاد اليمني يتنفس الصعداء حتى يعود لمحرقة جديدة، ولنفس الأسباب..

لكن المراقب لمأساة الحرب الاخيرة يلاحظ اضطرار الهاشميين أصحاب الفكر السلالي للمشاركة الفعلية فيها: حملوا السلاح وخاضوا المعارك بجانب المؤمن بفكرهم وشريكهم في المصالح، تجد أسماء وصور أطفالهم تملأ صفحاتهم الإلكترونية وشوارع المدن التي لازالت تحت سيطرتهم !!..

حملوا السلاح بعد تنبههم المتأخر لخفوت الزخم المحموم لفكرة ولايتهم، سواء في المناطق الحاضنة لهم عبر مئات السنين، أم مناطق سيطرتهم، بعد أن خدعة نشوة الانتصارات الأولى، حتى وصل الأمر لمنشدهم أن ينادي لنصرتهم:
يا القبايل يا الجيوش الحميرية
النكف ما عاد للجلسة مجالي

المنادي بالسواحل ذا دويّة
وابن بدر الدين نادى يا رجالي

جات ضربات الرجال الحيدرية
جات فزعات المعارك والقتالي 

وانتهى الزامل بوعيد الفناء للجميع إن لزم الأمر:
سيدي لأمرك نزلنا الجرهدية
وللحديدة يا يمن شدْ الرحالي

والله ان تبقى الولاية هاشمية
دونها نفنى ونبذل كل غالي ..

ألقى السلاليون بأنفسهم وفلذات أكبادهم في أتون هولوكوست لا رحمة فيه، بعد أن توحشت فكرة السلالة المنزهة وبدأت بالتهام نفسها حين لم تجد ما تلتهمه وقد أيقنت أنها حربها الأخيرة.

أدركوا اختلاف الزمن، حين نقلت الصورة الحية الأحداث، وثقت مجازرهم الجديدة بعد تجاهل التاريخ لمجازرهم القديمة أو تدوينها على استحياء. سجل اليمني الاستخفاف العابث بمعاناة الأرض وساكنيها وقد حسم أمره برفض ربط حجر على بطنه، وهو يرى قصور الحكام الجدد واذرعهم تنبت على الأرض كفطر مسموم. صدم بمشاهدة كذبة التعايش الديني السمح للإمامة، وقد احرقت وفجرت مساجده، وأطفأت أصوات التسابيح فيها ..

أنها الحرب الأخيرة فعلا، ليست السلالة وحدها من أدرك ذلك، الجميع مدرك بأن لا عودة لذلك الفكر، سواء لسلالة أم لجماعة دينية متطرفة. فقد انتهى عهد تجارة الأديان وتغليف الباطل بها. يدرك الطفل خطورة النار بعد لسعة صغيرة منها، فكيف بمن اُشعلت الحرب في تاريخه، والحق بحرب ثقيلة أربع سنوات..؟!

أتساءل بعد كل الفوضى والدمار الذي لحق باليمن: ألم يعد هناك بقية عقلاء من أصحاب هذا الفكر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ مجرد محاولة صغيرة للكف عن ملاحقة الزوامل، ومراجعة أنفسهم والنظر لليمن قبل هذه الحرب!!..

لم تكن الصورة بهذا السواد قبل أن يرفع الجار والصديق والموظف المجاور لك سلاحه على الجميع، في لحظة جنون، وقد استولت عليه الفكرة المستحيلة وأنعشت أوهامه لماض لا رجعة له!! ..

السبت، 16 يونيو 2018

لقاء محتمل ..

لو قدر لكل واحد منا إختيار شخصية ما للقائها، يجري معها حوار، يخترق الهالة التي تحيط بها لكشف ما تحويه من أسرار!!.. 

 تمنيت دوماً تحقيق تلك الأمنية، وكانت " الليدي أوسكار ، ودوق ڤليد" أول من حلمت بلقياهم وأنا في أولى خطوات الحياة، لم تتحطم أحلامي حين أكتشفت أنهم شخصيات كرتونية، استعنت بخيالي وسجلت معهما أوقات لا تنسى، وحتى يومنا هذا أضعها من ضمن أجمل ذكرياتي..

كبرت وتغيرت الشخوص، لم أكن اضع على قائمتي أحد من الأحياء فقد امتلكت من التفاؤل ما يجعل مقابلة أي شخص على سطح الكوكب هدف سهل الحصول عليه، عدى الشهيد " ياسر عرفات " رحمة الله عليه فدخولي فلسطين المحتلة ليس بالأمر السهل، حتى فارق الحياة واضطررت بعدها أن اشطبه مع الزعيم جمال عبدالناصر من تلك القائمة حين سهلا علي الأمر وزاراني في المنام وعرفت منهما أسرار مهمه اقسمت أن لا افشيها !!..

لم أحاول أن افكر بالانبياء والصالحين، البشر الخطّاء هم من يشدني فضولي إليهم، فالصالحين لا يحتاجون لبحث مضني يكشف عن اسرارهم، من السهل رؤية خطوط الثوب الأبيض النقي، كما أن سيدنا الخضر عليه السلام لن يبوح بالكثير، وبأمكان أي شخص معرفة أسباب غضب سيدنا نوح على قومه في أيامهم الاخيرة !!..

مررت على الكثير، أرسطو، سقراط،  وتوقفت طويلا عند إبن رشد، لا أنكر انبهاري بالفلاسفة في كل عصر، يذهلني المدى الذي وصلوا إليه في طريقة تفكيرهم كلما أعدت قراءتهم، لكني اخترت في نهاية المطاف بوذا لمقابلته، وعلى طرف لساني سؤال يلح علي، كيف استطاع أن يبقى في رحلته الأولى مع ذاته تحت ظل الشجرة ثابتا على وضعية جلوسهً لمدة ٤٥ يوم، ألم يناشده جسده الذهاب إلى الحمام،، مثلاً!!، ينقصني الكثير لتقترب روحي من مستواهم !..

لا أنكر أني قبل الحرب تلفتت كثيراً على سفاحي التاريخ، لن ينكر أحدكم أن مقابلة مع جنكيز خان ستكون حدث غير عادي، حوار مع المثقف العظيم الحجاج استثنائية بلا شك، مجرمي الحرب العالمية الأولى والثانية لن تمر من جوارهم صامتاً، حتى قامت الحرب في اليمن فحذفتهم سريعاً، فقد تشبعت من الشر المحيط بي، لن تتحمل روحي اضافة نفسيات مريضة جديدة فقد عرفت ما يجعلني أتمنى تقيأهم ودفن جرائمهم وذكراهم قريباً..

استقرت نفسي أخيراً على الشخصية التي أود مقابلتها فعلياً، قبل أن الغي حديث سري مع الملكة بلقيس ولقائها مع سيدنا سليمان،  وزوجة العزيز التي اعتبرها اكثر النساء إنسانية وصدقاً برغم الاعتراضات التي قد تواجهني، لا تنسوا كل له حرية الرأي فيما يراه..

لا اعرف في نهاية اعترافي هل بأمكاني البوح بشخصيتي المفضلة، أم سأتفاجأ وانا أدق أبوابها بسيل منكم يسابقني إليها ؟! ..
لعلي سأحتفظ بها حتى اتأكد من ملء قوائمكم، فنحن في زمن لا أمان له..
اعذروني.. 

نور ناجي
حين احاول البدء في كتابتك..
لا امسك بالقلم، هو من يمسكني، يقبض على أصابعي كي لا الهو بك، وهو يعبث بخصلات شعري ساهماً وصامتاً للحظات، ينطلق بعدها منجرفاً بحروفي بعيداً، لأرض بعيدة لا اريد ارتيادها، زرتها معك مرات عديدة، ولم انجو منها بعد كل زيارة!!..
اعود منها كسيرة فارغة لا املك من هداياها سوى جروح لم تندمل وبضع ندبات لا تخفيها كذبات النسيان، ارض تنزفني حتى اخر حرف..
لا اخفيك بأني املك خط عشوائي لا يستقر بين السطور، ولا يجيد تهذيب نقاط حروفه قط، لكن القلم الذي يرسمك لا يكاد أن يستقر امامك، حتى يثبت حضوره دائماً بأناقة مفرطة تثير في نفسي السخط، يجرني من ذراعي لساحة الاوراق برقصة قاسية مجنونة الايقاع، يدور بي في فضاء لا نهائي، دون أن يترك لي فرصة للهاث خلفه، يعيث بي فساداً وهو يمرجحني بين الكلمات حتى يفقدني اتزاني، وانا أمامه هشة ضعيفة، لا اقوى على الاعتراض او الثورة حتى ينتهي مني.. ويلقي بي بين الأسطر منهكة، وقد حدد لي مسبقاً مصيري معك كل مساء...

نور ناجي
أنصت للمزايدة المقامة في منتصف الحقل، يبدو الجمل متململا ويحدج الجد الذي نزع عنه المحراث بنظرة حانقة، ليتركه بعدها لمعاينة المشتري القادم من قرية بعيدة ..

" لم يعد شيء باق على حاله بعدك يا جدة!!" قالها وهو يقبض على حفنة التراب ليتركها تتسلل بدهشة موجعة بعد ان بدأ الجمل بالابتعاد ورغائه المستنجد يلحق به، " لا أحد لينقذك فقد رحلت بعيدا"ً !!..

لم ينتظر جده لينضم إليه وعاد للدار سريعاً، أصبح الفناء فارغ موحش، إلا من صدى نداء قديم لعابرين جوعى يتردد فيه على استحياء :" جاوع يا فاطمة بنت مسعد !! "، لم يتوقف الجوع عن انتهاش أمعاء العابرين، لكنهم توقفوا بعد رحيلها عن طرق باب دارهم..

لا يحمل الأحياء الوفاء، كان هذا أول دروس الحياة الذي تلقاه مبكراً، الجميع يتجنب ذكر جدته أمامه، يصمتون عنها حين يعبر من امامهم أو يهب لهمسهم بإسمها في إحدى زوايا الدار،  يود لو صرخ فيهم "لماذا تتوقفون؟!، أعرف أن الموت غيبها وقبلت بذلك الحرمان، فلا تنضموا إليه وتحرموني من ذكراها!!"..

لم يجد من هو أكثر وفاء لجدته من حجارة الدار، يسمعها في الليالي الباردة تهمس بضحكات مكتومة وهي تعيد عليه سرد نوادره مع جدته، الريال اللامع نصيبه اليومي من كيسها القماشي، قطعة الجبن التي كانت تخصه بها دون غيره في وجبة الإفطار، احتضانها له في المساء وقد نزعت عنها المعطف الجلدي ذو الازرار العريضة..

مسح دمعاته بكم ثوبه وكور جسده على الفراش، "يجب أن تكون رجل" هذا ما يكرره عليه جده ساخرا من ضعفه، لا تجتمع الرجولة والدموع، "يجب أن تسحقها قبل أن تصل لاجفانك"..

لم يستطع سحق الدموع، لكنه تعلم كيف يساقطها تحت جلده وهو يحتضن معطف جدته فاطمة قبل أن يغفو..

نور
اطفأت الأنوار وجلست في العتمة، لا أحد بامكانه رؤيتها من خلف زجاج النافذة..
الشارع مظلم، لم تقوى الأضواء المبعثرة على تبديد ظلاله فصرخت لاشباح خطوات قديمة غادر اصحابها وتركوها ملتصقة على الاسفلت..

خطوات يتيمة تقترب..
عابر يمر!!..
حدقت به !!..
لا يشبهه، لا أحد يشبهه!!..
لعل ما يقال عن وجود أربعين شبيه للشخص غير صادقة تماماً، من رحل لا شبيه له حتى في الأحلام ..

تابعت الخطوات  الغريبة، لا تسلية أجمل من إيجاد حياة متخيلة لإنسان لا تعرفه، مجرد وجه تخلق له في لحظات عابرة حياة كاملة، بأحزانها وخطاياها وأسرارها!..

أمست تسليتها صعبة بعد الحرب، لا تسرق الحرب الأضواء فقط،  تهوى اختطاف قسمات وملامح بائسي الحظ الذين تصادفهم، لتغدو وجوههم مجرد صفحة مليئة بالتجاعيد والانتظار..

لم تستسلم وحدقت بالرجل، لم يتجاوز الأربعين بعد لكنه يبدو أكبر سناً، ترى ما الذي يفكر  به ليجعل ظهره ينثتي من حمله؟!..

هل يفكر مثلها في راحل لن يعود، أم يشغل نفسه في إنتظار غد لا فائدة من قدومه؟!، لعله يتباطأ حتى تغفو ابنته الصغرى وقد عجز عن شراء قطعة الحلوى التي ناشدته تذوقها..
امست قطعة الحلوى تجعيدة جديدة تضاف إلى الملامح!!..

لم تمهلها خطواته وغادرت به قبل أن تكتشف سره، وعاد الشارع للصراخ، وعادت هي تنصت لهذيانه مجدداً !...

نور
" أنا في الطريق "، أنهى جملته والقى بالهاتف على الكرسي الفارغ بجواره، زاد من ضغط قدمه على دواسة البنزين وهو يبتسم، جميل ان يكون لإنسان في مثل سنه " أصدقاء سوء " كما يُطلق عليهم..

لم يكن العقد الرابع من عمره يسمح له أن يكون فريسة سهله لغيره، مدرك تماما لكل ما يقوم به، ولم يقده أو يوسوس له شيطان ما لطريق لا يبغيه، قد يكون العكس هو ما حدث في مثل ظرفه وحالته!!..

الخوف من الذنب أشد وطأة من ارتكابه، وتقمص دور المشاهد أكثر يسراً من القيام بلعب أدوار البطولة التي كان مصراً على لعبها، أحتاج وقت ثقيل حتى وصل لتلك القناعة، بعد أن أمضى طفولته وجزء غير يسير من شبابه مرتعباً من أرتكاب الخطايا، خوف جعله يقضم أظافره مرتجفاً وهو يتخيل الصراط الذي يتحتم عليه المجازفة بعبوره والنجاة من السقوط على حمم سوداء تحته، ذلك إن نجا!!، فلم يكن يجيد الجري السريع ولا السير المتوازن..

حاول تخفيف ذنوبه بسرد اخرى لم يرتكبها، سرقة قطعة من الحلوى لا تقارن باقتلاع شجرة أو إيذاء كائن لحد القتل، لكن هل تمني إيذاء شخص ما يجعله من الخاطئين، أم أن الأفكار أن لم تترجم لا غبار عليها؟!..

تراكم الخطايا الصغيرة يورث الأشد مع مرور الوقت ولا أفضل من التوبة لها، قام بذلك حتى أشعره الاستغفار والتوبة بأنه مذنب على الدوام، وسهلا عليه الوقوع بخطايا لا يعتقد سهولة محوها !!..
لاحظ حركة إبهامه الرتيبة على المقود، وهو يوقف عربته، مازالت أصابعه تبحث عن مغفرة لم يعد يسألها !!..

أرتفع صوت الموسيقى من المنزل الكبير المعد لاستقباله، لن يقف شيء بينه وبين ما يرغب به، ولن يسمح باستمرار قوانين وشروط ذلك الطفل لبقية عمره، خرج من عربته، وصفق الباب خلفه بعنف على شبحه صغيراً متكوم في الزاوية، تجاهله وتجاهل عبثه على حبات المسبحة القديمة وعبر الأبواب المفتوحة دون أن يفكر في السقوط !!..

نور
نهاية " ضبع "..

لم يخلق شيء في هذا الكون هباء وعبث، يقولها وقد إعتاد على كنيته الجديدة وبدأ باستساغة مذاقها الخاص، قبض على نفسه أكثر من مرة يردده على طبلتي أذنه قبل أن يغفو في نومه، " الضبع " أو " أبو الضبع"  حين يملك المنادي له حس دعابة...

ربما فوجئ به وازعجه في بادئ الأمر، " فآكل الجيف والقمام " كما تدعوه كتب العلوم ليس مناسب له، ولم تك مقارنته بالذباب والعقابان منصفة كما يرى، فالضبع صياد ماهر مقتنص للفرص، فرد مهم في منظومة سلاسل غذائية قديمة قدم وجود الحياة على سطح الأرض، عمل تحتمه عليه طبيعته البشرية، أولم يكن الإنسان أول آكلي الجيف قبل أن يتعلم الصيد ويربي الماشية ؟!..

يكره نفاق بني البشر، ليس التصاق الكنية به سبب في تجاهلهم لآكلات الجيف التي لا يخلو منها مجتمع أبداً، وقوعه في أسفل سلمها البشري جعله مرئي على عكس الآكلات الكبيرة الحجم التي تخفي نفسها تحت بدل وعطور غالية الثمن وتقف هي الأخرى متربصة ببريقها الحاد تؤدي نفس وظيفته، لكن في مستويات عالية قد لا يصل إليها أبدا..

تزداد حاجة الحروب لمن هو على شاكلته، فهو السّباق في انتهاش الجثث الفاغرة على الأرض، ينظر لملامحها المتصلبة بدهشة وتعجب قبل أن يعود لمزاولة عمله، " لماذا تلقي بنفسها للتهلكه وبأستطاعتها البقاء متخفية مثله، محتفظة بأنفاسها خلف جرف خفي أو أكمة كثيفة، حتى تنتهي المعركة فتنقض على الجثث لانتزاع ما عليها؟! "..

كان كالموت لا يميز بين الأطراف المتصارعة، يبحث في همة ونشاط بين ثنايا الضحايا، لم تقنعه الحروز الحديدية، أو الثياب العسكرية لمحاباة طرف ضد الآخر أو لتخليه عن لحظة اقتناص..

لكن الجثث النظامية أكثر ثراء من غيرها، جعبتها أكثر امتلاء، تكفيه أحيانا فردتي حذاء ثقيل للمفاوضة على ثمنها المرتفع..

سرقة الهواتف المحمولة للجثث هي أكثر ما يثير شغفه، وهي تحرض جنونه بنغمات الرسائل الواردة التي لم يعلم مرسلها بعد بانتقال الهاتف لملكيتة، رعشة خدر لذيذة تنعشه لحظة  تقمصه لدور القتيل..

لم يكتفي بنهش الجسد الميت بل امتدت شهيته طوال الليل لتنهش ما هو أكثر لذة خلف حجب بعيدة، والد يسعى للاطمئنان أو أم ملتاعة، يقضي لياليه الطويلة يفرغ رجولته على محادثات حب متبادلة بين عاشقين امتهنا الكذب على بعضهما البعض، وهما موقنان بانتفاء فرص لقياهم أو انخفاضها في أحسن الأحوال، لم يكن يترك ذلك اللحم الملهوف حتى يلزمه بإرسال ما يثبت له حبه!!، صورة كانت أو تسجيل صوتي يقضي عليها ليلته كضبع مستثار..

للموت وجوه مثيرة للشغف المجنون..

سمع باقتراب معركة ما، حدسه ينبئه بأنها حقيقية هذه المرة سيقترب منها قدر ما أمكنه حتى تبتعد نيران الأباتشي تاركه له وجبات طازجة يقبض على حصته منها ..

اغمض عينيه ليبعد الطريق المتعرج عن ناظريه، يكره الارتفاعات الشاهقة لكن التنقل المستمر هي ضريبة عمله، تجاهل المنحدرات الشديدة، وجسده ينتفض بنشوة غنائمه القادمة، فلم ينتبه لعجلة العربة وهي تقتلع نفسها من موضعها لتطير مبتعدة..

كابوس مزعج لا يتذكر منه سوى إنقلاب العربة رأسا على عقب عدة مرات على المنحدر الشديد قبل أن تستقر على مزرعة يابسة أسفله..
ينسى المرؤ وقت الحروب أن الموت التقليدي مازال يقوم بمهامه بعيداً عن ساحات القتال!..

فتح عينيه بصعوبة، لم يستطع تبين إن كانت أطرافه مازالت ثابتة في موضعها أو أنها انتزعت منه، لحظات أو ساعات وهو في غيبوبة متقطعة، يبدو أن جميع ركاب العربة فارقوا الحياة، هل حقائبهم ممتلئة كما يفترض بها أن تكون؟!، لم يستطع منع نفسه من التساؤل قبل أن تقاطعه يد تتلمس صدره الممزق..

رفع جفنيه بصعوبة ليواجه شبح جسد هزيل، أعاد اغماضهما وظل ابتسامة ساخرة يرتسم في خياله، لم يكن الفتى سوى ضبع صغير  أقرب لذبابة، يبدو من حركة يده الثقيلة أنه مستجد على المهنة، يفتش جيوبه بجلافة مرتعشة وعيناه تتلفت حوله خشية القبض عليه..

لم يستطع إيقافه أو الاعتراض على ما يفعل، يحتاج لدروس كثيرة تخرجه من طور الذبابة المزعجه ليمسي بعدها ضبع متمرس مكتمل الشخصية، شعر بقبضة الفتى تمسك بهاتفه المختبىء قبل أن يغادره لجسد آخر ..

لم يقوى على الضحك أو حتى الابتسام وقد انتشر خدر غريب في أنحاء جسده، أطبق على جفنيه للمرة الأخيرة، وهو يتخيل أزيز الذبابة الصغيرة تجيب على رسائله وتقضي معها أمسية رائعة !!..

نور ناجي
https://t.co/uFMIE3wu1n
الى متى سيبقى الرجل بهذه السطحية، السذاجة التي تقربه فعلا من صفة لا أفضل ذكرها!! ..

إلى متى سابقى الكتف الحنون لصديقاتي، لا تعلمون مقدار معاناتي وانا أنصت مدعية الاهتمام وامنع كفاي بصعوبة من سد أذني منعاً لوصل البكاء اليهما !!..

أنهت شكواها بوصلة مزعجة " كالعادة "، وانا أزم شفتي من الغيظ، مهما حاول الرجل ادعاء الذكاء والفطنة، يبقى ذلك البدائي المتوحش الذي لا يفقه في الحياة سوى صيد الحيوانات وسلخ جلودها..

نحن معشر النساء بحاجة ملحة للبكاء بين الفترة والأخرى ، دموع حارقة بلا أسباب، قد نضطر أحيانا لافتعال المشاكل مسايرة للعالم الجاهل المحيط بنا..

ما أقوله ليس بجديد بحت أصواتنا ونحن نحاول تنبيهكم لهذه النقطة بلا فائدة : لقد أسمعت لو ناديت حيًّا، ولكن لا حياة لمن تنادي!!..

اعود لتوضيح فكرتي للرجال بدرس قصير، وأرجو أن يكون الاخير:
باستطاعتك اخي الرجل تمييز مشاكل المرأة المفتعلة بعدم وجود رائحة شواء واضحة بين حروفها، لا صرير للاسنان أو دراما مبالغ فيها " في بدايتها على الأقل" ، نجتر مع احتدام النقاش لذكريات منسية بتسلسل خاطىء، وقد نختلقها في الحالات الحرجة في عملية نوعية لإرباك العدو، تختفي المشكلة عادة كما بدأت بعودة الحياة في الصباح الباكر دون محاولة فتح بابها مرة اخرى، فلا أبواب فيها من الأساس !..

عزيزي الرجل لست مطالب أمام تلك العواصف الفجائية سوى بالانصات والهدوء، اترك عنك التفكير في أي ردة فعل، فقك ضع هاتفك جانباً والتفت للعاب المرأة المتطاير بضع دقائق.. 

واقولها مجددا"  حاول "، حاول  الانصات فعليا لما تقول المرأة، ستجد أن بين حروفها المبعثرة القريبة من الغاز الكلمات المتقاطعة بعض حروف، لو جمعتها بالقليل من الصبر والحب ستكسب جائزة حقيقية لن تندم عليها..

على أقل تقدير بقائك هادئا عدة أشهر بلا مشاكل أمر ليس بالسيء، كما أنك ستتلقى دعوة صادقة مني وقد أزلت  عن كاهلي مهمة الانصات " والطبطبة" الأبدية لبعض الوقت !!..

نور الضابحة
الصديق الوفي..

توقفت منذ فترة طويلة عن فكرة البحث عن صديق، مجرد صديق..
كيف لي أن ابحث عن صديق ويكون شرطه الوحيد الوفاء!..
لست من هواة الاصدقاء، منطق أن امضي معظم أيام حياتي وانا اسامر صديق اخر النهار للبوح له بمكنون نفسي او احداث يومي، مخاوفي، احلامي، تجاربي القديمة، أو لمجرد أن يضحك لنكاتي المملة السمجة، أو العكس!!، فكرة غبية من أساسها..
نمل من تكرار رؤية انعكاس وجوهنا في المرايات، فكيف لا نمل من شخص يحوم حولنا كذبابة طوال اليوم ..
الصديق في الحياة كالزواج، فكرة لا انسانية، قد تكون نافعة في مملكة الحيوانات حيث تحتاج القطعان لبعضها البعض من أجل البقاء، أما في عالمنا فالوضع مختلف، الاقتراب الشديد بين البشر يبعث على الكأبة والتبلد خاصة في أيام الحرب..
كيف لي مثلاً ان اعيد سرد اوجاعي من عفاش، أو ان اصف مراراً النار التي تحرقني وانا ارى مجازر الحوثي ، ايعقل أن اسمح لصمت هادي، وتزلق احزابه بالتكرار امامي اكثر من مرة  في اليوم!. يكفي أن أمر على اخبار هذه العصابات سريعاً، ابحث في احشائها عن فرحة يتيمة اعلم يقيناً أني سأدفع ثمنها في انفجار قريب، أو انسحاب تكتيكي في نشرة أخبار قادمة. فلا احتاج لإعادتها على مسامعي عبر  صديق وفي..
انا صديق نفسي، ولم اجد من هو أوفى مني لي..
كان هذا بالأمس القريب، فقد حدث ما غير قناعاتي تماماً..
كانت الشمس قد استيقظت مبكراً، وطرقت على الابواب بشدة ورفعت عقيرتها، "أن لا طعام أو شراب فقد أتى النهار، لا عذر لأصحاب السمك المعلب أو الزبادي"... صحوت فجاءة، انا الذي تعلم السهر بعد سنين طويلة من النوم المبكر، اصحو بعد الشروق وبساعات، لأجد نفسي في منتهى العطش!!، عطش قاتل !!
حاولت تجاهل الابريق المجاور لي وهو يخلع مئزره امامي في محاولة لأغرائي بمفاتنه، أعطيته ظهري وانا اتمزق من اللهفة، فلست من اللذين يفطرون في رمضان، ارتفع صوت نداء الابريق بدلال وهمس مغري، وانا اسد اذني عن صوته بعنف، اقترب مني بعد أن وجد مني الصد كحورية اعلى سريري، عبث بشعري طويلاً، وقطرات الندى العذبة تتساقط علي لتزيد من اشتعال رغبتي. أغرقت نفسي في الوسائد متجاهلاً تلك الحورية، استحضرت صوت والدتي تصيح بي وبإخوتي، اخرجوا السنتكم لأتأكد من صيامكم، كم وددت وانا صبي صغير الوشاية بهم، أن اخفاء تناول الطعام ليس بالأمر الصعب، تمنيت لو افشيت لامي تندرهم خلف ظهرها بنجاحهم الماكر في خداعها، لعلها كانت تدرك ذلك وتدعي العكس لتبقى هيبة صيام رمضان حاضرة في وجداننا..
لم تمنع انفاس الابريق المغوي انشغالي بأفكاري من الاقتراب مني اكثر، فجاءة مست اصابعه الباردة خدي!!..
 باردة ناعمة..
اغمضت اجفاني وانا اتخيل شفتي تنطبقان على حد الابريق الفاجر، صوت شيخ الجامع القريب ارتفع من ضميري محذراً وانا ما زلت منقاد!!، طبول اناشيد طيور الجنة ترتفع لتحذيري، وانا في غيي اعمه!!، حتى الزوامل وصرخات أصحاب الشمة زعقت بأصواتها الحادة في محاولة اخيرة لصدي..
بلا فائدة..
وقع المحظور، ووقعت في الخطيئة، كأسان باردان من الحجم الكبير، وعلبة عصير عنب، (راوخ) كانت تقبع في دولابي انضمت لمياه الإبريق في جوفي.
فرغ الابريق ، وفرغت روحي من شبقها، والقيت بجسدي كومة فارغة أمامهما!!..
اين اذهب بخطيئتي، كيف لي ان امحوها...
اخجل ان اطلب من ربي المغفرة ومازالت شفتاي ملطخة بآثامي وضلالي..
بدون تفكير أمسكت بالهاتف لأبحث عن نجدة، أي نجدة؟، قادتني أصابعي اليه، صديقي الوفي..
بصوت جزع أخبرته بما حدث، لم اسمع منه رد للحظات حسبتها دهراً، هل أصيب بالخيبة من فعلتي الشنعاء، ام أنه يبحث عن طريق خلاصي؟..
استمر الصمت وانا اتلهف للإجابة، أي توبيخ في تلك اللحظة كنت سأقبل به، أي طريقة تنقذني من الضياع التائهة فيه نفسي، سانحني لها صاغراً..
واخيراً، وصلني صوته هادئاً متزناً على غير العادة " هل كان الماء بارداً ام ساخن؟؟"، تلعثمت، هل تختلف العقوبة بحسب درجة حرارة الماء، هل من مستويات معينة للجزاء الذي استحقه، لم اهتدي للجواب، فأجبت منكسراً وصادقاً :" بل كان بارد زلال"، تغيرت نبرات صوته وهو يجيب " جعل سُمٙك "، وضعت الهاتف مطمئناً، وقد انزاح عن كاهلي عبء كبير..
لم افكر بطريقة التكفير عن ذنبي وكفارتي، سأتركها لوقت صلاة الظهر او للغد..
سأكتفي الان بالحمد والشكر الجزيل لربي، للمنحة الالهية التي خصني بها، امتلاك مثل هذا الصديق لا تقدر بثمن..
أنه ليس أي صديق، فلقد وهبت وبدون أن ابذل الجهد الكبير، اكثر الاصدقاء الحقيقيين وفاءً وصدقاً ..
ولم انسى اخفاء علبة العصير في الدولاب خوفا من انكشاف امري...

نور ناجي

الأربعاء، 13 يونيو 2018

‏صندوق انتخابات..

 السبت, 28 أبريل, 2018 - 06:05 صباحاً
نور ناجي
 ‏كانت بلدنا تنعم في الماضي القريب بالانتخابات. لا ترفعوا حواجبكم من الدهشة، ليس فيما اقول حكاية متخيلة، بل ذكرى قريبة ابتعدت عنا حين توقفنا عن الحديث مع بعضنا البعض لأسباب جميعنا يعرفها. أو ربما لم نعد نتذكرها، فمن أعراض العيش في بلد تجثم عليها الحرب، كسلٌ في الذاكرة، وفقدانٌ لتسلسل الاحداث فيها ..

‏آخر تلك الانتخابات كانت لأختيار رئيس توافقي للبلاد. لم أفهم حينها سبب انتخاب شخص متوافق عليه من الجميع، لكني بالرغم من تكاسلي الدائم عن الاقتراع ذهبت، وكانت تلك المرة الوحيدة التي أضع صوتي في صندوق انتخابات. أتذكر التقاطي بفخر صورة لصندوقي مازلت احتفظ بها حتى الآن.

‏لست الوحيدة كما أعتقد، كثيرون أصروا على الإدلاء بأصواتهم، لم يكن عشق الرجل الذي سيصبح رئيس الجمهورية الجديد سبب في تلك الاحتفالية، فنسبة لا بأس بها صوتت برفضها له. مبعث ذهاب الغالبية- كما أظن-  هو إرسال رسالة واضحة للخارج والداخل بجميع أطيافه وأحزابه السياسية..

‏رسالة مفادها أن المواطن اكتفى من ساحات الاعتصام وحان وقت تنفيذ مطالبه. أعلن الناخب وهو يضع صوته في الصندوق رفضه للتهديدات المبطنة بسياسة القبول بالأمر الواقع المستندة للقوة، وأبدى في نفس الوقت شكره للخارج الذي ساعده في تخطي أزمته، وتكفل بمنحه القدرة على عبور بقية الطريق دون محاولات لفرض الوصاية والهيمنة عليه. بحل عملي بسيط وبطريقة حضارية عبَّرَ الشعب عن أرادته مستخدماً صناديق الاقتراع ..

‏للأسف، ابتلعت الميليشيا صندوق الانتخابات البلاستيكي الشفاف، بحسناته وعيوبه، التي لم تكن لتخفى على أي مواطن بسيط، واستبدلته بصندوق "ولاية" أسود، أغلقته على الشعب وسدت جميع منافذه حتى لا تسمح لصوته بالظهور أو التنفس. والمضحك أنها حتى اليوم تنعت نفسها بالديمقراطية ..

‏لم تكن الميليشيا هي الجانية الوحيدة في حق هذه الأرض. الجميع أذنب بشكل أو بآخر، وبنسب متفاوتة تصل حد التحالف مع الشيطان. وبكوميديا بالغة السواد تلاعب "الحظ الساخر" بالجميع حين لم تستثني الميليشيا أحد عن ظلمها وقهرها، ونالت المكونات السياسية اليمنية حصتها العادلة من الاستبداد والقمع.

‏"لقد حان وقت استعادة الدولة، ونزع الصندوق الأسود من علينا". هذا ما اعتقده المواطن المنسي وهو يزيح الغبار عن صندوق الانتخابات القديم، وقد شعر بأن وقت استخدامه وتنصيبه بات قريب لا محالة، بعد أن أمسى الجميع تحت مظلة مظلومية وهدف واحد لم يحدث ذلك للأسف، وعادت المماحكات السياسية لتسود الساحة، وارتفعت أصابع الاتهام لتوجه من الجميع ضد الجميع. تمزقت المظلة إلى خرق بالية لا تشعر نفسها بالحماية فكيف بالذي يحاول الاستضلال بها، وعاد صندوق الانتخابات للتواري من جديد..!

‏الجميع يتناسى ويتجاهل المتضرر الأول من هذه الحرب، برغم التشدق بالحديث نيابة عنه: المواطن الذي لم يعد يمتلك رفاهية الوقت لتكرار وتدوير أخطاء الساسة، ولم يعد يحمل في نفسه القوة الكافية لتعداد المقابر التي تفتح أمامه، ويحاول بشق الأنفس ابقاء مسافة بسيطة بينه وبينها، يوزع نظره بين شواهدها وبين الأفق الذي يخدعه بسراب أمل يبقيه بالكاد متماسكا.

‏ماذا لو أن القدر أعطى المواطن اليمني فرصة أخيرة لخوض انتخابات نزيهة بعيدا عن مهاترات السياسيين وفظاعات الحرب؟ ما الذي سيسطره على ورقة اقتراعه؟ أكاد أجزم أنه سيصرخ محتمياً بالصندوق: "حروبكم الجانبية لا تهمنا، حساباتكم الحزبية لا تمثل أدنى طموحاتنا، فلا تستكثروا علينا الحياة، وانزعوا عنا سواد الميليشيا"..

‏أوقفوا الحرب، ليستعيد الموظف قدرته للشكوى من راتبه الذي لا يكفيه حتى يصيب من حوله بالملل القاتل؛ ليعود الزحام متصدراً قائمة الاعداء الذين يجب توخي الحذر منهم؛ لتغادر الأمهات الطوابير التي فرضت عليهن دون مراعاة لكرامتهن. توقفوا عن جنونكم ليتوقف الجائعون عن تلصصهم في براميل القمامة، وتكف الأمراض والأوبئة عن النهش في جسد هذا اليمني الضعيف..

‏لا تنقادوا أكثر اجنون الحرب، اهزموها بورقة اقتراع (مُتخيلة) قبل أن تفتحوا أبواب متاهات جديدة لا نعرف إلى أين سيقودنا مجهولها. اشتقنا لذلك الصندوق ومماحكاته التي صارت حلما رومانسيا يكاد يتلاشى مع نزف الأيام.
 ونعدكم، بالمقابل، بمواطنة صالحة لا نتكاسل فيها عن الإدلاء بأصواتنا مرة أخرى..
الرحلة الإجبارية...

" أصحو يومياً وكانني مسافر لم يجد نهاية لرحلته "..
جملة لم تقبل مواصلة دربها، اعترضتني بعناد طفل يبغى موعد حقيقي لوضع رحاله وقد اتعبه السفر وترحاله..

هذا حال من وضعت خارطة بلاده على طاولة قمار الكبار، وللأسف لا توضع على الخرائط ملامح المواطنين على الأرض أو مقياس لمدى معاناتهم واوجاعهم، مجرد ورقة مسطحة تفرش لترمى عليها قطع النرد لتقسم وتجزأ حسب ما يرى النرد ولاعبوه..

جميعنا مسافر على نفس الرحلة، بمساحة العربة الضيقة التي خصصت لنا، بالكاد نفتح أعيننا على أزيز الذباب المزعج وقد أثقلت كثافة الغبار أجفاننا، يأسنا من تحريك نوافذنا العالقة علينا، وقد منعنا من التوقف لالتقاط بضعة من أنفاس أو غسل وجوهنا..

خمسة وعشرون مليون يمني مسافر ، محصورين بظهور المقاعد الامامية التي ترتطم بهم بين لحظة وأخرى وحقائبهم التي تزاحمهم في مساحة العربة والغربة، والتغريب .. 

لا يستدلون الدرب الذي يقادون إليه، ولا تهب عليهم الريح سوى من نافذة السائق الذي تتبدل ملامحه بين الحين والاخر، ما بين ملامح زعيم الميليشيا وبين من يقاسمونه أرباح أجرة  ذلك السفر ..

يحاول البعض قطع الصمت وتجاهل اهتزاز العربة بتذكر الماضى القريب، فليس تسكعنا على أرصفة صنعاء التي كانت تعشق النهوض مبكرة ببعيد عنا، لم يفارق بخار كوب الشاي الساخن سماءها، وذكرياتنا مع باب اليمن المعرض الفني المفتوح للجميع ليل نهار _ قبل أن يلطخ _،  على وعد منا بلقاء له ولحظة وصال ..

تجرأ البعض على فكرة الهروب وهجر العربة وقد يأس من الوصول، ليجد نفسه وقد عاد لنفس المقعد، فلا رجوع عن هذه الرحلة التي حجزت للجميع دون أن استثناء لأحد، فقرر التناسي بالصمت كالغالبية واعتبار هذه الرحلة لشعب لا تربطه به صلة او وثاق، كآلامازون مثلاً..

مرت السنوات ومازالت العجلات تدور وتنثر التراب والحصى حولها دون أن تتغير ملامح الطريق، وقد استحدث عليها منتفعين مارسوا من مقاعدهم رحلة داخلية بين جنبات العربة لتجارة مربحة بين راكبيها وعليهم ..  

لا موعد محدد للوصول وعقارب الساعات قرر التوقف وقد رسم قوس منكسر حزين على سطحها، رغم تجاهلنا لعقاربها الصامتة، وعدم محاولتنا إصلاحها خشية أن يكون إجابتها بأن الرحلة باقية وعلى السادة الركاب التزام اليأس أو إلقاء أنفسهم تحت عجلاتها الدائرة..

المضحك المبكي أننا لانزال نسمع تراشق البعض وتحميلهم مسؤوليته رحلة التشرد واستمرارها، غير مبالين بالسائق أو مشقة الرحلة ومعاناة الأبرياء..

لن نجد نهاية للرحلة أن لم نتعلم منها شيء، هل يهمنا ونحن في خضم كابوس خانق أن نعرف أسبابها أم أن خروجنا هو الاجدى، سنبقى نسير على حدود احذيتنا الضيقة، إن لم نتناسى الماضي، وندرك أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، عدونا الأساسي " ميليشيا الحوثي" التي كانت أكثر ذكاء منا وقد استوعبت ذلك قبلنا، ولم تبخل في توزيع الظلم بيننا..

( علينا أن نتعلم كيف نعيش سويةً كالأخوة ، أو أن نهلك معاً كالحمقى ! )..
مارتن لوثر كينج


نور ناجي 

"الجوكر"  

 السبت, 05 مايو, 2018 - 08:35 صباحاً
نور ناجي
 اعتقدت طويلاً أن "الجوكر" هو الشخص الذي يقضي معظم حياته بإلقاء النكات والمزحات الثقيلة على من حوله، وقد علق الاجراس على رأسه واكتافه. لم يكن وجوده بالنسبة لي على أوراق اللعب يمثل أي قيمة أو فائدة سوى لإرضاء الصغار المحيطين حول اللاعبين وكف اذاهم عنهم ..

حتى أدركت متأخرة بأن تلك الورقة الملونة، التي تعلو أوراق اللعب، يمكنها أن ترجح كفتك وتكسبك معركتك إن أصابك حظها، فهي تقضي على خصومك بربح غير عادي وبضربة واحدة ..

ربما لا يبقى الجوكر ثابتا في عقولنا كما نتصوره "ورقة اللعب الملونة البريئة"، فقد صنعت منه السينما العالمية أكثر الشخصيات شرا في تاريخها. فكونك جوكر لا يعني بالضرورة امساكك بناصية الحظ الموفق فقط، فالشر هو محركك الذي يقودك على هواه ويحملك من الخطايا ما لن تستطيع فاتورتك على دفعه ..

مأساة كونك مواطن عادي، في أراضي إصابتها الحرب، أنك تتحول مع مرور الوقت لورقة لعب عادية، لا مكان لك على ساحة معركة تستخدم الجواكر فيها. تملك من الفراغ ما يجعلك تتسلى بقتل الملل والوقت، متابعاً اللعبة على خرائط المعركة على أمل انتهائها بواسطة أحد الجواكر الخاصة بك، أو لمجرد إحصاء وجوهها المتقلبة ذات الاصباغ، وقد استغنى عنك اللاعبون ليلاحقوا الأوراق المتطايرة من بين أيديهم ..

قد نحسن الظن حيناً في الجواكر القديمة، الذين قد ينفضوا يوماً غبار  ثباتهم في مواقعهم. نسوق لهم الأعذار والتبريرات التي لم تعد تقنعنا، وقد تقمصتنا النهايات المفاجئة للأفلام السعيدة، بعد أن احترقت ورقة أكبرهم الذي دار طويلاً بين أيدي ولاءات اللاعبين. وحيناً نحفز أنفسنا لتشجيع الجواكر الجديدة وقد تنازلنا عن مسلمات كنا نظنها ثابته فينا كثبات مبادئنا!!..

للأسف لا شيء ثابت في الحروب. حتى المبادىء قد تبدل ثيابها مع تعدد الولاءات وتشطرها. حليف اليوم، والجوكر القوي الذي تحارب به، من الممكن أن تعاديه غداً، مجرداً إياه من كل مواقفه السابقة، والعكس صحيح. فمن يريد أن يقبض على أطراف الحرب يجب أن يكون مرناً سهلاً، ويقبل بشروط اللعبة، وقد قبلنا بشروط الحرب على أمل انتهائها ..!

وللأسف، يبدو أن الجواكر التي تلعب لعبة الحرب لليمن فاقدة للحظ. برغم ما قدمناه من تنازلات، لم تساندها الخبرة القديمة على رفع راية النصر، ولم يقف حظ المبتدئين ليشد من عزيمة أحد المستجدين..!

هل أخطأت الجواكر حين تجاهلت تقاطع أهدافها القريبة، وابتعدت عن ساحة اللعب لتمد بصرها لما يلي تلك الأهداف؟ أم أن تعددها وتعدد ولاءاتها هو المتسبب في ذلك؟ لعلها لا تختلف عنا نحن أوراق اللعب عديمة الجدوى التي قبلت بيأس وصمت عجزها وكونها مجرد ورقة لعب في يد غيرها.

لقد أخطأنا في حق أنفسنا وحق هذه الأرض حين أعلنا من البداية الموافقة على خوض حرب دون قراءة شروطها، وإجراء حساب بسيط لمخاطر الربح والخسارة فيها.

حين سمحنا لأيادي لاعبين يحملون اجندات مختلفة لا تتطابق بالضرورة مع أهداف الحرب المعلنة، تكاسلنا عن إنقاذ مصيرنا، ونحن قاعدون بانتظار نجدة تحمينا من جوكر شر مجنون بائس تسبب في جرنا لمهزلة سندفع ثمنها طويلا ..
‏مهجل خلف المتارس

 الأحد, 25 مارس, 2018 - 08:53 مساءً
نور ناجي
 ‏في كل الحروب ينتظر المحارب البهجة من الخطوط الخلفية له بابتسامة زوجة تشجعه؛ طفل يلوح له؛ دعوة أُمّ تظلل له طريقه وتحميه من المخاطر؛ وربما قادة يشدون من أزره في زيارات دورية للجبهات؛ أو ساسة يصدرون قرارات تهز قلوب العدو، وتجعلهم يعضون على النواجذ خيفة وندماً...؛

وأضعف الإيمان: راتب يصرف في موعده، لن يكون بالأمر السيء. لكن حتى هذا الأمر قد يكون مختلفاً في ربوع السعيدة!!..

‏لم يكن تقمصي لدور الصحفي هو سبب سعادتي وأنا أقابل ذلك المقاتل بعمره الذي تجاوز منتصفه. فلم تكن الأخبار هي غايتي المنشودة، بقدر ما أثارتني ابتسامة الوليد المتنزهة في حدقاته، بعد رحلة عودة من منطقة "حيفان"- تعز، مسقط رأسه البعيدة كل البعد عن سماء صنعاء في تلك اللحظة.

‏سألته: ألست خائفا من عودتك، والقبض عليك من قبل ميليشيا الحوثي؟!
 أجاب بضحكة مجلجلة: لولا الأوامر لكنت قبضت عليهم. لم أجد في حياتي من هم أجبن منهم إلا "العصيدة". يتخفون خلف الألغام، ومتارسهم القرى المأهولة بالسكان، لا يبقيهم في معاقلهم سوى قلة سلاحنا وانعدام الموارد..
وبداء يشرح لي حال الجبهات.. لم أتمكن من إمساك قلمي واللّحَاق به، فاكتفيت بالتحليق معه في ليلة خلف المتارس، وما أجملها من ليلة!! ..

‏عادوا بعد نهار عنيد، لم يقبل بالمغادرة وهو يتابع، ببلادة، معركة شرسة استمرت من منتصفه حتى انقضائه، تسندهم أرواحهم، ويسابقهم جوعهم لمطبخ المعسكر، الذي اكتشفوا تباطؤه في عمله وعدم انجازه لوجبة طعامهم!!..

‏لم يَسْلَمْ الطباخين من نقد المقاتلين اللاذع- (نقد على الطريقة التعزية)- التي لا تخفى على أحد. استغلوا وقت إنضاج الطعام ليأخذوا قسطا من النوم. لينتبهوا بعد ساعة منه بمفاجأة جديدة: لم تنتهي معاركهم لذلك اليوم بعد، تبقت إحدى جولاته مع أحد رفاقهم، والذي كان للأسف أشدهم جوعا، ولم يستسلم كغيره للنوم وأكل دجاجة كاملة لرأسه...!!

‏لم يهتم ذلك المقاتل بـ"العلقة" التي حصل عليها من رفاقه، وجلس مستمتعاً بشرب "قلص الشاهي"، بينما زملائه في حيرة من البرود الذي أصابه!! هل كان ضربهم له عنيفاً لدرجة فقدان عقله؟! حتى خرجت أكياس القات المخبأة لهم، والتي أحضرها سكان القرية المجاورة هدية للمقاتلين ..

‏كان يتحدث بحماس، لم أحاول مقاطعته بأسئلتي، لن يهتم مثلهم بمعرفة ما يدور في كواليس السياسة فعلا؟! لن يبالوا بالتحالفات التي تعقد أو المعاهدات السرية التي تُوَقَع تحت الطاولة؛ هذه الأرض لهم، ولن يمسها أي غريب ما داموا أحياء عليها، هدفٌ لن يفهم مغزاه الساسة ولو بعد ألف عام!! ..

‏عاد المقاتل لمواصلة سرد حكايته، وقد تجمع أطفاله حوله: "للقات في تلك الليالي طعمٌ خاص لا يُنسى، وقد عدنا للمهاجل والأغاني التي ضاعت حروفها من ذاكرة الصبا لوقت طويل .. وبدأ يهجل:

‏ليل ابوا روح هاودان الليل ..
‏خبرتي سبعة وأربعه واثنين ..
‏خبرتي سبعة داعسين الليل ..
‏عيننا وا رب وا معين الليل..
‏ليل وا آوي بالهياج الليل..

‏كنت أستمع لمهجل المقاتل مبتسمة، وأنا اتخيل رقصة "الشرح الزبيري"، كما أسماها وهي تتردد من حناجرهم:

‏الا ودنا الا وليل دانا يا حيا ..
‏منين اجي لك ويا لخضر منين ..
(...)
‏ليس الموت زائر في أغاني الحرب الا لمن استدعاه. لا يودع المقاتل الحب حين يحمل سلاحه، بل يصيح به ليكون رفيقه وحافز له لحياة واعدة في الغد ..
‏قام الاطفال ليرقصوا مع صوت والدهم الغائب منذ شهور، فرفع عقيرته بالغناء وهو يصفق، وقد شعرت بأن إصابته وحدها هي من منعته من الوقوف والدوران مع الراقصين في مساحة الديوان الضيقة...

‏برغم ذلك الجو البهيج؛ إلا أن زجاج عينيّ المقاتل التمعتا للحظة ببريق مختلف، ما الذي عساه تذكر!! أحد رفاقه الذين فارقوه!! أم أن وجعُ جرحه ضربه بسوطه!!
ربما لأني فقط كالآخرين، البعيدين عن المتارس، لم يعد بإمكاننا الشعور بالفرح، ويلاحقنا الذنب معاقباً لنا حين نحاول النسيان؟!..

‏تركت المقاتل بعد دعوة له بالشفاء والنصر، ورفعت رأسي للسماء مستجدية عطفها على مقاتلي هذه الأرض الشرفاء، قبل أن يلاحقني صوته في أذني:

‏وا غريب الدور والديار الليل ..
‏وا غريب الدور اين تآوي الليل ..
‏بندقاني راح بثلابه الليل..
اطفأت الأنوار وجلست في العتمة، لا أحد بامكانه رؤيتها من خلف زجاج النافذة..
الشارع مظلم، لم تقوى الأضواء المبعثرة على تبديد ظلاله فصرخت لاشباح خطوات قديمة غادر اصحابها وتركوها ملتصقة على الاسفلت..

خطوات يتيمة تقترب..
عابر يمر!!..
حدقت به !!..
لا يشبهه، لا أحد يشبهه!!..
لعل المقولة التي تقول بوجود أربعين شبهاً للشخص غير صادقة تماماً، من رحل لا شبيه له حتى في الأحلام ..

تابعت الخطوات  الغريبة، لا تسلية أجمل من إيجاد حياة متخيلة لإنسان لا تعرفه، مجرد وجه تخلق له في لحظات عابرة حياة كاملة، بأحزانها وخطاياها وأسرارها!..

أمست تسليتها صعبة بعد الحرب، لا تسرق الحرب الأضواء فقط،  تهوى اختطاف قسمات وملامح بائسي الحظ الذين تصادفهم، لتغدو وجوههم مجرد صفحة مليئة بالتجاعيد والانتظار..

لم تستسلم وحدقت بالرجل، لم يتجاوز الأربعين بعد لكنه يبدو أكبر سناً، ترى ما الذي يفكر  به ليجعل ظهره ينثتي من حمله؟!..

هل يفكر مثلها في راحل لن يعود، أم يشغل نفسه في إنتظار غد لا فائدة من قدومه؟!، لعله يتباطأ حتى تغفو ابنته الصغرى وقد عجز عن شراء قطعة الحلوى التي ناشدته تذوقها..
امست قطعت الحلوى تجعيدة جديدة تضاف إلى الملامح!!..

لم تمهلها خطواته وغادرت به قبل أن تكتشف سره، وعاد الشارع للصراخ، وعادت هي تنصت لهذيانه مجدداً !...

نور 

تجريف العقول

 الجمعة, 25 مايو, 2018 - 10:42 مساءً
نور ناجي
 ستنتهي الحرب قريبًا. أرددها برغم الخيبات التي تطرق رأسي منذ بدايتها الأولى. أسهل الطرق للتخلص من الدمار المحيط بك هو رسم صورة للغد والتفكير في ما يجب عليك إنجازه.

نحتاج للكثير من العمل والمجهود ونكران الذات لنقفز باليمن عقب هذه المحنة.

الدمار الذي أصاب البنية التحتية للبلد، من وجهة نظري، هي أسهل الصعاب التي ستواجهنا. تأكدت من أفكاري وأنا أرتب أوراق امتحان نهاية الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الثانوية. توقفت أمام إحدى تلك الأوراق وقد احترت في رقم الجلوس المكتوب عليها، توقعت في البداية أن في الأمر لبس وقع فيه مراقب اللجنة جعله يستبدل ورقه بأخرى، فالرقم (775)، بعيد كل البعد عن (885)..!!!

لم آخذ الكثير لأتأكد بأن الطالب هو من أخطأ في كتابة الرقم، قلت في نفسي لعله يعاني من مرض التوحد، فقد سمعت بأن من يصاب بهذا المرض يفقد القدرة على تمييز الأرقام، حتى صدمني خط الطالب الذي لم يكن مختلف عما نراه في قصاصات المشعوذين، هل كان الطالب يحاول القاء تعويذة ما على مدرس المادة، لكن حظي السيء اوقعني في مسارها؟!

صوبت الرقم، محاولة أن لا استفز ما على الورقة من "أعمال"، وتركتها بهدوء بين يدي المصحح، لم أنسى أن اسأله عن مستوى الطالب، لأتفاجأ به ينظر اليّا ممتعضا دون أن يجيب وهو يغادر غرفة الكنترول، لعله يستحق ما سينال من الأوراق!!..

لم يهتم بقية المدرسين بسؤالي عن الطالب ومستواه، يبدو أن وجود طالب في المرحلة الثانوية لا يجيد القراءة والكتابة أمر مألوف، "يكفي حضوره للامتحانات حتى ينجح" كما قال أحد المعلمين. أعترف بأني كنت قد تغيبت عن الدوام لفترة طويلة، تستطيعون ادراجي ضمن جماعة "الطابور الخامس" قبل أن يُكسر عنادي وأعود صاغرة للسخرة.

لاحظت، في فترة التزامي القصيرة، التناقص الشديد في أعداد الطلاب. ما تستوعبه ساحات المدارس هو تقريباً نصف العدد الذي كانت تستقبله قبل الحرب. البعض ممن سنحت لهم الفرصة أنتقل إلى مدارس خاصة انتعش سوقها، والبعض ترك المدرسة التي أصبحت رفاهية لا فائدة ترجى منها، فالبحث عن مصدر رزق أجدى من سد طريق الجهل!! سيئوا الحظ أولئك الذين مورست عليهم أبشع عملية غسيل للدماغ، نقلوا على إثرها للجبهات ومنها إلى المقابر..!

ومن تبقى في المدرسة شارك المعلمون والإدارة التربوية والوزارة في أسخف كذبة يمكن أن يعيشها بلد؛ تمثيلية يمارسها الجميع بالادعاء بأن كل شيء يسير على ما يرام؛ الطلاب يدعون تلقيهم العلم، والمعلمون قسّموا أيامهم بين غياب وحضور لا تختلف محصلتهما، والإدارة ترفع التقارير اليومية الخالية من المشاكل للمناطق التعليمية والوزارة..!

الجميع يتفاخر بأن كل شيء يسير وفق الخطة المرسومة، وحدها المباني الحجرية الشاهدة على ما يجري هي من تفتح فمهما فاغرة للنتيجة النهائية التي لم يرسب فيها أحد...!!

على من نلقي اللوم؟!..

كيف نحاسب المعلم؟ رب الأسرة العاجز عن سداد متطلبات عيشه الحاف، وقد أصبح نصف كيلو الرز والبطاط حمل ثقيل عليه، مشقة يمضى نهاره في البحث عن ثمنها وكل من حوله ينظر إليه بريبة..!!

نلقي اللوم على الإدارة التعليمية، المهددة على الدوام بوجه مشرف الميليشيا، الزائر اليومي لمراقبة تغيير جلد المجتمع، وللبحث الشره عن فرائس محتملة للجبهات؟!..

أخطأنا منذ البداية حين انتظرنا من ميليشيا التزامها القيام بمهام الدولة!! لا تحيا الميليشيا إلا بإسقاط الدول، وليس تنظيم شؤون المواطنين وتعليم أبنائهم من ضمن أهدافها..!

لم يكن يجدر بالحكومة الشرعية أن تتصرف مع الميليشيا كضرتين تتقاتلان في سبيل النصر، غاضة بصرها عن تجريف العقول المترتبة على هذا الصراع..!!

هل ستعمل على تدارك الخطيئة التي وقعت بها وتعيد التزامها الحقيقي تجاه مواطنيها، أم ستضطر لحمل عبء اضافي على ظهرها بعد الحرب؟!

وهل سيغفر جيل الشباب ما صنعت به السياسة، أم سيقحم ما مورس عليه في مستقبل يدفع ثمنه غالياً؟!

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...