الأحد، 28 يونيو 2020


صراع أزلي



نور ناجي

مازلنا نحمل، ومنذ بدء الخليقة، علامة استفهام حائرة عن أسباب المعاناة الإنسانية، سواء اقتصرت تلك المعاناة على رغبات النفس ومحاذيرها، أم امتدت لتكون حجة النزاعات البشرية وحروبها التي لا تتوقف، قبل أن نتوقف عاجزين أمام قوى الطبيعة التي لا تكتفي منا ولا نكل نحن من محاولة ترويضها!.
لماذا كُتبت المعاناة على البشر؟ وما الجدوى من وجود الشر؟! مازالنا نطرح ذلك التساؤل بين وقت وآخر، استوى بذلك من حاول إخفاؤه، أو من جاهر به مبدياً اعتراضه!..
على الأغلب، لن تجد إجابات شافية، فالسور الذي بناه جارك وحجب عن منزلك الضوء "شراً" تضررت منه، بينما يشعر جارك تجاهه بالاطمئنان!..
لا يقتصر الأمر على تضارب المصالح الفردية أو الفئوية، فقد امتد اختلاف البشر إلى تصنيفهم للأخلاق. فما يعتبره العرب مروءة وشهامة، قد يعد في المجتمع الغربي تهوراً واندفاعا غير مبرر. لا اظن أن وصف أحد "الهنود الحمر" بالرجولة، سيكون مفهوماً أمام مجتمع لم يعانِ من احتكار جنس معين لصفات محددة..
مازال التباين في وجهات الرأي، حتى في الانظمة والقوانين العالمية. فعلى الرغم من عيوب الديمقراطية، مازال البعض يفضلها على الملكية، كما أن الرأسمالية الجشعة، مرضية لقطاع كبير حين يقارنها بقمع الأنظمة الشمولية..
قد يكون إطلاق صفة الشر على القوى الطبيعية أمر غير منصف تماماً، على الرغم من قلقنا تجاهها..
فعلى الرغم من الأرقام المرتفعة لضحايا جائحة كورونا؛ إلا أن توقف عجلة الحياة العملية للبشر جعلت كوكب الأرض يتنفس بارتياح، ويكشف عن قمة جبل ايڤرست للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية بفضل غياب التلوث الجوي!..
لعل الفلاسفة أكثر من خاض في هذا البحث؛ فقد أعتقد "أفلاطون" أن الخير طبع لمن اعتاده، والشر مباح لمن أراده"، ليلقي بذلك اللوم على الفرد لاغياً تأثير ما يكسب الفرد من محيطه! بينما رأى "دانتي" أن النفس البشرية ساذجة، تجري كالطفل وراء مصالحها الدنيوية التافهة، لذلك وجد أن من الضروري إيجاد قوانين صارمة لرعاية البشر. وكأنه سمح- بطرحه- فرض الأنظمة القمعية سيطرتها على الفرد، منعاً لانحراف لا مفر منه!..
لم تتجاهل مدرسة إبن رشد ابداء رايها في تعريف الشر، وقالت بأن الأصل في العالم هو الخير، وليس الشر- في نظرها- سوى طارئ؛ كالعقوبات التي تفرضها القوانين البشرية، والتي تعتبر- في تعريفها- شرور وجدت من أجل الخير. أما عن وجود الشر في العالم فقد قسمته مدرسة إبن رشد الى قسمين؛ شر مطلق لا علاقة للرب بوجوده؛ وشر نسبي، فالنار "شر" حتى تستخدمها في المنفعة!..
ربما كان طرح إبن سينا هو الأكثر تميزاً حين ربط تعريف الشر بثنائية "الوجود والعدم"؛ فيُقال للشيء "شراً" عندما يترتب عليه حرمان الموجودات من الكمال؛ فالعمى شر لأنه حرم حاسة الإبصار من كمالها!.
تعريف بديع، أردف بعده، استحالة وجود ما يسمى بالخير المطلق أو الشر المطلق، إلا في بعض استثناءات، مازال الماء لازم للحياة إلا أن ذلك لا يمنع الغرق فيه!..
لعل بحثنا عن عالم مثالي ليس سوى ضرب من ضروب العبث، وليس علينا كبشر إلا محاولة السعي في محاولة التخلص مما نعتبره شراً أو الحد منه، لعلنا نحصل على بعض الكمال أو في احسن الأحوال: عالماً أقل شراً..
الزيدية بين المذهب والفكرة!.. مازال البعض يردد _وإن على استحياء_ بأن المذهب الزيدي أقرب المذاهب الشيعية لأهل السنة لولا السمعة التي نالته بسبب تصرفات الميليشيا!.. " لم لا؟!"، تقول ذلك مدركاً أن المطامع السياسية تجبر أصحاب المذاهب والمِلل _ أحياناً _على توسيع معتقداتهم أو تضييقها في سبيل إرضاء ولي الأمر، وقد يكون البحث الجاد عن أصول المذهب الزيدي هو الطريقة الوحيدة لتبرئته!.. يعرف المذهب لغوياً بالطريقة أو المقصد ووجهة النظر، بينما يشير اصطلاحه الفقهي إلى الإتجاه في فهم الشريعة والمنهج في استنباط أحكامها التي تمس حياة المسلم من خلال الأدلة الواردة في القرآن والسنة ودون الخروج عن قواعد وأصول فقهية محددة، فهل انطبق شروط المذهب الفقهي على الزيدية؟!.. ظهر الفكر الزيدي بعد دعوة زيد بن علي بن الحسين للخروج على الخليفة الأموي " هشام ابن عبد الملك"، قبل أن يفشل إلا أن دعوته لاقت صدى في كل من نجد وشمال أفريقيا والمناطق المحيطة ببحر قزوين كما استقرت في شمال اليمن، واتخذت منذ نشأتها تسميات مختلفة اطلقت على الأغلب باسماء ناقليها، " سالمية، ناصرية، جارودية، هادوية، وغيرها من الفرق...." على الأغلب أن الزيدية لم تستشعر حاجتها لفقة خاص مع استمرار التقاطها لأفكار المعتزلة والمذهب الحنفي، عدى القاعدة الأساسية للزيدية والتي تمحورت حول "الخروج عن الحاكم الظالم"، والتي انكب عليها "فقائها" بحثاً وتمحيصاً لتجيز حكم عدة أئمة في ذات الوقت، رغم ما قد ينتج عن ذلك من حروب واقتتال!.. ربما وجدت "الزيدية" في الأمام العادل ما يغني عن بقية فروع الفقه، لذلك طالبت الساعي اليها "بالعلم والفضل، الشجاعة، السخاء الورع، وجودة الرأي والعدالة" قبل أن تتأكد من سلامة أطراف وحواشي الإمام "الفاطمي الجديد"، الذي يجب أن يسبق منافسيه للمبايعة!!.. كان لا بدّ من ذلك السبق المحموم مع مطاطية الشروط السابقة، تبقى الأفضلية للأكثر سرعة وحركة، _الشرط الذي لم تنسى الزيدية اضافته_!.. يمكننا القول بأن المذهب الزيدي خصص نفسه لتهيئة الأئمة أكثر من انشغاله بتنظيم حياة الفرد وشؤونه، وقد تلقت مناطق شمال اليمن الكثير من التأنيب بسبب تمسكها بمذهب هزيل لم يسبب للأرض التي تعلقت بها سوى الخراب وتكرار الحروب!!.. تهمة قد يراها البعض جائرة، فلم تتلاشى الزيدية في المناطق الأخرى إلا بسبب تشيع أصحابها الصريح أو مواجهتها بقوة فرضت نفوذها على عدم منطقية "المذهب المختص بقيام الفتن"، ولم يكن استثناء اليمن من تلك القاعدة إلا بسبب ظروف خاصة هيأت للزيدية اسباب البقاء.. كانت الجغرافيا سبباً رئيسياً لاستقرار الأئمة في اليمن، فابتعاد أرضها عن مراكز الخلافات الإسلامية جعلها قبلة الهاربين الذين رحب اليمني باستقبالهم نكاية بتجاهل الخلافات لمظالمه قبل أن يثور حالما شعر بالجور الذي وقع عليه وللامتيازات التي ظهرت تباعاً واختصت فئة بعينها مستثنية اياه، لتدور المعركة سجالاً بين اليمني والفكر الزيدي الذي استخدم اسحلته الشهيرة "التجويع والتجهيل ونشر الدسائس والفتن بين أعدائه"، حتى أعادت الجغرافيا لعبتها وحولت اليمن من منطقة مهجورة إلى مطمع خارجي.. تدخل الأئمة بشكل مباشر أو غير مباشر باستدعاء تلك التدخلات، واستغلوا لاحقاً حالة عدم الإستقرار الأرض ليرتدوا ثياب الوطنية ويعودوا بقوة للواجهة السياسية بحجة محاربتهم المحتل برفقة اليمني!.. من الجائر إطلاق لفظ المذهب على الزيدية، مازالت منذ نشأتها الاولى "فكرة ثورية" تبناها زيد بن زين العابدين ضد مظلومية معينة قبل أن يقتات عليها الكثير، لعلها أمست في اليمن إشارة لمنطقة جغرافية أكثر من كونها مذهب معمول به، فلن تجد _ أيام السلم_ فوارق حقيقية بين زيدي ويمني أياً كان مذهبه إلا من سربلة وضم، أو تغيير طفيف في عبارات الأذان حتى تصحو "الفكرة" مجدداً على يد طلاب السلطة وامتيازاتها الخاصة.. نور ناجي

الأمير الخائن


نور ناجي

 دخل الإسلام بلاد البنغال مبكراً إلا أن ادارتها عبر حكام مسلمين لم يتم حتى انشقت عن الامبراطورية المغولية في القرن الرابع عشر.
 
انشأ "النواب"- اللفظ الذي كان يطلق على ولاتها- دولة قوية، امتزجت فيها الثقافة البنغالية والاسلامية بطريقة فريدة، قبل أن يتسبب أحد امرائها بالقضاء على استقلالها واستعمار بريطانيا للاقليم كاملاً..
 
امتلك "مير محمد جعفر علي النجفي"- المعروف ب"مير جعفر"- طموحا سياسيا ورغبة عارمة في الحكم، جعلته ينضم إلى الجيش البنغالي مبكراً ويتدرج في مناصبه حتى تمكن من الزواج من ابنة "نواب سراج الدولة"، والي البنغال حينها. لم يكن ذلك بالأمر العسير، خاصة مع اصوله القرشية، التي حمل لها مسلمي البنغالي الكثير من التقدير.
 
ارتبط تعريف الطموح بالحركة والسعي لتنفيذ الرغبات. يمكنك القول أن حركة الأرنب بحثاً عن عشب، أو فراره من مفترس، لا يتعدى عن كونه طموح في البقاء..
 
لا يستثنى الإنسان من ذلك التعريف، إلا أن "نوعية البقاء" ومقدار الجهد المبذول لأجله هي ما تحدد حركة البشر لتنفيذ طموحاتهم التي لا تخرج غالباً عن ثلاثية: "السلطة، المال، والحب"!..
 
فما المدى الذي بلغه "مير جعفر" للوصول الى احلامه وطموحاته؟!..
 
حملت "شركة الهند الشرقية" تفويضاً مباشرا من ملكة بريطانيا للتجارة مع جزر الهند الشرقية، قبل أن تكون المدخل لاستعمار المنطقة. وقد تنبه سراج الدولة في منتصف القرن السابع عشر لمخاطر تلك الشركة واهدافها الحقيقية، فعمل على محاربتها قبل أن يواجهها مباشرة بالقرب من قرية "بلاسي"..
 
بدى له من ساحة المعركة الممتدة امامه ومعطياتها رجوح كفته، فقد كان صاحب الأرض وادرى بشعابها، تجاوز جيشه 35000 مقاتل، بينما اقتصر العدو على 3000 جندي بريطاني. لم يكن العدد من منحه تلك الثقة وحسب، بل دعمته عدالة قضيته وحتميتها، دون أن يدرك أن "مير جعفر" كان قد تلاعب بتلك المعطيات!..
 
سارت المعركة في بداياتها الأولى، كما توقعها "سراج الدولة"، حتى استيقظ على فوضى انشقاق جيشه على يد زوج ابنته وانضمامهم لجيش العدة. لا بّد وانه حارب بقسوة بغية القبض على ذلك الخائن قبل أن يصيبه اليأس ويرجو الهرب ..
 
لم يذكر التاريخ إن كان "مير جعفر" حضر  إعدام "سراج الدولة"، بعد ان تم القبض عليه، أم ترك مهمته الثقيلة للقائد البريطاني "روبرت كلايف" وجنوده؟!..
 
لا تحمل النفس البشرية ذلك النقاء. مازال الخير والشر فيها بذات القدر، يرجع تفاوت نسبه بين شخص وآخر إلى مقدرة احدهم على تخطي الحاجز الفاصل بينهما. قد يكون الطموح مبررا لفعل الخطيئة، إلا أن فهم الكيفية التي قد يتخفف بها فرد من قيمه الأخلاقية لدرجة المساعدة في احتلال بلده، كانت ومازالت الأصعب؟!.
 
لم يكن "مير جعفر" الوحيد الذي ادرك خفته بعد تخليه عن وطنه، فقد عامله حلفاؤه قياساً على وزنه الجديد، خاصة وقد كان أول قراراته تعويض بريطانيا عن خسائر استعمار بلاده. لا يحمل المستعمر الاحترام لخائن إلا بقدر الحاجة إليه، وقد تم الاحتفاظ بمير جعفر بعض الوقت قبل أن يتم استبداله ب"زوج إبنته" الذي حاول لاحقاً التمرد، الأمر الذي حدى ببريطانيا إعادة "مير جعفر"، ذو الطموح الأنسب لمصالحها!..
 
من قال أن القاع لا يمنح المزايا؟!..
 
قد تكون السلطة هي الرغبة الأعلى في مراتب طموحات البشر.. كانت ومازالت المانح السهل لبقية مطامعهم!!..
 
اعتقد مير جعفر أن خيانته لوطنه ستمنحه تلك السلطة، حتى وقف على كرسي حكمه جندي بريطاني أخذ يراقب حركاته وسكناته عن كثب خشية محاولة انقلابية أو تمرد جديد. فلا يمكن لبريطانيا منح ثقتها الكاملة لخائن. لعل الملك الهش اكتشف بعد انعدام الخيارات أمامه، واستمراره في تقديم التنازلات للمستعمر، بأن المفاضلة بين الطموحات أشد صعوبة من السعي إليها..! 
 
هيمن الإستعمار البريطاني على البنغال طيلة 200 عام، قبل أن تتحرر من سطوته وتحاول محو ما بقي من أثاره؛ إلا من لفظ "مير جعفر"، الذي مازال يستخدم ك"شتيمة" مرادفة للخيانة والغدر، فبعض الجرائم لا تسقط بالتقادم!..

السبت، 6 يونيو 2020

بين "عُمر" و "عمرو"


نور ناجي

"اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين!"، ما زال الرسول يقصد بدعائه: "عمر ابن الخطاب"، و"عمرو بن هشام"!..
 
كان المسلمون بعد البعثة في أشد لحظاتهم ضعفاً، لم يؤذن للرسول بالهجرة بعد، كما لم يملك أي من أدوات الدفاع عن نفسه وأتباعه الأولين، ليتوجب عليه البحث عن مخرج مناسب ضمن معطيات أنظمة قريش وقوانينها!..
 
لم يكن رأس المال ذو نفع كبير للمسلمين، وإن تمكنوا من شراء بعض العبيد بواسطته، فلم تميز عنصرية قريش بين المسلمين، عبيداً كانوا أو أحرارا ..
 
ربما حمل صاحب المكانة الإجتماعية- منفرداً- بعض من حصانة؛ إلا أنها مازالت مهددة بالزوال، حتى تقترن بشخصية قوية تتجاوز الدفاع عن نفسها، لشجاعة وعصبية مواجهة الآخرين. وعلى ما يبدو أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجد تلك الصفات في "العمرين"..
 
كان الغريب في الأمر، استنكار المجتمع احتمالية إسلام عمر بن الخطاب، حتى قالت الناس حينها: "لا يُسلم عمر بن الخطاب حتى يُسلم حماره!"، على الرغم من عداء عمرو أبن هشام الشديد للاسلام!. 
 
هل كان ذلك بسبب الغلظة التي عُرف بها "عمر" ة؟! أم أن تخففه من قيود منصب إبن هشام، (أكبر سادات قريش)، جعله أكثر حركة. لعل الرجلان لم يحملا ذات الأهداف، أو أن ابن الخطاب تفوق في كراهيته تجاه الدعوة الجديدة. فقد تحدثت كتب السيرة عن نيته إغتيال الرسول قبل أن يفكر بذلك عمرو ابن هشام أو يلجأ إليه..
 
إلا أن ابن الخطاب خالف توقعات السواد الأعظم، وأعلن اسلامه. ولم يكد يؤدي الشهادتين حتى رفع راسه للرسول وطرح تسأؤلاته بحزم: "اولسنا على حق؟! فلم نعطي الدنيّة في ديننا؟!". تبسّم الرسول أمام أسئلة "الصحابي الجديد" وقد وجد فيها إجابة لدعاء طالما نادى به ربه!.
 
تخفف المسلمون من ضغوط أثقلت كواهلهم، حتى أن "عمرو ابن هشام" كان يفكر مرتين قبل أي محاولة تنمر جديدة، فهو أدرى الناس بكلفة مواجهة "إبن الخطاب"!..
 
ألا يدعونا ذلك للتسائل عن سبب استجابة الله لدعوة رسوله بإسلام عمر بينما حجبها عن عمرو؟!..
 
لم يكن الإسلام بالدين الصعب على قريش وسكان الجزيرة العربية. بعض من التهذيب لعادات وتقاليد لم تمس جوهر أخلاقيات تعارفوا عليها. وأغلب الظن أن عمر ابن الخطاب لم يحارب الاسلام كدين، فلم تكن الحجارة المرشقة حول الكعبة لتشغل مثله، خاصة وأن الإله الذي يدعو إليه محمد هو الرب الجامع لكافة ما ينضوي تحته. لم ينكر أحد عليه ذلك حتى اشتعلت الخلافات بين معارض ومؤيد لطريقة العبادة التي وجد فيها ابن الخطاب فتنة تسعى لتمزيق تماسك قبيلة يعلم يقيناً خطورة تفككها، حتى مس اليقين قلبه!!..
 
لعله انضم بجهالة لجانب الباطل، وكان دين محمد هو ما ينقص قبيلته، ألا يكفي أنه سيتوقف عن الانحناء لآلهة من "تمر"، طالما تسائل عقله عن جدواها بينما هو يلتهمها؟!
 
لم يجد عمر ابن الخطاب غضاضة في الإعتراف بذلك، فهل جهل ابن هاشم تلك الحقيقة؟ أم أنه فضل تجاهلها حتى أعلن سبب حربه صراحة تحت قدمي الصحابي ابن مسعود: "لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رُويّعيّ الغنم!"..
 
أكاد اجزم أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لم ينشغل بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، بقدر ما انشغل بالسبب الذي جعل الضعفاء يصبرون بكل جلادة أمام الأذى الذي كانوا يتعرضون له. شيء كبير  يجعلهم يستميتون في تحمله برضى، وإن دفعوا حياتهم ثمناً! كان يعرف تلك المشاعر جيداً، هل يعقل أن يمتلك رجل- وإن مارس السحر- هذا القدر من الاغواء؟! لم يسمع بذلك من قبل!. 
 
على عكس إبن هشام، الذي سبق واعترف في عدة مواقف بتصديقه لنبوة محمد، الرجل الذي لم يعرف عنه الكذب قط، فلماذا استمر في عدائه؟!..
 
تشابه عُمر وعمرو في الطباع، إلا أنهما اختلفا في نظرتهما للأشياء، ليقف كل منهما في طرف مغاير للآخر. شتان بين دفاعك عما تراه "حقاً"، وبين ما تراه "حقاً لك"!..
 
مازالت الأهداف المحرك الرئيسي لمسارات البشر. حارب عمر بن الخطاب قبل الاسلام وبعده في سبيل ما يراه واجباً، وإن خالف هواه.. 
 
بينما ألغى عمرو ابن هشام (أبو الحكم) عقله، وقلص رغباته، إلا من الحفاظ على مكانة وقوة، وجد أن معايير الدين الجديد ستنزعها عنه، ليستحق التصاق لقب "أبو جهل" عليه، حتى بعد مماته!..

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...