حفلة زفاف حكومية..
لا أملك في حياتي سوى دعاء والدتي ونصائح اختي التي لا تكتفي بعض الأحيان بالجمل الكلامية !!..
لهذا فقط وافقت على الذهاب لحفلة الزفاف مرغمة وقد استنفذت جميع اعذاري التي باتت أوراق مكشوفة للجميع،،
عبرت مدخل قاعة الزفاف لاصدم بغلاظة الحارسة التي لا تكتفي بتفتيش الحقائب !!..
أخرجت هاتفي بمنتهى الأدب وسلمت نفسي لها رافعة ذراعي، لا شخص يعلو على القانون!..
لعل استسلامي المباشر اثار فيها الشك عكس ما كنت اتوقع فزاد اهتمامها بي !!..
لولا انقاذي على يد ابنة أخي لكانت حتى الآن تبحث عن الشريحة المغروسة تحت جلدي..
وقفت أمام المرآة كالجميع لتعديل الميك اب قبل أن يرتطم قفاي بصوتها :" يووووو ،، نور ما عرفتك، سمنتي يا دبية!!" ، " ما عرفتني، هااااه ،،،أول أمس شافتني على سلم العمارة والدنيا سلامات !!"، رسمت ابتسامة باردة لاخفي أمنية بغرس اصبعي في عينيها، لكني تماسكت ورددت بهدوء :" بعض الناس فيهم بركة تبان عليهم نعمة ربنا على طول "..
تركتها وامسكت بيد ابنة أخي ودخلنا القاعة..
" هذا حبيبي،..
أحبه كلش !!"..
لم استطع التقاط بقية الجمل الغنائية :" من هذا المطرب المزعج" سألت، فجاءني الجواب :" وليد الشامي "، " وديع الصافي!!! " اجبت متعجبة من الميوعة التي أصابت الصافي!، إلا أن جواب ابنة اخي لم يصلني من شدة الضجيج، هززت كتفي غير مبالية:" لعله مصاب بنزلة برد "!!..
حالفني الحظ في الحصول على موقع استراتيجي في القاعة امارس فيه هوايتي المفضلة، "البحث بين الملامح عن قصص أصحابها"، لم أكد استقر في مكاني حتى تفاجأت " ببن دغر" مواجهاً لي!!..
أنه بن دغر لا محالة بباروكة صفراء مبتذلة، رسم حاجبيه بخط ثقيل لاخفاء ملامحه!، كيف جاء وكيف استطاع الإفلات من الشرطية الحارسة لبوابة القاعة، " هل قراء مقالتي الأخيرة, وجاء وقت الحساب"!!..
حاولت تجاهله بصعوبة وأنا أدير نظري في المكان لالتقاط قصة شاردة، إلا أن ابنة أخي كانت تقاطعني كلما بدأت في الاندماج لترد على إشارات التحية والسلام من بعض صديقاتها، مددت خيط بصري لاجد المسافة التي تفصل بينها وبين أقربهن تبعد مائة سنة ضوئية، لا أحد يسمع ما تردده شفتاها غير طبلة اذني!، " بدكمة " من مرفقي صحت بها :" اشتغلي على "الصامت" يا صاحبة الواجب، يكفي دوشة وديع الصافي.. "، توقفت فجأة عن مواصلة صراخي حين شعرت بحدقات تخترقاني، فالتفت لاواجه حدقات بن دغر ، ابتلعت ريقي وانا ادندن مع الأغنية" أحبه كلشششش"..
" يا بتاع النعناع،
يا منعنع، يا منعنع " ..
لن اعترض على " فتى الدي جي" وذوقه الموسيقي البائس، مثلي التي تلوثت باغاني هشام الشويع في الفيسبوك، تجردت من حق الاعتراض، " يا منعاه يكفي تنشروا أغانيه، لقد هرمنا، هرمنا"...
بعد مرور بعض الوقت لاحظت أمر غريب!!..
لا تكاد المدعوات يجلسن دقائق في اماكنهن حتى يتركنه ويدرن في ألانحاء كنحلات في قمة النشاط والحيوية؟!، هل انكشف أمر تسلل بن دغر ورصدت جائزة لاصطياده، انا التي عثرت عليه أولا، لابد وأن تكون الجائزة من حقي!!..
سألت ابنة أخي_ التي اتضح لي خبرتها العميقة في الاعراس واسرارها_، واتضح لي أنه يتوجب على المرأة بشكل عام، والفتاة العزباء بشكل خاص اللف والدوران في أنحاء القاعة ليراها الجميع، سيذهب ثمن الفستان والتسريحة هباء إن لم يطبعا في أذهان المدعوات!!.. انكمشت في مكاني، لا يستحق الفازلين واللعاب الذي ثبت به شعري معاناة جري الضاحية، وسمحت لابنة اخي بشق طريقها، فانا عمة متحضرة ولن احرمها من ممارسة حقها الطبيعي!..
" المغنى حياة الروح،،
تشفي القلب المجروح،،
يا الله نرقص ونغني،،
ونعيش باحلى جنة" ..
بعض الأغاني لا تموت ومنها هذه الأغنية التي اتذكر سماعي لها في أول عرس حضرته طفلة، انسجمت مع اللحن وكدت اصفق، لولا ان اعترضني صوت اعرفه جيداً :" هل المكان محجوز؟ !!"، رفعت رأسي قبل أن انتفض من مكاني واستقيم واقفة، ملقية بحقيبة ابنة أخي أرضا لافسح مجال لرئيس الجمهورية وانا اهتف بصوت جهوري " تحيا الجمهورية اليمنية "، لن يستطيع " هادي " التخفي عني حتى بالروج الاحمر الفاقع الذي تجاوز خطوط شفتيه، وباركوة الشعر السوداء القصيرة القريبة من تسريحات الستينات، تمنيت أن اهتف له :" الأسود يليق بك" إلا أن حيائي منعني..
يبدو أن الحكومة مجتمعة هنا، هل اقترب وقت الخلاص، أم أنها مجرد زيارة روتينية؟!، ترى من في المكان غيرهما، هل الافندم موجود؟!..
تركت فضولي وبدأت في استغلال اول لقاء لي مع سيادة الرئيس، لافغر فمي مندهشة من حروفه الخارجة من شفتيه، لقد حدثت المعجزة وغير لهجته البدوية _ التي تروقني كثيراً _ ليتحدث بأخرى صنعانية!!، هل هذا الرئيس فعلا أم شبه لي؟!..
اقبلت ابنة أخي وتحولت ملامحها لشر مطلق اخافني حين رأت حقيبتها الملقية أرضا، وبدات معركة "ردح " مع سيادته لا تخلو من الاتهامات، حاولت تحذيرها الا أنها لم تنصت وقد بدأت علامات انتصارها تلوح في الافق، هب الرئيس حنقاً من مكانه وراح يرمقنا بنظرة مشمئزة قبل أن يغادر وهو يقول :" حقروكن "..
مضى الوقت بطيئا ولم اتجرأ على الاقتراب من بن دغر _بعد اختفاء الرئيس_ لم اكن لاجد انسب من هذه الفرصة لتقديم ورقة طلب منحة تعليمية لابنة اخي ذات اللسان الطويل، أو للحصول على وظيفة سفير لليمن في النرويج، يقف الأهل" حتى الصغار منهم" أمام مستقبلنا ومخططاتنا ..
انتهت الحفلة المزعجة، وخرجت من القاعة بعد أن ألقيت تحية وداع حارة للحارسة التي مازالت ترمقني بتلك النظرات الممتلئة بالشك والريبة، وعدت " لزوتي" الحبيبة!!..
كسفينة عادت لضفتها بعد رحلة سفر طويلة ومنهكة وأنا أردد بفرحة: " عز القبيلي بلاده، ولو تجرع وباها "..
ألقيت بحفلة الزفاف وبن دغر، وسيادة الرئيس خلف ظهري، وامسكت بدفتري محاولة فك أسرار خطي،، بلا جدوى!..
نور ناجي..