الجمعة، 31 أغسطس 2018

الجاهلية والولاية ...

الولاية عند البعض تعني (القيّومية) وحق التصرف ( للمعصومين ) في حق الخلق بتخويل من قبل الله تعالى...

يقودنا التعريف السابق، واللافتات المعلقة في أنحاء صنعاء لنوعية النظام الذي نجر إليه بخطى حثيثة ليفرض علينا كأمر واقع مسلم به..
تاريخ قديم جديد لشعب يراد له التقسيم لفئتين لا ثالث لهما، فئة معصومة منزة عن ارتكاب المعاصي!!، تتلقى وحيها بأوامر سماوية مباشرة لن يتجرأ أحد على مخالفتها أو إبداء ادنى اعتراض عليها، وفئة آخر نستطيع أن نطلق عليهم بدون تزييف أو تجميل "وفقاً للتعريف السابق"، بناقصي الأهلية ومرتكبين للحماقات والخطايا !!..
وينتظر من هذا الشعب القبول بتلك التجزئة، دون ادنى اهتمام لمعنى وقيمة المواطنة التي حارب للحصول عليها طويلاً!!..
جاهلية أسواء من جاهلية قريش التي لم تدعي يوماً امتلاكها لتلك العصمة ولم تسعى لفرض ولاية مشابهة، فقد كان أبو لهب اكثر ذكاء من منح اصنامه المصنوعة من التمر ميزة سماوية أو فضل إلهي لقوته..
فتجارته وامواله وغلبة قبيلته كافية لمنحه السلطة التي حارب بشراسة للاستحواذ والابقاء عليها بعد نزول الإسلام الذي ساوى بينه وبين عبيده، وجعل من التقوى المقياس الحقيقي الوحيد بينهم..
في نهاية المطاف لقى ابو لهب وجاهليته حتفهما، واستمر الاسلام بالمقاييس الإنسانية العادلة الباقية..
ومن المؤسف توارث البعض لجاهلية معطوبة الحواس، تفوقت في فقدان بصيرتها على هالكي قريش، كُتب على جبين اليمني مقارعتها بحرب مستمرة منذ مئات السنين، لا يكاد ينهض من كبوة حرب ليشمر عن سواعده لحراثة الارض، حتى يضطر لإحراقها وزرعها بالموت والدماء مرة اخرى، وقد أقسم على تخليص التراب من تلك الوصاية..
تشبعت الأرض من الحرب والموت، ولم يتعلم أرباب اللوحات المعصومة من اخطائهم القديمة..
 نقف أمام فقدانهم لبوصلة بصيرتهم ونحن نستعد لجولة قادمة لمشاهدة تدحرجهم وتعثرهم بتلك اللافتات لنهاية جديدة، فمثل تلك الاماني أصبحت نوع من والأوهام التي لا مجال لتمريرها على عاقل أو مجنون مرة أخرى..

نور ناجي
حفاة الأقدام ..

حوار ابتدأ بالمقارنة بين مميزات وبركات الولاية وعيوب الديمقراطية!، وتشعب بعدها حتى غدى مقارنة بين ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد، وبين الحادي والعشرين من نفس الشهر، _اعز الله قدركم_..
حديث بلا جدوى، منذ حروفه الأولى اعلم أنه مجرد جدل عقيم لا ينبت سوى مزيد من الحقد والكراهية، تماشيت مع حروفه لمجرد التسلية. احب إثارة جنون من يحادثني حين أصاب بالملل، لا ضير من مشاهدة انفعالاتها وتشنجات خطوط وجهها الحائرة وانا اتلاعب امامها بالألفاظ كقطة مللة تلعب مخالبها بخيوط من الصوف..
" حفاة الاقدام قاموا بانقلاب على المملكة المتوكلية ميزان العدل، وحافظة الدين،  ومنبر الحرية في العالم "!!!..
انهت جملتها ولعابها يتناثر حولها من قوة الأداء!!، مشهد تستحق بعده التصفيق الحاد، وددت أن اطلب منها إعادته لأتمكن من تصويره، فمثل هذه المشاهد لا تتكرر كثيراً، انفعالاتها المتقمصة للدور اكثر صدقاً من اداء (آل باتشينو) في اروع ادواره..
منتهى البراعة والابداع!!..
صمت بعد عبارتها طويلاً، وهي تنظر لصمتي في ريبة!، هل صفعتني بردها وتمكنت مني حتى عجزت عن الرد، ام انني استعد لجولة أخرى !!..
جميعنا يعلم بأن اوهام كراماتهم كذبة سمجة لا حقيقية لها، فلم تستطع أن تستشف من ملامحي أن جدي هو السبب الحقيقي وراء الهدوء الذي اكتنفني..
جدي الذي عاد لذاكرتي بصورة قديمة متآكلة الاطراف، متدرجة اللون بين الابيض والاسود، وهو يلبس مئزره القديم ( حافي القدمين ) كما نعتته تماماً!!.
الحافي هو الشخص الذي لا يملك ثمن الحذاء كما تعلمون، وكان جدي يمشي  كمعظم اهل اليمن ( حفاة الاقدام )، منتعلي جلود اقدامهم الخشنة، فلم يمتلكوا ثمن حذاء، ولم يقدروا على رفاهية شراءه..
انا حفيدة حافي القدمين !..
كيف لي ان اصف شعور حفيدة حافي القدمين عاري الصدر!، نشوة لا تستطع حروفي توصيفها، وفخر نافس بجدارة عنتر ابن شداد وهو يمسك بسيفه مغازلاً قطرات الدماء الحمراء المنسابة عليه..
انا حفيدة حافي القدمين !..
الرجل الذي انغرست اقدامه الحافية في الارض وتجذرت عميقاً، سقاها مع أبناء جلدته (الحفاة) من عرقهم الغزير حتى ارتوت في مواسم جفافها الصعبة..
لم تكن جائرة في وصفها، حفاة عراة .. لكنهم عرفوا مكمن الخطاء، وفضلوا شراء المعاول على جلود النعال ليعزفوا اروع الالحان، وهم ينزعون ويقتلعون أصنام غريبة " ذات احذية لامعة"، ويلقون بها رماد لا يزال يبكي نثره حتى اليوم. تخلص جدي من براثن الأصنام ليشتري لوالدي حذاء وتسنى لوالدي من بعده شراءه لي..
اعطيت نفسي الوقت الكافي لقراءة الفاتحة على روح اجدادنا، ولها مثله لتنتشي بفرحها ، وقلت :" هل تعتقدين بأننا سنقف مكتوفي الأيدي أمام عودة اصنامكم خوفاً من ان نمشي حفاة!، لعل مشكلة هذا الجيل ارتداءه للأحذية التي منعتنا عن تلمس ذرات التراب والاحساس بها وهي تداعب اقدامنا، وربما لبسناها بطريقة خاطئة فارتديناها حجاب على رؤوسنا عزلتنا عن الخطر المحدق والمتربص بنا، فأصابنا في غفلة ونحن منشغلين بتلميع جلود احذيتنا..
أوكد لكِ ان اصبحت الاحذية في يوم ما سبب لخنوعنا، سنخلعها، لا اجمل من خلعها والرقص حفاة الاقدام، على أشلاء احلامكم وأماني اصنامكم الجديدة"..
لا اعتقد انها شعرت بالخجل وهي تحملق بي، مثلهم لا يخجلون، ربما تذكرت جدها وحذاءه هي الاخرى!..
لم تنطق بحرف وهي تسمعني ادندن اغنية كاظم الساهر" حافية القدمين"، وانطلقت لترتدي فردتي حذائها خوفاً من أن تحرق تراب ارض اجدادي قدميها، وغادرت..

نور ناجي

http://almasdaronline.com/article/94224

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

سلاحف إنتظار ..

لا أنكر أني والكثير من اليمنيين كنا ومازلنا _في بعض الحالات_ نعاني من مشكلة إدراك الأمور بشكل متأخر، قاسينا كثيرا في محاولة تلمس اعذار لمن حولنا تبريراً وانتظاراً..

حالة تجعل صاحبها أقرب لسلحفاة تخرج رأسها من تحت درقتها الصلبة مندهشة للعالم  الذي سبقها إليه الكثير وانتهوا من قسوته بينما تتلقى صفعاته بروح البدايات الاولى..
قد يراها البعض نوع من التبلد أو تصنع البلاهة، على الرغم انها في بعض أحيان كثيرة قد تكون نعمة لا ندرك قيمتها إلا متاخراً.. 

ابتعدت عن حالة الانتظار التي عشتها منذ بداية الحرب، وتركت ما يؤرقني لفترة من الزمن، لا مزيد من فهم متأخر لمغامرات الحوثي أو  تبريرات لفشل الشرعية، كما أني لن أضيع حياتي منقلة بصري على شاشات قنوات المصارعة الحرة بين من يخشى على "دولة ما" من كلمة تجرح احاسيسها المرهفة، وآخر يفني نفسه من أجل أرضاء غانيته المراهقة في" الطرف الآخر "، في صراع لا يهمني منه شيء سوى إزاحة أجنداته التي اقتحمت بلدي عنوة..

لن أقول " تباً للجميع " فانا مهذبة بما يكفي لأن اترك شعب بأكمله يقولها  نيابة عني..
يبدو أني بدات في التغير وفهم ما يجري حولي أخيرا، لم أعد تلك السلحفاة في مسألة الحرب على الأقل...

لكن اكتشافي المتأخر لمكتبة الفنان الرائع أبو بكر سالم اعاد الباسي درقة السلحفاة المندهشة بلذة ومتعة لا انكرها ..
  
هذا النهار وبينما كنت في مطبخي أقطع البصل في حضرة الكبير أبو بكر وهو يصدح لي بلهفة عاشق :" وإن شي عندكم لي قلب عاره، تعيروني فقلبي ما دريت أين؟!" !!
 أعترف أني كنت على وشك الاستسلام له ووهبه قلبي وكليتي أن اراد، قبل أن تقاطعني رنة رسائل هاتفي!..

تركت قلبي على الطاولة لاجد ڤيديو قصير  لمجموعة من الانقلابيين يلقنون ما قيل إنهم مجموعة من الأكاديميين في حفلة ما أو فعالية وهم يرفعون أيديهم على الطريقة النازية، في استنساخ سخيف!..
كم أمقت السخافة وتكرارها..

مسحت "يدي ودموعي وابتساماتي" لاكرر مشاهدة المهزلة وأنا أسأل نفسي هل جاء وقتي للفهم الخاطىء وسرد التبريرات على ما أراه، والحق يقال إن فيه ما يحتاج للكثير منها..
على سبيل المثال بأمكاني الهتاف وبمنتهى الحماسة: " لن يخرج من رأيته في الفيديو عن مغيب، جاهل أو مُجبر، من المستحيل أن ينبطح اليمني بهذا الشكل المعيب والمذل، تاريخنا منذ البداية يرفضهم، هناك خطأ ما " ..

" على من هذي الهدرة ؟! "..
خرج صوتي مخرساً أفكاري قبل أن أمسح الفيديو الملوث من هاتفي " الجديد"، وأقدم اعتذاري الشديد للفنان أبو بكر _ ليقبله بعد جهد_ ويعود للوقوف على مسرح طاولة المطبخ الرخامية، مغرداً بحنجرته الذهبية بشكوى خاصة لي من جديد :" بلانا بهم ربي، وولاهم على قلبي وهو غالي، ما دام في يدهم قلبي يميتونه ويحييونه!!!" ..

قد يعتقد البعض إصابة قلبي بالبرود والتبلد، لكم أن تسألوا دقاته ليثبت لكم العكس وهو يتراقص على هذه ألالحان المُكتشفة، كل ما في الأمر أنني أدركت أخيراً لعبة الحرب وشروطها القذرة ولم تعد لتصيبني بالدهشة، إدراك سيجعلني أشد قوة في مواجهة سنواتها التي نعلم جميعاً انها ستطول..

فليهتف من يريد الهتاف، فقد بح صوت الكثيرين قبلهم، وانبطحوا أمام التاريخ وعلى مرآى من الحاضر..
من رفع شعاره الحوثي كان واع لما فعله، ومن القي اعذار للحكومة الفاسدة فاسد مثلها، ومن اعطي حزبه أو جماعته الحق في تخريب اليمن بحجج لا معنى هو في منتهى البساطة  مخرب صغير يحمل آمال وطموح للنمو في عالم التخريب والجريمة..

لن ينتصر في هذه الحرب أحدا منهم، وفي ذلك رحمة من الله سبحانه وتعالى، فجميع سياسي اليمن ومن يدعون بأنهم نخبتها الواعية لا يملكون شروط النصر ولا يستحقونها..

كل ما علينا فعله هو التطهر من خطيئة ولاءاتنا السابقة " لغير اليمن" خلال البحث عن حياة مقبولة للعيش، ولا بأس من تزيين حالة انتظارنا بجمال خفي جاء الوقت أكتشافه،،،،
ريثما تجرف الحرب الغثاء العالق على سطحها..

نور

الجمعة، 24 أغسطس 2018

عزاء (صرخة)


نور ناجي

 في البدء ترددت في الذهاب..

للأسف لم تترك الحرب لإنسانيتنا الكثير من الخيارات لفرض شروطها، لكني تغلبت على الكراهية التي لُطخنا بها وأجبرت نفسي على أداء واجب العزاء، وانا ابرر لنفسي: "ما زال اليمني يملك القدرة على التخفف مما أثقل به".
 
أحذية النساء على باب المنزل تنبئ بازدحامه، اتخذت مكان قريب لباب الخروج على أمل المغادرة سريعاً..
 
طال الوقت ولم تظهر نساء العائلة، اللائي اتضح انهنّ ذهبنّ لأداء طقوس غريبة عنا "إحياء زفة الشهيد"!، واستبقين مراهقة خجلة بأجفان متورمة تلملم دموعها لاستقبال المعزيات.
 
توالت أسئلة النساء على الفتاة المرتبكة بين الصمت والحديث، وكأنها لا تعلم ما المقدار المسوح لها بالبوح به..! لم يكن القتيل في نجران، كما كان يردد أثناء زياراته المتقطعة للحارة، ولم تكن عسير على خط ناره! انتقلت الحدود المتاخمة لليمن لتتقلص حول ضواحي مدينة تعز !!
 
تفاجأت النسوة حين علمنّ أن نيران (الدواعش) بريئة من تهمة قتله، وأن سر وفاته مازال مجهولا، لم يُكتشف، رغم تشابه حالته مع حالات أخرى سبقته. بحثوا عن لدغة عقرب أو افعى في الأجساد، إلا أنها كانت سليمة. هنا أرتفع صوت إحداهن- ادعت الهمس لجارتها ليتردد مرتفعاً على جوانب المكان: "إنها الحبوب التي يشربونها..".  كان ذلك هو السبب المنطقي الذي قد يتبادر للذهن. جرعة مفرطة لـ"الشمة" لن تكون هي الفاعلة بكل تأكيد. إلا أن الاشفاق على حزن الفتاة يمنعك من الانسياق في مثل هذا الحديث !!
 
لم يطل الوقت كثيرا حتى وصلت النساء من (الزفة ). مهما ارتدت المرأة من وجوه ميتة القسمات، إلا أنها لا تستطيع خداع الفرحة واستدعائها، ولم تمض عليها سوى ساعات منذ اهالت التراب على قطعة من روحها. لن تحمل زغرودتها نشوة النصر بعد وداع ابنها أو زوجها، مهما بلغت قسوتها وقوة ايمانها بتضحيته. كنّ فقط يحبسنّ الحزن خلف قضبان صدورهن !!
 
بدأت نساء العائلة في سرد ملحمة القتال الشرس الذي قاده قتيلهم ضد (الدواعش)، قبل أن يحظى بالشهادة. الكل يستمع وهو يقلب عينيه بين القصة وبين الفتاة التي تترجى برعشة خوف: "اكتموا عني ما زلف  به لساني.." !!
 
 
انطلقت (الصرخة) البغيضة في المكان، قبل أن تتهاوى على الأرض حين لم تجد من يتلقفها من الحضور، متقلصة لكيان بشع لا ملامح له، يتلوى وهو يصارع موته وقد أدراك بأن عهده على وشك الانتهاء.
 
ترديد العدم لا يعني حصولك على شيء مقابله، خاصة حين يدرك المرء خسارته لكل شيء، نظير صرخة يدرك على الأغلب حقيقة فراغها إلا من حروفها...!
 
(الصرخة) القاتلة؛ السفاحة؛ المطلوبة الأولى على هذه الارض، بعد أن غدت عدوة الجميع، لم تكتفي بقتل المعادي لها حين رفع سلاحه عليها، بل امتدت لخنق أصحابها بسمها الزعاف..
 
استأذنت مغادرة، لألمح اطفال القتيل ساهمين، وانا أعبر حوش منزلهم. ضاقت علي نفسي، وأنا أرى نظرة الضياع في أعينهم وهم يحاولون استيعاب الموت.
 
 لعل صغيرهم يتساءل بصمت: "هل سيرتدي ملابس العيد، أم أن لا عيد له هو أيضاً" ؟!
 

الأحد، 19 أغسطس 2018

الغرفة مظلمة، لا أثر لحياة فيها غير لهاثه المتسارع وصرير سريره المزعج، قبض على صدره عله يعرف سر الشوق الذي شقه فجأة صارخاً به أن يعود فالجميع في انتظاره!!..

يعود؟!..
إلى أين؟!..
لا يعرف سوى هذا السقف، ولا يستطيع تفسير فقده لمنزل وأشخاص أوجدهم خياله فجأة..
منزل ليس حقيقي، لم يكن له وجود قبل هذه اللحظة، ووجوه لا يعرف أصحابها برغم حنينه اليهم !..

حاول رفع كفه لمسح حبات العرق عن جبينه إلا أنه شعر بثقل يكتفها..
لحظات لم يتبين مدتها حتى وجد نفسه متحررا بين النوم واليقظه، يغادر جسده لينضم إليهم..

نور

السبت، 18 أغسطس 2018

تمرد خروف..

لم تعد أضحية العيد تشكل مشكلة بالنسبة للشعب اليمني، "لقد حاربنا الغلاء بالاستغناء" كررت العبارة في نفسي وانا أعبر أمام محل الجزارة الممتلئ بالأضاحي والمكتظة بها شوارع المدينة.

شعرت باعين تلاحقني حين وقفت لأتسوق من محل الخضار، تجاهلتها بعدم الالتفات حتى يمل صاحبها، إلا أن ذلك التحديق استمر مما جعل الفضول يدير رأسي عنوة باتجاهها.

لم يكن عابراً كما ظننت، قرنان قويان على رأس خروف بفرو اسود يتكئ على جدار محل الجزارة يحدق نحوي ببرود لا مبالي...! لا ينقصه سوى خنجر في يده ليبدو كمجرم استطاع الإفلات من المحاكمة وراح يبحث عن ضحيته الجديدة...!

تأكدت من وجود حبل يربطه، على الرغم من عدم ثقتي في أن أي حبل قد يستطيع الوقوف أمام رغبته إن أراد ذلك ونواه...!

انا هنا أمام حالتين لا ثالث لهما: إما أن أحدهم سرب للخروف نسخة من فيلم الخيال العلمي "Black Sheep"؛ وإما أن الأعراض النفسية المرافقة للحرب اصابته !!

لا أحد يستطيع إنكار التغييرات التي أصابت الأنفس نتيجة الحرب؛ هرم انكفأ على قمته، مغيرا الكثير من المفاهيم والقيم، جعل من اللصوص قادة، والشرفاء يقتاتون من أوجاعهم وصمتهم. لن تعجب حين ترى أن بعض أسود البشر لم يعودوا أُسوداً، حتى حملانه تمردت ولم تعد سهلة الانقياد، كالسابق !!

تُحدِثُ الحروب فجوة في قاع انفسنا بين الماضي القريب والحاضر، يتخذها الحزن مقراً له، لا يلبث أن يتحول إلى شعور لا مبالٍ، فض، إن لم يجد ما ينتقم منه، يقتات منا...!

هل امتد تأثير هذه الحرب إلى سلوكيات الحيوانات فتوحشت هي الاخرى لتبدأ عملية ثأر عشوائية ضد بني البشر؟!

حاولت سبر أغوار الخروف الذي أرخى جفنيه بنظرة ميتة. أستطيع تفهم نفسيته، وهو يستعيد من ذكرياته ما يعتقد أنها مجزرة وقعت على أسلافه؛ يساقون إلى الذبح جيلا بعد آخر، إرضاء لشهيتنا ونزواتنا. لكن ذلك لا يعني أن يضعني أنا نصب عينيه كانتقام مرض له !!

 لم أكن يوما من محبي لحوم الخراف. فضلت على الدوام لحوم العجول عنها. نفضت الفكرة سريعاً من بين خلايا عقلي، حتى لا تصل إلى العجل الذي يهز ذيله بغباء، غير مكترث للمعركة الوشيكة بيني وبين الخروف ..!

حاولت فتح نقاش معه؛ يجب أن يفهم أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وقد حان الوقت لتجاوز تفاصيل الماضي. ما مضى لم يعد مهما، ولن يستفيد من اجتراره بعد أن فصلنا عنه بمساحة تتسع كل يوم عن الاخر. اعلم أنه يريد أجوبة مريحه لأسئلته، ولا أعلم يقيناً لماذا اختارني دونا عن بقية من في الشارع لأجيبه عليها...!!

بالكاد، التقطت انفاسي بعد أن اجتاز الخروف الحد الفاصل بين التهديد الصامت والفعل، وقد نفض عنه تكاسله وضرب الأرض بحوافره في حركة تدل على هجوم وشيك..

أغمضت عيني انتظارا لقدري، الا أن وقت الهجوم تأخر !! لم أكن قد انتبهت- في خضم معركتي- إلى صوت الطائرة المحلقة في السماء، حتى أعدت بصري للمهاجم، متسائلة عن سر تباطؤه، لأجده يحدق في السماء قبل أن يعيد نظره إليّ وقد استبدل نظرته الشريرة بأخرى لا تعابير لها...!

تركت المكان مهرولة قبل أن تختفي الطائرة. هل أخافه صوتها وأعاده إلى جادة الصواب؟!، أم أن مرورها جعله يعيد التفكير ملياً في أسباب انتقامه؟ أي خروف عاقل، لن يلطخ يده بجريمة بائسة، بينما يقوم البشر بذلك نيابة عنه...!!

الأحد، 12 أغسطس 2018

عالم جديد

العالم على وشك الغليان، أي طباخ ماهر يستطيع التنبوء بذلك، لم يبق سوى القليل لتظهر فقاقيعه على السطح ويبدأ بالتبخر ..

ليس الأمر بذلك السوء، فنحن على اعتاب عالم جديد..

 بعيدا عن المجازر التي ستقام والجثث المحترقة التي سيتم التقاط صورها من على الطرقات لتكون أرشيف مفيد للتحذير من همجية الحروب وأثرها السيء، قد تكون الحرب مفيدة إن حكَم الإنسان عقله أثناءها واكتفى بالسلاح التقليدي ولم يضغط زر سلاحه النووي المخزن..

على الرغم من اعتراض المنظمات الحقوقية على مثل هذا القرار فالسلاح النووي هو الأكثر رأفة ورحمة بضحاياه، سرعته في اقتناص موت رحيم لا ألم فيه، تجعله المفضل على قائمتها، الا أن القليل من التضحية لن يضير ولن نكون من الأنانية بحيث نتجاهل مصير الكوكب ومن سيبقى حياً عليه..

لن نجد حركة تصحيح عملية ومفيدة لتجديد الحياة وإعمارها بتنمية غير عادية مناسبة أكثر من عجلة الحياة ما بعد الحرب، انتاج غير عادي وحركة غير مسبوقة ترتفع فيها نسبة دخل الفرد ومستواه المعيشي، فالتعداد القليل للسكان يساعد في تنظيم الحياة ووضع منهجية جديدة لها بعد تخلصنا من النسبة التي كانت  تصنع الازدحام والفوضى على أرضه..

ستتصدر المرأة وتتبوأ المراكز القيادية كحركة تصيحية تأديبية للذكور الذين أثبتوا فشلهم في حل الأزمات التي قاموا بصناعتها في المقام الأول..
كما هدمت يد الرجل الحياة، تعيد بنائها مرة أخرى باختلاف تلقيه الأوامره صاغرا من اصابع المرأة، النصف المفكر والأهم في أي مجتمع...

ستعاد صياغة حقوق الحياة مرة أخرى وقد أعطيت حقها الكامل من الاحترام والتقدير، سواء كانت لإنسان أو حيوان أو نبات، وستسن ضد محاولي منتهكيها أقوى الأحكام واشدها عنفاً، قد تصل لحد نزع الحياة!..

لن يعود العالم كما كان عليه سابقاً، ولن يسمح في قوانينه الجديدة بوجود عنصرية قديمة تسببت في حروب العالم عبر التاريخ، لا تهاون في هذه النقطة، وان ادعى الأمر لفرض عنصرية جديدة ضد أي تشكيك أو محاولة نقد  واعتراض على هذه القوانين..

لن يفتح باب للنقاش أو إبداء الرأي في العصر  والعالم الجديد تجنباً لكافة أخطأ الماضي البائد، لنسطر عهد وتاريخ جديد مفعم بالديمقراطية " المأمونة الجانب" ..

نور ناجي

السبت، 11 أغسطس 2018

https://yemenshabab.net/opinions/1266#

قبل السد وبعده


لم تنل كارثة طبيعية من اليمن كتهدم سد مأرب في منتصف القرن الخامس الميلادي. حدثٌ غير منعطف التاريخ اليمني، تغيرت على أثره طبيعة الأرض وجغرافية توزيع السكان بما عليها من وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي.

لك أن تتخيل القوة والارادة التي اكتسبتها اليد العاملة على السد وهي تقطع الجبال لتعيد غرسها وربطها بمسامير من النحاس والرصاص لتصبح سدا منيعا ضد إهدار مياه الأمطار ووحشية عبورها في أكبر مشروع اقتصادي عالمي في ذلك الوقت المبكر.

اكتسب اليمني قوة السد وثباته خلال بنائه، وحاكى صلابته بعد اتمامه البناء، ليتحكم بأهم الطرق التجارية البحرية، بالإضافة إلى القوة الاقتصادية المتمثلة في سلة غذائية لا يستهان بها في عمق الصحراء.

عرفت تلك الشخصية- وقبل نزول الاديان السماوية- التوحيد، واختارته بإرادتها الحرة. وإن فضلت غير ذلك، كانت إرادتها هي المتحكم في ذلك التفضيل. فلا يمكن لأمر أو قرار أن يجبر اليمني على الخضوع له، سوى قوة منافسة أو أكثر غلبة.

اهتزت شخصية اليمني مع اهتزاز دعائم السد، وأصيبت روحه بالهزيمة مع كارثة تحطمه وردمه ببقايا الطمي، ليجد صاحب الارض نفسه مرغماً على الرحيل بحثا عن الأمان، بهجرات متتالية تختلف عما سبقها من هجرات توسعية، وصعد من قرر البقاء للجبال بتوجس من غدٍ بلا سد أو سند، لا يملك غير الاعتماد على سحابة ثقيلة قد تمن عليه بقطرات مطر وهو يهيئ لها منحدرات الجبال لاستقبالها. لعل الاكثر حظاً هو الذي انتقى مصبَّات الأودية والسواحل، فرزقها لن يجبره على تحمل قلق الترقب..!

اليقين في النفس البشرية هو سر استمرارها في الحياة. لعل فقدان اليمني مصدر قوته ويقينه في قوة السد، أوصلته لحالة شك وقلق نتيجة الحياة غير المستقرة الجديدة عليه، فبحث عن يقينه في السماء عبر الأديان وثباتها بلهفة غير معهودة. فلم يعد فيه ذلك المتباهي بمدن لا مثيل لها في البلاد، أو المتجبر الذي يحفر الاخاديد رفضاً لدين لا يروق له...!

استمر في البحث عن البدائل، ضماناً لاستمراريته حتى وصلت قوافله لمبايعة الرسول محمد (ص) في المدينة، التي كان اليمنيون القاطنيين فيها أول من ساندوا دعوته وآزروها.

من ينظر إلى التاريخ اليمني بعد فترة انهيار السد، قد يجد أن اليمن- في الغالب- لم ترفض استقبال دين أو دخول مذهب، ولم تحارب فكرة عبرت حدوده. تقبل جميع من هاجر اليه متساهلا، وفتح لهم مجالا للنمو والتوسع، بل وللحكم. وعندما ارتفعت اسلحته ضدهم، لم تكن حربه ضد الفكر، بقدر ما كان عدوه الحقيقي سياسة الحكم الظالمة، أو تحدي إرادته في استعادة حقه الطبيعي بحكم أرض اجداده.

قد يندرج الحديث عن تهدم السد تحت باب معرفة التاريخ المثير للاهتمام، لكن ذلك لا يمنع تساؤلات تطل بين الحين والآخر في إمكانية استمرار شعور اليمني بتهدم السد حتى اليوم؟! أو أن ما يعانيه من حرب، تلخيص لمعضلة التخلص من أرث تساهل قديم؟! أم أنها فرضية لا تصلح للنقاش؟!..
بلا قيمة..

لماذا تفعل ما تفعل؟!
 ارتفع حاجباه في دهشة، منذ متى تطرح عليه نفسه هذه الأسئلة؟، ومتى تعلمت طرحها؟!..
ثبت بندقية القنص على كتفه واغمض إحدى عينه ليركز بالاخرى عبر عدستها المقربة..

كان رأسها المغطى بالسواد وراس صغيرها واضحا وهي تتلفت بخوف بينما تعبر الوادي، هل انبأها حدسها بوجوده أم أن سمَعة المكان باقتطاف الاحياء صار معلماً بارزا!..

اغمض عينه على الرعشة التي اجتاحه، رعشة غريبة عليه!..
 لقد أصبحت له قيمة أخيراً..
 قيمة مخيفة، لكنها مناسبة لمن لم تكن له قيمة من قبل..
طوال حياته وهو معلق على الهوامش، نكرة، مجرد كائن منبوذ يبحث عن طريدة ينهبها، أو غنيمة يسلب صاحبها، لم يكن شيء حتى استحق قيمته بقناصته التي لا تعرف الخطأ  وهي توزع الموت..

ليس هذا وقت مناسب للأسئلة، تابع مراقبة المرأة قبل أن يبعد البندقية عن وجهه ليبصق على الأرض، والسؤال يلح عليه مرة أخرى:" لماذا تفعل ما تفعل؟!"..

لابد وأنه الشيطان من يوسوس له، ليعود إلى ما كان عليه "نكرة بلا قيمة "، ولن يسمح له بذلك، حدد الهدف بوضوح وأطلق الرصاصة بلا تردد، وجمع اشياؤه مغادراً المكان..

أنه دين ويجب على الجميع دفع ثمنه، صراخ ذلك الطفل وهو ينادي والدته الملقية في قعر الوادي ليس سوى جزء يسير من سداد الدين..

سيكبر يوماً ويشكره على منحه الحياة..
الحياة التي لن تبخل عليه بأهم دروسها، "ما الذي يعنيه أن يكون إنسان بلا قيمة "..

نور

الاثنين، 6 أغسطس 2018

حفلة زفاف حكومية..

لا أملك في حياتي سوى دعاء والدتي ونصائح اختي التي لا تكتفي بعض الأحيان بالجمل الكلامية !!..
لهذا فقط وافقت على الذهاب لحفلة الزفاف مرغمة وقد استنفذت جميع اعذاري التي باتت أوراق مكشوفة للجميع،،

عبرت مدخل قاعة الزفاف لاصدم بغلاظة الحارسة التي لا تكتفي بتفتيش الحقائب !!..
أخرجت هاتفي بمنتهى الأدب وسلمت نفسي لها رافعة ذراعي، لا شخص يعلو على القانون!.. 
لعل استسلامي المباشر اثار فيها الشك عكس ما كنت اتوقع فزاد اهتمامها بي !!..
 لولا انقاذي على يد ابنة أخي لكانت حتى الآن تبحث عن الشريحة المغروسة تحت جلدي..

وقفت أمام المرآة كالجميع لتعديل الميك اب قبل أن يرتطم قفاي بصوتها :" يووووو ،، نور ما عرفتك، سمنتي يا دبية!!" ،  " ما عرفتني، هااااه ،،،أول أمس شافتني على سلم العمارة والدنيا سلامات !!"، رسمت ابتسامة باردة لاخفي أمنية بغرس اصبعي في عينيها، لكني تماسكت ورددت بهدوء :" بعض الناس فيهم بركة تبان عليهم نعمة ربنا على طول "..

تركتها وامسكت بيد ابنة أخي ودخلنا القاعة..
" هذا حبيبي،..
 أحبه كلش !!"..
لم استطع التقاط بقية الجمل الغنائية :" من هذا المطرب المزعج" سألت، فجاءني الجواب :" وليد الشامي "، " وديع الصافي!!! " اجبت متعجبة من الميوعة التي أصابت الصافي!، إلا أن جواب ابنة اخي لم يصلني من شدة الضجيج، هززت كتفي غير مبالية:" لعله مصاب بنزلة برد "!!..

حالفني الحظ في الحصول على موقع استراتيجي في القاعة امارس فيه هوايتي المفضلة، "البحث بين الملامح عن قصص أصحابها"، لم أكد استقر في مكاني حتى تفاجأت " ببن دغر" مواجهاً لي!!..

أنه بن دغر لا محالة بباروكة صفراء مبتذلة، رسم حاجبيه بخط ثقيل لاخفاء ملامحه!، كيف جاء وكيف استطاع الإفلات من الشرطية الحارسة لبوابة القاعة، " هل قراء مقالتي الأخيرة, وجاء وقت الحساب"!!..

حاولت تجاهله بصعوبة وأنا أدير نظري في المكان لالتقاط قصة شاردة، إلا أن ابنة أخي كانت تقاطعني كلما بدأت في الاندماج لترد على إشارات التحية والسلام من بعض صديقاتها، مددت خيط بصري لاجد المسافة التي تفصل بينها وبين أقربهن تبعد مائة سنة ضوئية، لا أحد يسمع ما تردده شفتاها غير طبلة اذني!، " بدكمة " من مرفقي صحت بها :" اشتغلي على "الصامت" يا صاحبة الواجب، يكفي دوشة وديع الصافي.. "، توقفت فجأة عن مواصلة صراخي حين شعرت بحدقات تخترقاني، فالتفت لاواجه حدقات بن دغر ، ابتلعت ريقي وانا ادندن مع الأغنية" أحبه كلشششش"..

" يا بتاع النعناع،
 يا منعنع، يا منعنع " ..
لن اعترض على " فتى الدي جي" وذوقه الموسيقي البائس، مثلي التي تلوثت باغاني هشام الشويع في الفيسبوك، تجردت من حق الاعتراض، " يا منعاه يكفي تنشروا أغانيه، لقد هرمنا، هرمنا"...

بعد مرور بعض الوقت لاحظت أمر غريب!!..
 لا تكاد المدعوات يجلسن دقائق في اماكنهن حتى يتركنه ويدرن في ألانحاء كنحلات في قمة النشاط والحيوية؟!، هل انكشف أمر تسلل بن دغر ورصدت جائزة لاصطياده، انا التي عثرت عليه أولا، لابد وأن تكون الجائزة من حقي!!..
 سألت ابنة أخي_ التي اتضح لي خبرتها العميقة في الاعراس واسرارها_، واتضح لي أنه يتوجب على المرأة بشكل عام، والفتاة العزباء بشكل خاص اللف والدوران في أنحاء القاعة ليراها الجميع، سيذهب ثمن الفستان والتسريحة هباء إن لم يطبعا في أذهان المدعوات!!.. انكمشت في مكاني، لا يستحق الفازلين واللعاب الذي ثبت به شعري معاناة جري الضاحية، وسمحت لابنة اخي بشق طريقها، فانا عمة متحضرة ولن احرمها من ممارسة حقها الطبيعي!..

" المغنى حياة الروح،، 
تشفي القلب المجروح،،
يا الله نرقص ونغني،،
ونعيش باحلى جنة" ..
بعض الأغاني لا تموت ومنها هذه الأغنية التي اتذكر سماعي لها في أول عرس حضرته طفلة، انسجمت مع اللحن وكدت اصفق، لولا ان اعترضني صوت اعرفه جيداً :" هل المكان محجوز؟ !!"، رفعت رأسي قبل أن انتفض من مكاني واستقيم واقفة، ملقية بحقيبة ابنة أخي أرضا لافسح مجال لرئيس الجمهورية وانا اهتف بصوت جهوري " تحيا الجمهورية اليمنية "، لن يستطيع " هادي " التخفي عني حتى بالروج الاحمر الفاقع الذي تجاوز خطوط شفتيه، وباركوة الشعر السوداء القصيرة القريبة من تسريحات الستينات، تمنيت أن اهتف له :" الأسود يليق بك" إلا أن حيائي منعني.. 

يبدو أن الحكومة مجتمعة هنا، هل اقترب وقت الخلاص، أم أنها مجرد زيارة روتينية؟!، ترى من في المكان غيرهما، هل الافندم موجود؟!..
تركت فضولي وبدأت في استغلال اول لقاء لي مع سيادة الرئيس، لافغر فمي مندهشة من حروفه الخارجة من شفتيه، لقد حدثت المعجزة وغير لهجته البدوية _ التي تروقني كثيراً _ ليتحدث بأخرى صنعانية!!، هل هذا الرئيس فعلا أم شبه لي؟!..

اقبلت ابنة أخي وتحولت ملامحها لشر مطلق اخافني حين رأت حقيبتها الملقية أرضا، وبدات معركة "ردح " مع سيادته لا تخلو من الاتهامات، حاولت تحذيرها الا أنها لم تنصت وقد بدأت علامات انتصارها تلوح في الافق، هب الرئيس حنقاً من مكانه وراح يرمقنا بنظرة مشمئزة قبل أن يغادر وهو يقول :" حقروكن "..

مضى الوقت بطيئا ولم اتجرأ على الاقتراب من بن دغر _بعد اختفاء الرئيس_ لم اكن لاجد انسب من هذه الفرصة لتقديم ورقة طلب منحة تعليمية لابنة اخي ذات اللسان الطويل، أو للحصول على وظيفة سفير لليمن في النرويج، يقف الأهل" حتى الصغار منهم" أمام مستقبلنا ومخططاتنا ..

انتهت الحفلة المزعجة، وخرجت من القاعة بعد أن ألقيت تحية وداع حارة للحارسة التي مازالت ترمقني بتلك النظرات الممتلئة بالشك والريبة، وعدت " لزوتي" الحبيبة!!..
 كسفينة عادت لضفتها بعد رحلة سفر طويلة ومنهكة وأنا أردد بفرحة: " عز القبيلي بلاده، ولو تجرع وباها "..
ألقيت بحفلة الزفاف وبن دغر، وسيادة الرئيس خلف ظهري، وامسكت بدفتري محاولة فك أسرار خطي،، بلا جدوى!..

نور ناجي..

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...