الاثنين، 29 أكتوبر 2018

مات الملك ، عاش الملك 
من سخرية القدر أن الجمهورية اليمنية الغت النظام الملكي منذ ثورة السادس والعشرين من شهر سبتمبر من العام ١٩٦٢م، إلا أنها وبالرغم ذلك مازالت معلقة بملوك لا يقيمون على أرضها.

 لا يزال الرئيس باق على رأس الجمهورية، مادامت المملكات حوله راضية عنه. أما ذلك الذي يحاول ادارة ظهره عنها، تجابهه بسخط قد يقصر في فترة توليه الحكم..

لم يمر قيام الجمهورية اليمنية، بالسهولة التي نقرأها في صفحات بعض الكتاب. حوربت من جارتها الملكية لسنوات طويلة بالمال والسلاح، استنزفت خلالها الجمهورية الوليدة من رجالها ووقتها، وربما من الكثير من حماستها التي قامت عليها.

 فقيام جمهورية في وسط محاط بملكيات، يصيب الجميع بحالة توجس دائمة. ارتباط لا سبيل للفكاك منه، معلق على رقبة الجمهورية، كما تراه الملكية حبل تهديد على حياتها. وفي مثل هذه الارتباطات، لا تعني الابتسامات دائماً السعادة والترحيب، كما أن قبضات الأكف تخفي الكثير خلف ظهورها ..!

الجبهات متوقفة، والجنود في ثكناتهم انتظارا للأوامر "الملكية" بالتحرك. ليس هذا بالحدث الجديد أو المستغرب، فقد أدركنا أنها من يصدر الأوامر الفعلية، واعتدنا على توقف الجبهات بين الحين والآخر منذ اشتعالها، على الرغم من أن الطرف الوحيد المستفيد من خدمات الهدنة، غير المعلنة، هم ميليشيا الحوثي!..

الميليشيا، التي تسابق الوقت بحركتها الدؤوبة، ولا تأخذ فرصة لاستراحة أو مراجعة للحسابات. فالاستراتيجية التي تسير على خطاها واضحة منذ نشأتها. وليس توقف الجبهات سوى منحة ثمينة للاستمرار في تجريف الأرض الواقعة تحت سيطرتها، وتركيع المواطن بجعل الانقلاب حقيقة يجب عليه ابتلاعها جافة. كما أن فيها فسحة مناسبة لإعادة ترتيب أوراقها والتباكي أمام العالم..

لماذا إذن تتوقف الجبهات، والجميع يعلم أن الحوثي هو المستفيد الوحيد من هذه الحرب؟
هل للملكية المتوجسة دور في ذلك؟ هل يعقل أنها مازالت تعاني من عقدة "الجمهورية"، وتسعى إلى خلخلتها بفعل أشد خطورة مما صنعه بها الحوثي، أم أن تلك العقدة تحولت إلى استشعار جديد للخطر تجاه سبب آخر؟! ..

ربما علينا العودة إلى بدايات الحرب الأولى؛ لم تكن لحظة اجتياح صنعاء، أو محاولة القبض على الرئيس هادي "مرة أخرى" في عدن، هي البداية الحقيقية لها. لقد ابتدأت الحرب الحقيقية مع قيام ثورة ١١ فبراير ١٠١١م، تحديدا، بعد اعتلاء الأحزاب أكتاف شبابها، وتبني أفكارهم التصحيحية التي كانت تحلم بواقع أفضل، وما ألحقها بعد ذلك من قبول بالمبادرة الخليجية التي أدت إلى تنحية الرئيس السابق..

لست بصدد تجريم شباب فبراير أو تبرئتهم، أصاب من أصاب وأخطاء من أخطأ. كما أن الكثير منهم كان يحمل رومانسية ثورية بعيدة عن الحقيقة المرة لدهاليز السياسة ومؤامراتها. واثبت الوقت أن إرادة الأحزاب كانت هي الأقوى والمتحكم الفعلي بمسار الثورة.

 "حزب الإصلاح" بالذات، الذي جعل من دول المنطقة وملكياتها تتحفظ على أفكار الثورة وشبابها بكل أطيافه. كما تخوفت من لحظة اعتلاءه سدة الحكم. فمن غير المعقول النظر بارتياح لسطوع نجم حزب إسلامي سياسي في دولة مجاورة، بينما أفراده ومؤيدوه منتشرين بين مواطنيها، ويجاهر بذلك دون خوف. يمكن للملكية تأييد مثل تلك الأيدولوجيات للضغط على غيرها، وعبر مسافة آمنة. لكن التصاقها بملكية، يمثل خطرا لا يمكن المجازفة بمحاولة تقييده ضمن نطاق أو حدود معينة..

تغاضى العالم عما يحاك لفبراير، دون النظر للكثير من مطالبها العادلة، التي جرفت من خلال تسليط الضوء على الإصلاح دون غيره. فلم تحمل التجارب الإسلامية السابقة النجاح، بقدر ما لازمها الفشل منذ نشأتها. فكان لزاما عليه تجاوز ما يحدث خيرا من خوض تجربة خطيرة على مرمى البصر من أهم طرق التجارة العالمية..!!

وكان التوقيع على المبادرة الخليجية فرصة مناسبة لتدارس الموقف واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك التحول. خاصة مع بروز الحوثي، المعترف به، كناتج عن ثورة فبراير، واقتراب ايران العدو المتربص بقفزة واسعة ..

لم تجد دول الخليج بدأ من تنفيذ خطة استباقية بموافقة الرئيس الحالي، وبمساعدة الرئيس السابق أيضاً، تهدف للتخلص من قائمة الأعداء المتمثلة "بالحوثي والإصلاح". وذلك عن طريق خلق مواجهة مصيرية بينهما تؤدي إلى تخلصهما من بعضهما البعض، أو خروج أحدهما من المعركة "كمنتصر ضعيف"، لا يقوى على مواجهة أخرى..!

تم تنفيذ المخطط. و"عادت عمران إلى أحضان الدولة"، كما قالها الرئيس هادي بكل وضوح. ودخل الحوثي صنعاء دون أن تتحرك المملكات أو يستفزها اسقاط عاصمة دولة مجاورة! وتم توقيع بيان انتصار الحوثي وإعطائه الضوء الأخضر من محيطه، المتمثل بمباركة اتفاق السلم والشراكة. لكن تلك المباركة، لم تثني المنتصر عن قلب الطاولة على الجميع، واستمر في غزواته، لينسحب الإصلاح دون مواجهة حقيقية. لا أعلم إن كان ذلك ذكاء مفرط، أم مجرد تفضيل قادته للسلامة !!..

وأكمل الحوثي مسلسل سيطرته على اليمن، بايعاز من الرئيس السابق الذي لم  يكن ينظر بارتياح لتجمع قوة موازية له في صنعاء. كما وجد في ذلك التمدد، فرصة للتخلص من منافسه الجديد، مخالفا بذلك ما تم الاتفاق عليه، مما أضطر ممالك الخليج للتدخل الفوري السريع، وقد شعرت بأن الأمور قد تخرج من تحت سيطرتها، فلا يمكنها- بأي حال من الأحوال- السماح لتهديد أمنها القومي بذراع إيرانية جديدة في المنطقة..

لم يكن المحللون مخطئون في تحديد فترات قصيرة لانتهاء الحرب. فليس التخلص من الحوثي بتلك الصعوبة، ومازال الرئيس السابق حليف قوي رغم مخالفته قواعد اللعبة، وبإشارة منه سينهي الانقلاب ويعود البطل المنقذ والحليف الفعال لممالك وامارات الخليج.. فما الذي حدث لتطول الحرب وتضيع أهدافها؟!..

مات الملك، عاش الملك !!..
ربما كان لوفاة الملك عبدالله آل سعود واستخلاف الملك سلمان، سبب في استمرار الحرب، حين أطاح بالمقربين من الملك السابق، أصحاب العقول التي شاركت في رسم خطة حرب اليمن وحددت أهدافها، وتعين ابنه وليا للعهد بطاقم جديد وأهداف جديدة. وبالطبع لن تتصدر حرب اليمن أو معاناة الشعب المطحون أولوياته، وهو في خضم حرب سرية لتثبيت الحكم وإرغام الأسرة المالكة في السعودية على القبول بولي العهد الشاب..

سمعنا خطابات للرئيس السابق بعد وفاة الملك عبدالله، ونبرته المتحدية الجديدة التي وجهها للمملكة السعودية بالذات، دون أن يستوعب المواطن السبب الحقيقي لمشاعر الصدمة وإحساس الخيانة البادية على ملامحه. ولعل دولة الإمارات عانت هي أيضا في محاولة السيطرة على "ولي العهد" واستيعابه لخطط الحرب على اليمن بأهدافها المعلنة والأخرى المستترة. إلا أن الوقت لم يسعفها لإنقاذ الرئيس السابق من الحوثي الذي لا يثق سوى بنفسه ويسبق الجميع بخطوات، مرة اخرى..!

قتل الرئيس السابق، لكن دون إيجاد بديل مناسب، لتستمر الحرب بخطوات زاحفة مرتعشة. فرغم بقاء أطراف الحرب في لعبتها، إلا أنها أمست بأهداف متجزأة. استغنى حكام الإمارات عن إكمال الحرب، بمشروع الانفصال والسيطرة على موانئ الجنوب وجزره. والمملكة المحيطة بنا، وتخنقنا باحضانها وحدودها الجغرافية، تغرق في نتائج التصرفات الطائشة لأميرها الشاب، الذي يبدو أن العالم توحد على وجوب ازاحته.

واليمني يراقب كل ما يحدث، متوقعاً استغلال  حكومة الشرعية ما يحدث للخروج من مازقها، وتطالب بحرية إنهاء المعركة بنفسها: هل ستستجيب الحكومة، أم سيكتب علينا انتظار عاجز لخيارين؛ قبول العالم بولي عهد المملكة بعيوبه وأمواله، أو ترقب الانقلاب عليه واستبداله بملك جديد؟!..

نور ناجي

السبت، 20 أكتوبر 2018

تراشق التراشق

يبقى الحال كما هو عليه، وعلى المتضرر البقاء قيد الانتظار". قد يكون هذا التوصيف الملائم لحالة الركود المحيطة باليمن والحرب المقامة على أرضها، والتي يبدو أن لا نهاية قريبة لها، "وذلك بافتراض أن لكل مأساة فصول نهاية !!"..

‏يسير العالم من حولنا بحركة سريعة، لا نكاد نتبين ملامحها في المستنقع الذي قنعنا به. لكننا، وبرد فعل غير مألوف لشعب في حالة حرب، نتابع بلهفة متلاحقة أخبار العالم وقضاياه الساخنة؛ ابتدأ من حركة تصدير السكر في البرازيل، دون الانتهاء بقضية حدود "جمهورية تالوسا". وكأننا نهرب- بشؤون غيرنا- من يأسنا في تغيير بُحت حناجرنا بانتقاده، وتناسي مجاعة بدأت تلتهم اطرافنا بلذة!..
لعل هذا الشغف الغريب اختراع خاص بنا، نبتعد به عن التفكير في خيباتنا الناتجة عن توقف جبهات الحرب الممنهج !!..

‏كل ذلك حتى تفاجئنا لحظة ما، بسقوط حصاة صغيرة في مستنقع اليمن الساكن؛ تستدير باتجاهها القلوب باحثة في الحلقات الصغيرة التي لم تأخذ بعد وقتها الكافي للتوسع، بعض من أمل، تفاؤل، وجد فيه المواطن نقلة للأمام الرافض للتزحزح ..

‏ما يثير الاستغراب فعلا، هي الحركة المضادة التي تهب في مواجهة أي تغيير يطرأ على سطح البركة. موجات شديدة العنف تشحذ فيها الألسن، وتسن بها رؤوس الأقلام بهجمة تراشق انتقادات لاذعة.

 لا تفهم إن كان السبب الحقيقي ورائها "المعارضة للمعارضة"، التي امست عادة لدى البعض يصعب التخلص منها؟!؛ أم أن الحسابات الضيقة هي من ترغب في استمرار ذلك الركود حتى لا تتنازل عن مكتسبات "قد" تحصل عليها يوماً، غير آبهة لحقيقة أن لا مكان لمكتسبات أو انتصارات فئوية في برك الوحل الآسنة التي غمر اليمن بها منذ أربعة أعوام ..

‏لم يكد مداد توقيع قرار رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي على تعيين رئيس وزراء جديد لحكومة الشرعية أن يجف، حتى ابتدأت تلك الهجمة الشرسة على شخص الرجل، باتهامات شككت في تاريخ ميلاده وأسباب تعيينه، اللوبي الخفي الذي البسه ربطة عنقه المغوية للرئيس" الغر"، "الساذج"؟!، حتى أن تنبأهم الحكيم قد وصل لتحديد الساعة والدقيقة التي سيعلن فيها عن عجزه وفشله عن تأدية مهامه !!..

‏لاحق المواطن تراشق المعلومات، التي تدفقت على مواقع التواصل الاجتماعي، ليخرج منها دون أن يفهم فعلا: إن كان رئيس الوزراء الجديد قد أكمل دراسته في الروضة، أم أن شهادته مزورة كما تسرب؟!، هل ينتمي فعلا لبرج "الحمل"، أم أنه مرتزق عميل وينتمي لبرج "الزرافة"؟!..
دون أن يدرك المتراشقون أن متابعة ذلك الزخم المعلوماتي الرهيب من قبل المواطن البسيط، يندرج تحت باب الفضول الذي يسلي به وقته، وما يهمه فعلياً هو النتيجة المرجوة من حكومة جديدة..

‏من حق كل إنسان أن يمسك هاتفه أو قلمه، بعد استيقاظه من النوم، ويحرر حروف انتقاداته على الملاء، حتى قبل أن يبلل حلقه برشفة صغيرة من فنجان القهوة، شريطة أن لا تحض تلك الحروف على كراهية أو عنف..
إلا أن السؤال الحقيقي الذي يتبادر لأذهان البسطاء، هو: لماذا؟! ..
لماذا يجب علينا أن نتحمل ذلك التراشق، وما يتبعه من طاقة سلبية تحاول ابقائنا في ركود، لا يعلم الله موعد اهتزاز جديد له؟

 لماذا نزيد من جرعة الأذى الواقعة علينا من الآخرين بجلد ذواتنا، وبكل قسوة؟!

‏هل كان للحرب دور في صناعة هذا النزق الغريب، أم أننا كنا منذ البداية شعب صعب المزاج؟!

نور ناجي

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

داحس والغبراء..

قبل عدة أعوام عرض في شهر رمضان مسلسل عربي فاقت شهرته الافاق ( الزير سالم )..
تعجبت من اختيار شخصية الزير سالم بطل لمسلسل يعرض على مدى شهر كامل.. 
قرأت قصته طفلة صغيرة، لا اتذكر منها سوى رجل معتوه يقتل كل يوم أربعين الف، ويأسر مثلهم على مدى أربعين عام!!
لا اعلم كم كان تعداد سكان صحراء الجزيرة العربية  في ذلك الوقت، بحسبة صغيرة لاعداد قتلى الزير ستكتشف أنهم كانوا بالملايين!!!
ربما!!، لن اتهم احد بالمبالغة..
فنحن العرب شعب كريم بطبعنا، نعشق الصفر نكرم الرقم برمي الاصفار أمامه بتباهي.. 
اعود للزير سالم ، لست من هواه مشاهدة التلفاز، لكني صممت على مشاهدة عدة حلقات، فحلقاته أحدثت ضجة اصمت السماء، رعدُ زلزل المشاهدين، معلقون على شاشاتهم يتابعون الزير مخموراً بأشعار معربدة، أو مقاتلاً يلهب بأبياته حماس جماهيره ..
الجميع انشغل به، النسوة يتحدثن عنه عبر الهاتف لا يقطع حديثهن سوى رائحة الطعام المحترق، والرجال في المقايل يتفاخرون بقوة المشاهد القتالية فيه، وكلُ يحلم بتخطي احباطاته بأنه الزير المغوار، حتى الاطفال تركوا ( الزرقيف، والطماش) ، وأصبحت المبارزة  بالعصي هي اللعبة التي لا يعلى عليها ، والجميع يأبى الا ان يكون هو الزير رافضاً تقمص دور جساس، على الرغم من تشابه الشخصين من وجهة نظري، فالزير وجساس وجهان لعمله واحدة..
جنون أصاب الجميع!!..
كيف لمجرم حرب أن يصبح بطل قومي ليس لأهل اليمن فحسب بل إن لوثة الزير اصابت العرب جميعاً..
ضحكت بعد عرض المسلسل بأسابيع من رد والد حسين الحوثي على مبادرة من عفاش لحقن الدماء، ( قبل أن نعلم أنها كانت حرب عبثية)،" بأني اريد ولدي حسين حياً"، لم تستثني روح الزير احد!! ..
من رحمة الله علينا أن رمضان لا يستمر اكثر من شهر، اختفى بعده الزير بباروكة شعره الشعثة..
هل غادرنا الزير فعلاً؟، ام اننا مازلنا نحمل جيناته عبر الأجيال؟؟
 لا نحمل جيناتهم المتوارثة صفاتنا التشريحية فقط، بل إن طباع من اجدادنا، وربما ذكرياتهم انتقلت عبرنا، قد تختفي لبعض الوقت لكن مجرد مسلسل سخيف قادر على نفخ الروح فيها ببساطة..
المح تلك الجينات مثارة شاهرة سيفها هذه الايام، نشطت جينات اجدادنا وبعنف في أزمة جديدة!، لم تكن الدراما السورية المتسببة في ثورتها هذه المرة، اعلن براءتها بكل انصاف..
انه صراع سياسي، الجميع يدعي معرفة اسبابه، ويتبارى المحللون بجديد لها كل يوم، يختلفون كثيراً ولا يتفقون سوى على نتائجه المدمرة للمنطقة، نتائج قد تقودنا الى عصر ما قبل الزير سالم، لو أن الزير سالم كان حاضر لألقى بسيفه وعمامته صائحاً:" جارالله عليكم بطلوا مجهالة".. 
مع ذلك نقود أنفسنا اليها حتى على مستوى الافراد، بمنتهى العناد الطفولي السخيف..
عناد سيتجاوز طفولتة بسرعة الضوء لإراقة الدماء، دماء الجميع، من يعيش في الصحراء، أو من هو منهمك في معركة لا نهائية فوق الجبال، وسنسمع قريباً عن داحس وغبراء جديدة لن تتوقف عند الأربعين الف قتيل في اليوم!!..
اكاد المح نهاية هذا المسلسل الدموي البشع، وامرأة تعبر امامي وقد فقدت عقلها تجر غصن شجرة شوكية يابسة وهي تنوح :
الْهُوَيْن كَان يَمْشِي،،كَان يَمْشِي فَوْق رِمْشِي..

كتبته قبل عام لكن رائحة الزير سالم المنتشرة في الجو، اجبرتني على إعادة نشره..

نور ناجي

الأحد، 14 أكتوبر 2018

جلسة استجواب..

التقطت طرقعة رقبتها ومفاصل أصابع كفيها المعقودين مع بعضهما البعض وهي تمد ذراعيها  لاقصى مداهما، وضعت سلاحها ومحفظتي المصادرة من قِبلها على الطاولة، وسحبت الكرسي المعدني ببطء لتصدر متعمدة  ذلك الصوت الشبيه لخربشة عظام الجبين بموس حاد، قبل أن تتوقف وتجلس عليه لتضع إحدى ساقيها على الأخرى في طقوسها قبل أي جلسة تحقيق تجريها!!..

لم تكن غريبة عني أعرفها منذ مولدي، وتعودت على استجواباتها طوال حياتي حتى لم تعد أسلحتها والتجهم المرتسم على وجهها يخيفني..
أخطأت كالعادة، وليكن؟!..
ما الجديد في الأمر ؟! ..
جميعنا يخطىء، حتى نفسي اللوامة المتحفزة أمامي مدعية النزاهة وحسن التصرف ارتكبت الكثير منها، ما يجعلني دائماً في موقف المتهم هو عدم أحساني لتسجيل الأخطاء أو ترصدها في المقام الأول..

بدأت بإلقاء اسئلتها لادير عنها رقبتي وأنا أعقد ذراعي حولي بعناد طفولي..
تعرف إسمي وتاريخ ميلادي!!..
لن أجيب مجدداً على مثل هذه الترهات وانصاع لها بعد اليوم، حتى لو أرهبتني بعقاب السجن الانفرادي وحرماني من الطعام، لم يعد ذلك يخيفني بعد أن أصبح ذلك السجن المحطة الوحيدة لابتعادي عنها، كما أنه سيكون مناسب لمشروع الرجيم الذي اؤجله كل يوم..

شعرت بنظراتها تحدق بي وأنا مازلت مستمرة في تجاهلها، " لن تنتصري علي هذه المرة" حدثت نفسي وأنا أضرب أرضية الغرفة بمشط قدمي بحركة رتيبة لاتوقف فجأة وقد تنبهت بأنه دليل على الشعور بالعصبية والتوتر..

طال الصمت، لماذا لا تتحدث؟!، أو تهدد؟!، أو تلقي بنصائحها علي كما تفعل دائماً؟!..
أكره شعور الترقب والانتظار، اخسر الكثير لعدم اجادتي له، لكني فعلا لا اطيقه..
سأحاول جاهدة أن اشغل عقلي في التفكير في أمر بعيد عن مركز الشرطة الذي اقطن فيه !..

لن اتوجه للتفكير في الحرب، فأي معركة في العالم ستقودني الى سلسلة الهزائم التي نلتها في مواجهة نفسي، ربما التفكير في الفن والموسيقى سيكون مفيداً، بدأت جمجمتي تدندن" أني اتنفس تحت الماء، أني اغرق،، اغرق،، اغرق!!"..

يبدو اني سأتوقف عن التفكير تماماً فكل ما جاد به عقلي لا يناسب وضعي في هذه اللحظة، الصمت هو الحل المناسب، صمت طويل مماثل لصمت أصحاب  الكهف!!..
تمنيت لو أني كنت اشتركت في مثل تلك المغامرة، أن تبقى مئات السنين نائماً دون أن يحمل عقلك أيه أفكار نعمة عظيمة لا ينالها الا ذو حظ متميز!!..
إلا أن نومي خفيف، خفيف جداً، ربما لو كنت ضمن ذلك الفريق لبقيت المستيقظة الوحيدة، اقلبهم على جنوبهم ذات اليمين والشمال خوفاً من قرحة الفراش، ونفسي تشرف على ما أقوم به بكل حرص لمنعي من إرتكاب الأخطاء _ كما تتهمني دوماً _.. 

هل اخبرتكم أني اكره الإنتظار؟!..
قلتها كثيراً،،، حتى أصابكم الملل!!..
لا بأس إذن، لأني على وشك إنهاء هذه الحالة!! ..

التفت إلى " نفسي" وأنا على اهبة الإستعداد لهجوم مباشر، ضربة استباقية مباغته أو نصر قصير قبل أن تلتقط غريمتي أنفاسها وتقوم بتكبيلي..
بدأت العد، واحد ، إثنان، ثثثثث...

لا تتوقعوا الكثير!!..
لم يأخذ صوتي الكثير من الوقت لخذلاني وسقوطه تحت قدميها مرتعشاً متقطعاً :" انا لم اخطىء، كل ما في الأمر أني غير ماهرة في الإفصاح عن مشاعري، لا أعلم ما السر الذي يجعلها تتدحرج من لساني لتصل للآخرين معكوسة، مغلوطة ، صدمات يتلقاها من حولي بدهشة لأدفع لاحقاً ثمنها غالياً  "..

عدلت " نفسي " من جلوسها واحنت جذعها باتجاهي وقد بدى على قسمات وجهها الشبيه بوجهي الإهتمام والإنصات الشديد، تساقطت دموعي لاستجلاب رحمتها وأنا أكمل :" خيالي هو المخطىء هو من يحاول رسم أدوار جذلى سعيدة لما حولي، أدوار لا تشبه الواقع البتة، لكنه مصمم على أن يلبسها تصميماته بكل سذاجة،  ولا يمر عليه وقت طويل حتى يأتيني باكيا من قسوة الحياة وخذلانها له"..

تنهدت بحرارة :" كيف له أن يدرك أنه خيال مخبول حين يتوقع من فراشة التحليق بأجنحة نسر؟!، اخبريني كيف لي ان اكبح جماحه بعد أن وضع قصص ما قبل النوم  على حجر أسد وانتظر منه طوال الليل أن يقرأها له!!"..

بدأت لحظتها بنحيب صادق قبل أن تقترب مني "نفسي" وهي تلقي علبة المناديل الفارغة خلفها، وترفع طرف بيجامتي لتمسح بها وجهي وأنفي المبتل، قادتني بهدوء من كفي الى السرير لاستلقي عليه كطفلة واتخذت هي مكانها جواري ككل ليلة ..

ما أن توقفت عن نحيبي حتى سمعت همسها يخترق أذني:" كنت أريد أن أسألك عن سبب اختفاء النقود من المحفظة، أين ذهبت؟!، وكيف سننهي الشهر دون أن نعاني من عجز في ميزانيته؟! "، اغمضت عيني مدعية النوم وأنا أفكر بتبرير مناسب للهراء الذي هذيت به قبل قليل، والبحث الجاد عن طريقة حاذقة أواري فيها فاتورة الملابس التي ابتعتها قبل أن تسبقني " نفسي " في الاستيقاظ المبكر غداً ...

نور

السبت، 13 أكتوبر 2018

أخلاق عصابات

أطلق الهرة التي كان يداعبها بأصابعه ليترك مقعد مكتبه المعتم مديراً ظهره عن كلمات الزائر الغريب، لحظات قصيرة استغرقته في تفكير عميق قبل أن يستدير ويبدأ حديثه بنبرة هادئة تخفي حدة وتحفز خنجر جائع:" بوناسيرا، بوناسيرا، ما الذي فعلته لاستحق منك أن تعاملني بلا احترام هكذا؟! "، توقفت كلمات "دون كورليوني" أمام ارتباك الزائر الذي ازداد توتراً، حين توجه إليه " الدون " بخطى بطيئة ونظرة غامضة ببذلته الأنيقة ورائحة العطر الذي اخترق الشاشة ليصلني :" لو كنت أتيتني كصديق لكان هذان الوغدان اللذان عذبا ابنتك يتعذبا الآن !!"..

كان ذلك جزء من مشهد افتتاحية فيلم " The Godfather "، الذي يجبرك على التسمر أمام احداثه التي مر على تصويرها سنوات قد تفوق عمرك..

للعصابات طعم مختلف حين تتحرك على سطح الشاشة، تجعلك لا تتعاطف فقط مع أفعالها الإجرامية بل تذرف الدموع مع الظلم الذي ينالها من "سلطة القانون الجائرة" أو من عدالة القدر وانتقامه، وقد غضضنا بصرنا عن تجاوزها  ومجازرها التي ارتكبت منذ انطلاق المشاهد!!..

 في كل الأحوال لن يقوى قلبك أو يتجرأ على إدانة أسطورة " كمارلون براند" أو " آل باتشينو" واتهامهما بالغلو في القتل أو قسوة القلب..

برغم تعريفهما في أحداث الفيلم كزعماء عصابة المافيا، مازال " دون كورليوني وابنه كارل " يحملان الكثير من الأخلاق التي تعاملا بها مع أطراف النزاع  التي تصارعهم، مضيفين للفيلم نكهة مميزة بنصائح أصبحت مقولات حكيمة تناسب كل عصر، فالأخلاق والنبل في معاملة العدو ثابتة على مر السنوات حتى في قاموس عصابات السينما ، لم نشاهد " كارل" مثلاً يفجر منزل لعدوه أو يتمادى في غيه لزراعة الموت لبقية العائلة أو المنطقة التي ينتمي إليها..

هل أكثر الشعب اليمني من مشاهدة الأفلام حتى أفسدته وظن أنه سيواجه تلك العينة من زعماء العصابات في الحياة الواقعية؟! أرى ذلك في ثبات ملامح الدهشة على قسمات الوجوه وهي تراقب تصرفات ميليشيا الانقلاب من لحظة حصارها لدماج حتى اهانة المرأة اليمنية ومن قبلها الرجل العاجز أمام ما حدث في مظاهرات الجامعة القريبة، وكأن أربع سنوات  ليست كافية لنا للتعرف على طريقة عمل الميليشيا الممنهج!!

لنكن صرحاء مع أنفسنا قليلا، حكومتنا عاجزة مقيدة فمن غير المعقول أن تكون السياحة والتنزه في الخارج قد سلباها شعورها بالمسئولية وأضاع طريق أهدافها طيلة هذه السنوات..
كما أن العصابات لا أخلاق لها فالحروب وحساباتها كذلك، أدركت الحكومة اليمنية ذلك متأخرة حين قيدت نفسها ووقعت في خطيئتها الكبرى التي أيدها الكثير بسذاجة بعد قبولها بمساعدة غير مشروطة على طريقة " دون كورليوني" :" سأقدم لكم عرضاً لا يمكنكم أن ترفضوه!"..

لم ترفض الحكومة العرض لكنها لم تتوقع الثمن الباهظ التي سيتوجب عليها دفعه، فالمساعدات والتحالفات لا تعقد مجاناً، بل بأثمان باهظة يجب أن تسدد عاجلا ام آجلا، بعضها ذو غصة أقسى من مرارة الحرب نفسها وأعلى قيمة من توقعاتها، وما نشاهده حولنا ليس سوى قسط أولي سيتبعه الكثير..

لن تنتهي الحرب قريباً ولا يراد لها أن تنتهي على المدى القصير، كما أن الأوطان لا تتحرر إلا على يد أبنائها، فما هو الحل المتاح لليمني في ظل هذه الظروف؟!.
الانضمام لجبهة متوقفة لن يحمي قلعة أو يحرك فرس وبيدق على رقعة الحرب، وليست المظاهرات السلمية والاعتصامات المدنية سوى عبث يزيد المواطن إهانة وذلاً !!..

لا يفل الحديد سوى الحديد، ولا تكسر العصابة الهوجاء سوى مقاومة سرية منظمة، حرب عصابات تشمل كافة أبناء الشعب اليمني بعد ترك انتماءاتهم أو دفنها في أعمق حفرة ممكنة حتى استرداد الأرض وعودة العصابات الباغية لجحورها ..

بالنسبة لي العودة للفيلم أكثر إلهاما من مهازل الحرب التي بدأت بالتعري الوقح على الملاء، كنت قد توقفت في منتصف أحداثه أمام مشهد غريب، وكأنه استبق الزمن ليخص الشعب اليمني به :" ما الحيلة؟!، لابد أن يحدث مثل ذلك كل عشر سنوات تقريباً، وهذا يطهر الدم الفاسد، ثم أننا إذا تركناهم يدوسون على زهورنا فسيطمعون بسلبنا كل شيء، كان يجب أن نوقفهم عند حدهم منذ البداية، كما كان من الواجب إيقاف هتلر في ميونخ!!.. "..

أرجو لمن شدته اقتباسات الفيلم، مشاهدة ممتعة ..

نور ناجي

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

‏منشور واحد ضابح..

الأسباب السرية للحرب..

القت بنفسها من الشرفة..
كانت اسرع مني ولم تمهلني الوقت للإمساك بها قبل ان تلقي بجسدها من شرفة المنزل، قفزت بمهارة قبل أن اكمل نقاشي المستفيض عن (الأسباب الكامنة وراء الأيدلوجية الاندفاعية، في قاع اللاوعي المبطن، والفروق الجوهرية بينها وبين طريقة انبات حشائش السافانا الواقعة في المناخ المداري)!..
تلصصت من الشرفة على الجسد الملقى وانا امسك بقطعة الثوب التي تمزقت بين يدي، وصدى صرختها الأخيرة تتردد على مسامعي!.. 
كم أكره الأصوات العالية!!..
تمتلك ليونة هائلة، التفاف عمودها الفقري على اسفلت الشارع بهذا الشكل يدل على لياقة بدنية احسدها عليها..
وضعت قماشة ثوبها الممزق في المطبخ، لا يجوز لنا القاء أي شيء في سلة المهملات، نستطيع إعادة تدوير كل شيء بشكل قد لا يتخيله البعض، نحن ابناء التراب ويجب علينا أن نتعلم منه الكثير..
هذا التراب هو من سيعيد تدوير جثمان (الفقيدة) ويحللها لسماد حيوي ومواد عضوية ذات فائدة للأجيال القادمة، نحن سماد هذه الأرض الطيبة، وسيأتي يوم قريب لتصبح ذرات صديقتي وجزيئاتها ثمرة اتناولها..
كما سنكون جميعاً..
 البعض منا سيمضغ في فم الأبناء أو الاحفاد وقد تحول لغصن قات لامع، واخر قد يشرب على مهل في كوب قهوة الصباح، والاسعد حظ سيغلو ثمنه وقد عبئ في برميل نفط مسافر، لا استطيع ان اعبر عن مدى امتناني وعرفاني لفضل الجميع في إعادة الحياة لطين هذه الارض، اشكركم جميعاً، لا استثني احد..
 وصلت لهذه القناعة قريباً، وبدأت معها انظر للحرب بنظرة مختلفة، نظرة مغلفة بالاحترام والتبجيل.. 
هناك هدف خفي وراء كل حروب العالم، وحرب اليمن جزء لا يتجزأ من شبكة الحروب العالمية _ وصولنا للعالمية وتصدرنا المراكز الأولى أمر يبعث على الفخر_..
انه الإعلام والإعلاميين، عدونا الأول والأخير..
لقد نسج الاعلام خدعة كبيرة على هذا الشعب الطيب، وسوق للعامة اكاذيبه وافتراءاته، لتشويه المعنى العميق للحروب.. 
جميع أطراف الحرب بلا استثناء، يعملون ليل نهار بجهد جبار " يشكرون عليه" لاستصلاح هذه الارض وإعادة أحياها من جديد، وليست المقابر الجديدة سوى خطوة أولى لهذه المهمة الوطنية المصيرية.. 
لا أنكر أن الشك كان يساورني تجاه الأسباب التي سوق لها الإعلام المغرض، فمن غير المعقول أن تشتعل الحرب بسبب إجبار شعب على ترديد صرخة ما، لقد صرخت صديقتي قبل أن ترتطم جمجمتها بالأرض ولم يحرك ساكناً، الطرف المتهم بتسويق الصرخة !..
وهل من المعقول اذن أن يكون طمع توريث البعض لأبنائه  كرسي قديم سبب وجيه لقيامها وقد انخفضت أسعار الاثاث المنزلي بما فيها الكراسي بشكل كبير، زيارة  ( لحراج الدايري ) المكتظ بالكراسي يثبت نظريتي بطريقة لا تقبل التشكيك..
في ختام منشوري هذا احب أن أوجه دعوة لمروجي الاكاذيب ومثيري الفتن، لن تزرعوا الكراهية في قلوبنا..
كفاكم تشويه لسمعة حماة التراب والبيئة، ابطال حروبنا وتجارها، ولتصحو ضمائركم فنحن بحاجة لمجهود كل فرد من أبناء هذه الارض، لتستعيد حيويتها وسمادها من جديد !!..

نور ناجي ..

السبت، 6 أكتوبر 2018

أذكر مما تصور الجميع..
اشتعلت الحرب، وصدرت ميليشيا الانقلاب صورتها كعصابة متوحشة لا تفقه من العالم سوى خبرتها في استخدام السلاح، بمفردات صرخة همجية بلا ملامح، وطريقة تفاهم لا تتجاوز تفجير بيوت ومساجد المخالفين لعقيدتها..

برغم نجاح أسلوب الصدمة، الذي انتهجته في بداية اجتياحها، إلا أن شعور من الطمأنينة كان يغمرنا خفية؛ فمن المستحيل استمرارية وبقاء مثل هذه الجماعة ضمن قوانين العالم المتحضر. مثلها كالتتار الذي غرق بين ذرات التاريخ الناعمة، ولم يبق من أثره سوى الدمار الذي خلفه..

كنا مخطئين جميعاً..! لم تستمر تلك الجماعة وحسب، بل تفوقت على خصومها، التحالف والشرعية، وبجداره!..

لا يأتي حديثي من فراغ. فمجرد رؤيتهم يستميتون في أروقة المنظمات الحقوقية حتى اعتبروا "جنود اسبرطة الثائرين"، وتم تحميل خصومهم معظم جرائم الحرب بعبارات شديدة اللهجة..

تحاول الربط بين الصورة الحقيقية لما تعايشه كيمني، وبين ما اكتسبه أفراد تلك العصابة، بتساؤل حائر: ما الذي حدث؟! ..

بمنتهى البساطة؛ لقد نزعت جماعة الانقلاب عنها عزلتها بهدوء ماكر، عبر سنوات الحرب، ليبنوه حول اعدائهم حجر أساس لعزلة دولية، أراقوا به كبريائهم، ووضعتهم في مأزق، لن تنتهي تبعاته قريباً. خاصة، بعد أن القت عن نفسها وزر مسؤولية المجاعة، التي بدأت تلتهم اليمن دون أن تتحرك الحكومة أو التحالف جدياً لأنهائها...!

لعل من استمر بالعيش في صنعاء والمدن الواقعة تحت نفوذ الانقلاب، هم الأقل دهشة لنتائج ما حدث ويحدث. فأربع سنوات من طلب النجدة وانتظارها من التحالف والشرعية، لم يكن مجرد استجداء لإنهاء احتلال ميليشاوي خانق، بل تحذيرا من عمل منظم، يجري على قدم وساق، لتجريف مدنهم أمام أعينهم دون أن يقووا على منعه، أو ايقافه...!!

لم يكن ايقاف الميليشيا للمرتبات، وتضييق أحوال الناس، لدرجة استحالة المعيشة، وتهجير المكونات الوطنية المعارضة، خلال مسيرتها من صعدة إلى مناطق نفوذها، سوى جزء من مخطط أكبر تم استخدامه عبر الأئمة قديماً، وأُعيد استحداثه بما يناسب العصر..

يدرك قادة الميليشيا عجز القوة، مهما اشتدت في السيطرة، على حالة رفض شعبية لوقت طويل، فعمدوا لطمس "هوية وتنوع سكاني"، تعايشت معه اليمن عشرات، بل مئات السنين، عبر سلسلة من الإجراءات. على سبيل المثال: تغيير ديموغرافي للسكان، وانشاء أحزمة طائفية حول المدن؛ تغلغل في أجهزة الدولة الحكومية وإحكام قبضتهم عليها؛ العبث بالمناهج الدراسية، والسيطرة على كافة المساجد ودور العبادة لنشر أفكارهم الخاصة ...

للانقلاب أذرع أخرى، بساحات معارك مختلفة عن الجبهات التي يلقى بها مريدهم حتفه. أذرع تجيد التخطيط على المدى الطويل، وتتقن فن الحوار والحديث اللبق، بوجوهها الناعمة وابتسامتها البريئة..

 ويبدو، للأسف، أنها الأكثر ذكاء بتصيدها لأخطاء خصم متشتت، لا يجيد سوى إيذاء نفسه، رغم ما يدعيه من عدم اكتراث وسخرية، باتت في محل شك!!..

تركت صنعاء وتركتني..
كل أتخذ جانب منزوي متجاهلاً الآخر، قد يأخذني الفضول أحيانا لاختلس بضع نظرات لما تقوم به، وأصاب بالذهول والعجب وأنا أدير رقبتي سريعاً مبتعدة عنها !!..
صنعاء المخادعة المحتالة، نصّبت نفسها قاض، واقامت ما بين جبل عيبان ونقم ساحة لمحاكمة علنية!!..
لقد أصيبت بالجنون فعلاً!!..
لا أنكر الشماتة والارتياح وانا أراها تقترب من حافته الوشيكة، لا أجمل من عرض ترقص فيه على أنغام جنونها المطبق على ( الأنا ) التي تفيض منها، تقيم المحاكم وتتخذ من نفسها القاضي والجلاد والمدعي المدني، والحدّاد الذي نفخ النار على قضبان سجونها!!..
ولا احد أكثر منها يعلم بأن لا متهم في هذه البلاد سواها...
أيتها العادلة الحكيمة، هل تعرفين نغمة الضحكات الجوفاء التي تخرج من الفم، ولا معنى لخروجها سوى القاء السخرية المرة، لا شيء أستطيع أن أرد به عليكِ سوى هذه الضحكة ..
ايتها المدينة المكتظة بالمجانين، لا أعلم ايهم أكثر جنوناً أنتِ أم قاطنيكِ أو انا؟!..
لا تقبل شهادة المجانين فكيف لمحكمة جميع من فيها مصاب بالجنون أن تحكم بأقل قدر من العدل ؟! ..
ما زلتِ تلك الجاهلة، المختالة بنفسك كالطاؤوس المنزوع ريشه، فلم يعد فيك أي شيء قد يلفت الانتباه، ربما تثيرين الشفقة وأنت تتوسلين يوماً، وتدعين الطهر يوم آخر ، وتنفثين نيران الغضب السوداء  على الدوام ..
فمثلك لا يستطيع الإدعاء كثيراًً، ولا يستطيع إخماد نيرانه ..
دمتِ لي..
وأدام الله عليك جنونك..

نور

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

شيء ما ينقصني، فراغ مجوف إجتزأ جزء لا بأس به مني، افقدني القدرة على سطر حرف واحد، اتسكع كل ليلة قلقة في أرجاء جمجمتي باحثة عن أسبابه، بلا جدوى؟!
تدركون شعور من أفتقد شيء لا يعلم ماهيته، أن كان فكرة، أو إحساس، أو مشاعر تائهة لم تتعرف على نفسها؟!..

لا يصلني من ذلك البحث سوى ارتداد صدى خطواتي وصوت المغني الشعبي يصيح بي ملقياً علي كل لومه :" أنا مش عارفني، أنا تهت مني، أنا مش أنا ؟! "، وددت لو صرخت فيه" أعصابك يا راااجل"، كلنا تائهون فلا تبدأ بالشكوى والنوح..
كانت الحروف في السابق حبل انقاذي من حالات مشابهة، حتى اضعتها هي الأخرى لدرجة اني لم أعد أحسن كتابة السخافات!!..

خطرت لي هذا النهار فكرة!!..
لماذا لا أحاول الكتابة عنه، لعله يفك عقدتي، كما اجاد على الدوام ربط الكثير منها علي، وأبدعت في النفث فيها ..

أنا حقاً لم اسطره من قبل، ما أكتبه على استحياء وفي الخفاء ليس هو، بل مجرد خربشات لا تجرؤ على رفع رأسها!..
ربما لم أمسك القلم يوماً الا لأتخفى، في سفر مجهول بحقائب الغير، اسرد سلسلة من الكذبات الصغيرة في حكاياتي لاتلصص من وراء ظهرها على كذبته الكبرى التي اخترت راضية أن تكون حقيقتي الوحيدة..

لعلي لو  تشجعت قليلا وكسرت حاجز كتابته سأجد شيئاً ما ، أو أجد نفسي !!
لن أكتب ترهات على شاكلة أنت وطني وملاذي الأخير، لم يعد لدينا أوطان وملاجىء منذ فترة، كما أني لا استحق أن يكون نصيبي  وطن تائه أو منفى اجباري، أرى أني استحق أرض أكثر صلابة! ..

اتظاهر بسعادة مزيفة حين يردد :" أنتِ أنا !!"، ما يقوله ليس حقيقي، فأنا لست هو، وهو لا يمت لي ولو بقدر بسيط..
أنا عالم وهو الآخر المناقض له، قد يكون عالمي الموازي البعيد لحد عدم تصديق وجوده، والقريب لحد التصاقه علي كظل..

لا أدعي أني ملاك، البشر فقط من يسيرون على اقدامهم في هذا العالم، وأنا بشر تعلم الانتقام واتقنه، انتقم منه ومن طموح عجزت عن تحقيقه في ما أرويه من قصص، أثور عليها صارخة، ضاربة عرض الحائط بالهدوء الذي ادعيه : " لا تكتفي بالصمت، عليكِ أن تثوري، لم تخلقي لتكوني محطة إنتظار"!!..
الهث منفعلة وأنا أعلم يقيناً اني أوجه الكلام لنفسي واحرضها عليه..

ما أن تغادرني القصة حتى أجمع شظاياه فيني، مطرقة نحو قلبه بخجل دون أن أسأله الغفران، فقد تعلمت أن صمتنا هو صك الغفران الذي يعيدنا مرة اخرى للعبة الانتظار القدرية..

لعلي سأتوقف الآن عن كتابته، وقد بدأت أسمع تنهيدات خافته تُبعث في فراغي، هل ملاء إعترافي جزء مني، أم أن ضياعه عني بعض الوقت هو من اخلاني؟!..

نور ناجي

الاثنين، 1 أكتوبر 2018

شعاع في الجنة

بحث في الكيس عن غصن جيد، نظر إلى الورق الاخضر بعمق قبل أن يقدمه لها وعلى وجهه عبارة " لا بأس انها تستحقه "..

تبسمت لحالة اللطف التي تتلبسه ساعات التخزين ومضغت غصن القات بتمهل، وقد بدأت بالانسجام مع الحان الاغاني الدائرة..

عادت تفاصيل حلم ليلة البارحة لذاكرتها!..
سماء فضية لامعة تحلق فيها كشعاع ضوء، طيف بألوان غريبة يحمل خواص الرقص والتثني على نغمات سماوية تعزف من روحها، أن كان للسعادة ألوان فهي ما شعرت بها في ذلك المنام القصير ..

التفتت إليه وبادرته بسؤال :
_ هل رسمت للجنة صورة في خيالك؟!، 
دون أن يعطي نفسه مهلة للتفكير، أجاب وعلامات الاستنكار بادية على قسماته:
_ بالتأكيد، نساء!!.

ضربة موفقة لم تكن تتوقعها، مسحت أثرها من على جبينها قبل أن تعيد صياغة السؤال، كان مدرس الكيمياء يقول لهم دأئما " السؤال  نصف الحواب!" ، وربما لم تلقي النصف الأول بطريقة صحيحة..

_ أعني بسؤالي هيئتك فيها، كيانك الذي سيتبدل من شكله الفاني لآخر مخلد ؟!..
هرش شعر رأسه قبل أن يعلق " الملخاخ " بين خصله :" كياني؟!، هل يجب علي أن اتغير ؟!، نساء الدنيا من ستتبدل هيئتهن بعد أن توهب لنا الحور العين، لا يرضى الله سبحانه وتعالى بشعور احداكن بالغبن أو الظلم ؟! ..

لازالت المسافة الفاصلة بينه وبين مقصد سؤالها سنوات ضوئية، فعدلت من جلستها لتواجهه وقد اغلقت فم المغني الصادح بعوده وثبتت عيناها بتركيز عليه :" أنها الجنة، لا شيء فيها يبقى على حالة، المكافئة التي انتظرتها البشرية للآلاف من السنين أو ملايينها، بالطبع ستكون استثنائية وبأشكال أخرى قد لا نستطيع تخيلها لكن لا بأس من رسم صورة لها"!..

أمسك غصن القات ليبتلعه بحركة سريعة وقد بدت عليه الحيرة، كعادته يخطىء بترك رفاقه وإضاعة القات الثمين معها : لا أختلف معك، مكافئتنا الثمينة خمر وثمار وانهار من العسل، قد يزهد الإنسان فيها أن أراد ويكتفي بحور العين ونسائه على الأرض!"  توقف لحظة ليسأل بصوت أقرب للهمس :" ألم نوعد بالنساء ؟!"، لم ينتظر إجابتها وهتف مستدركاً بحماس وقد تنبه لمدى غبائه:" ستكونين سيدة الجميع بالطبع، أنه الشرط الأساسي الذي لن ارضى بغيره!"..

بدأت بقضم شفتها، سيتوقع أن الغيرة سبب أي انفعالات تظهرها، لذلك يجب أن تبقى هادئة..
مرت لحظات قبل أن تسحب نفس عميق وتتحدث بهدوء :" لماذا لا نترك النساء جانباً لأصف لك ما حلمت به ليلة البارحة؟!، رأيت وكأنني كنت في الجنة، السماء غريبة بلون ال.....

قاطعها منتفضاً من مكانه :" حقاً ، وكيف وجدت النسوان؟!، أقصد ما اقرب هيئة بشرية لهن على الأرض، هيفاء وهبي أم بنت عجرم ؟! "..
هتفت بأسى :" لم أرى نساء، ولا وجود لأي  هيفاء في ما رأيت، كانت مجرد سماء احلق فيها بحرية، وكأنني شعاع من ضوء "..

مط شفتيه بازدراء وهو يعود لموضعه ويهز وجهه باستهجان :" وماذا نفعل بالأشعة في الجنة ؟!، لا أمراض هناك بأذن الله، ما حاجتنا اذن لأشعة أو مختبرات طبية" .. 

وضعت الحلم جانباً وهي تحاول تحديد الادآة المناسبة التي يجب عليها استخدامها، تريدها نهاية سريعة دون أن تثير فوضى دماء على السجادة تضطر لازالتها!!..

حاول أن يحثها على الحديث وقد بدأ يرهب سكوتها المريب ونظراتها الشاردة، قبل أن يصمت بعد التفاتة شرسة منها..
لم يتحرك معترضاً وهي تسحب كيس القات وتبتلع منه كمية تملاء خدها لتساعدها على النسيان والصمت..

نور

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...