داحس والغبراء..
قبل عدة أعوام عرض في شهر رمضان مسلسل عربي فاقت شهرته الافاق ( الزير سالم )..
تعجبت من اختيار شخصية الزير سالم بطل لمسلسل يعرض على مدى شهر كامل..
قرأت قصته طفلة صغيرة، لا اتذكر منها سوى رجل معتوه يقتل كل يوم أربعين الف، ويأسر مثلهم على مدى أربعين عام!!
لا اعلم كم كان تعداد سكان صحراء الجزيرة العربية في ذلك الوقت، بحسبة صغيرة لاعداد قتلى الزير ستكتشف أنهم كانوا بالملايين!!!
ربما!!، لن اتهم احد بالمبالغة..
فنحن العرب شعب كريم بطبعنا، نعشق الصفر نكرم الرقم برمي الاصفار أمامه بتباهي..
اعود للزير سالم ، لست من هواه مشاهدة التلفاز، لكني صممت على مشاهدة عدة حلقات، فحلقاته أحدثت ضجة اصمت السماء، رعدُ زلزل المشاهدين، معلقون على شاشاتهم يتابعون الزير مخموراً بأشعار معربدة، أو مقاتلاً يلهب بأبياته حماس جماهيره ..
الجميع انشغل به، النسوة يتحدثن عنه عبر الهاتف لا يقطع حديثهن سوى رائحة الطعام المحترق، والرجال في المقايل يتفاخرون بقوة المشاهد القتالية فيه، وكلُ يحلم بتخطي احباطاته بأنه الزير المغوار، حتى الاطفال تركوا ( الزرقيف، والطماش) ، وأصبحت المبارزة بالعصي هي اللعبة التي لا يعلى عليها ، والجميع يأبى الا ان يكون هو الزير رافضاً تقمص دور جساس، على الرغم من تشابه الشخصين من وجهة نظري، فالزير وجساس وجهان لعمله واحدة..
جنون أصاب الجميع!!..
كيف لمجرم حرب أن يصبح بطل قومي ليس لأهل اليمن فحسب بل إن لوثة الزير اصابت العرب جميعاً..
ضحكت بعد عرض المسلسل بأسابيع من رد والد حسين الحوثي على مبادرة من عفاش لحقن الدماء، ( قبل أن نعلم أنها كانت حرب عبثية)،" بأني اريد ولدي حسين حياً"، لم تستثني روح الزير احد!! ..
من رحمة الله علينا أن رمضان لا يستمر اكثر من شهر، اختفى بعده الزير بباروكة شعره الشعثة..
هل غادرنا الزير فعلاً؟، ام اننا مازلنا نحمل جيناته عبر الأجيال؟؟
لا نحمل جيناتهم المتوارثة صفاتنا التشريحية فقط، بل إن طباع من اجدادنا، وربما ذكرياتهم انتقلت عبرنا، قد تختفي لبعض الوقت لكن مجرد مسلسل سخيف قادر على نفخ الروح فيها ببساطة..
المح تلك الجينات مثارة شاهرة سيفها هذه الايام، نشطت جينات اجدادنا وبعنف في أزمة جديدة!، لم تكن الدراما السورية المتسببة في ثورتها هذه المرة، اعلن براءتها بكل انصاف..
انه صراع سياسي، الجميع يدعي معرفة اسبابه، ويتبارى المحللون بجديد لها كل يوم، يختلفون كثيراً ولا يتفقون سوى على نتائجه المدمرة للمنطقة، نتائج قد تقودنا الى عصر ما قبل الزير سالم، لو أن الزير سالم كان حاضر لألقى بسيفه وعمامته صائحاً:" جارالله عليكم بطلوا مجهالة"..
مع ذلك نقود أنفسنا اليها حتى على مستوى الافراد، بمنتهى العناد الطفولي السخيف..
عناد سيتجاوز طفولتة بسرعة الضوء لإراقة الدماء، دماء الجميع، من يعيش في الصحراء، أو من هو منهمك في معركة لا نهائية فوق الجبال، وسنسمع قريباً عن داحس وغبراء جديدة لن تتوقف عند الأربعين الف قتيل في اليوم!!..
اكاد المح نهاية هذا المسلسل الدموي البشع، وامرأة تعبر امامي وقد فقدت عقلها تجر غصن شجرة شوكية يابسة وهي تنوح :
الْهُوَيْن كَان يَمْشِي،،كَان يَمْشِي فَوْق رِمْشِي..
كتبته قبل عام لكن رائحة الزير سالم المنتشرة في الجو، اجبرتني على إعادة نشره..
نور ناجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق