غفوات مسمومة..
ما الذي تتذكره قبل الحرب، وتشتاق إليه فعلا ؟! ..
الحق يقال لم أعد اتذكر الكثير، هل كنت حقا متواجدة هنا قبل قيام الحرب ؟!، أحسب نفسي جديدة على هذه الحياة والدليل انني القي التحية بتهذيب على المرآة صباحاً حين أقابل انعاكس الوجه الغريب عليها..
وكأنني ولدت مع بدايات هذه الحرب، صرختي الأولى كانت لحظة سقوط عمران، وحبو جسدي كان حين فررت من صنعاء إليها وقد اطبق عليها الحصار..
تراودني بضع خيالات عن حياة عشتها قبلا، ليست كلها خيالات سعيدة، كان الحزن يزورني كالجميع، لكن كضيف خفيف، لا يبقى في القلب، لا أعلم ما الذي اغضبه وغير من طبعه ليمسي ثقيلا لزجاً يتعلق على جدران الروح ولا يرضى مفارقتها، لعله هو أيضاً يخشى الحرب فيختبىء منها فيني !!..
أكثر ما افتقده من تلك الخيالات هو نومي المبكر وساعاته الطويلة وقد استبدل بساعات غفوة متقطعة لا تسمن ولا تغني من نعاس، أكبر النعم التي يهبها الله للإنسان هي النوم، ألذ من طعم الشوكلاتة، وأكثر رفاهية من سيارة نيسان بيضاء مصفحة بدفع رباعي، وأكثر إنسانية من أفلام توم هانكس وصوته الرخيم الدافئ ذو النبرة المزدحمة بالمشاعر!!..
لم أكن قبل الحرب أعرف معنى السهر، اتباهى وقد استيقظت مبكراً كدب خرج من بياته الشتوي، أعجب واضرب كفاً بكف حين أسمع من أحدهم استمتاعه بعيش حياته معكوسة، يصحو ليلا لينام في النهار، عندما كنت أتأخر للساعة العاشرة مساءً اصحو وأنا اشكو لحجارة الأرض ساعات أرقي الطويل وسهادي، واتخذ كل المحاذير والاحتياطات اللازمة من موز وشمام وكؤوس الحليب الساخنة لاعوض ذلك السهر في الليلة التي تليها..
أسابق الليل لاحلامي واشباحي الرقيقة الناعمة، لا تندهشوا مرڤت أمين موجودة منذ البداية وقد تستمر إن لم أكتشف سر بقائها تحت سريري، لكنها كانت أكثر وداً ولطافة لا أنسى كيف كانت تسخن لي كأس الحليب ليساعدني على النوم ..
النوم، ذلك اللغز الجميل الذي لم اشبع من ساعاته قبل الحرب لأتمكن من حله، ربما بعض الألغاز لا تحتاج لفكها، سحرها واثارتها يكمن في غموضها، كيف لنا أن نحل شفرة شربة الماء الباردة وهي تطفىء عطشنا أو اللحن الجميل حين يسري في خلايانا لنتمايل عليه ، وكذلك هو النوم ..
أين يذهب النوم في الحرب ولماذا رضي باستبداله بهذه الغفوات المبتورة المريضة، هل غادر لعدم تلهفه على الغد؟!، أم أن الجبهات في حاجة إليه أكثر منا؟!..
كل ما أخشاه عدم عودته، أو عودة لا أتعرف عليه من خلالها، اطرده عن جهل رغم انتظاري ولهفتي له وقد نسيت شكله الذي شاخت ملامحه كما شاخت روحي حين إعتادت على الغفوات القصيرة، وسمومها..
نور