السبت، 28 يوليو 2018

صندوق اللاشيء..

بلهجة محببة، وثقة مبالغ فيها :" ادمغتنا نحن الرجال عبارة عن صناديق سوداء، محجوبة مهما حاولت النساء التسلل إليها لفتحها ومعرفة ما فيها ستبوء بالفشل، فصناديقنا عصية وإن استعانت بأمهر صانعي الاقفال واكثرهم خبرة"..

أدار المقعد الدوار  على نفسه بشكل طفولي وهو يكمل بهدوء مستفز :" هناك صندوق للتفكير بالعمل، وآخر  نضع به أدوات القياس وأوراق شفافة لرسم وتخطيط المستقبل به، وآخر للأصدقاء بالذات اصدقاء السوء منهم، وبجواره يقع صندوق رؤساء العمل"، أشار لي أن أبتعد قليلاً وهو يواصل حديثه :" ذلك الصغير خلفك صندوق الزواج والاطفال، والاخر المنزوي في الظل صندوق المتعة الخفي!!"..

استدرت حيث أشار لاتفاجأ بالمكتب وقد تحول لدماغ بشرية ظهرت من العدم، تعمل بكل نشاط وحيوية رغم ازدحام صناديق سوداء على أرضيتها وحوائطها!!..
ترك مقعده وسار  على تلافيف دماغه بكل بساطة متجنبا صناديقه كلاعب محترف للقفز عبر الحواجز، وهو يشرح وظائف الدماغ الحيوية!!..

تنبهت فجأة لصندوق كبير الحجم نسبياً عن غيره من الصناديق يحتل موقع متميز منتصف المكان !!..
حاول التملص من سؤالي عن الصندوق بمواضيع مختلفة، إلا أني ضيقت عليه الخناق ليعترف :" ستكونين أول امرأة ترى هذا الصندوق فمن غير المسموح لغير الرجال لمسه أو حتى النظر لمحتواه !"..

رفع عنه الغطاء لأجد مساحة غير طبيعية تطل من قاعه، تخدعنا الصورة أحياناً، فمن يرى الصندوق من الخارج يعتقد جازما أنه قد لا يتسع لكتاب متوسط الحجم، لكن بمجرد رفع غطائه ظهر لي فراغ واسع يكفي لإدخال عربة دفع رباعي، هل هو الصندوق المختص بالسياسة وإشعال الحروب !!..

لمحت نظرة سرور تلمع في عينيه وهو يرى مقدار حيرتي قبل ان يقفز الى الصندوق ويفرد جسده عليه بكل أريحيه واضعا كفيه خلف رأسه كوسادة، صاح بجزل وهو يضع ساق على أخرى على طريقة آل باتشينو :
" اوهيااااااا، أنه صندوقنا المفضل، صندوق اللاشيء" ، تنبهت حينها لفراغ الصندوق ونظافته من أي ادوات فعلا !!

سألته مستنكرة :" وما وظيفته؟!، ما الذي يمكن عمله في هذا الفراغ عدى أخذ قيلولة داخله؟! " ..

لم يجبني وهو يتعلق على حافته مغادرا إياه بحركة بهلوانية سريعة، وانحنى على قفله ليغلقه بأحكام قبل أن يخفي مفاتيحه في جيب بنطاله، ويلتفت الي بهدوء :" احسنتِ، هذه هي وظيفته تماماً، حين تجد المرأة الرجل منغمسا في تفكير عميق ويبدو على ملامحه خطورة الموقف وهو يهرش شعر رأسه ولحيته بعنف باحثا عن حل لمعظلة تؤرقه، يكون في حقيقة الأمر وسط الصندوق، لا يفكر في شي، أو بشكل اخر يمكنك القول إنه يفكر في اللاشيء!"..

لم استطع تمالك نفسي وقد شعرت بغصة في صدري للهدوء الذي بدا على ملامحه بعد مكوثه ثوان قليلة في الصندوق :" أي منطق هذا، حين أتوقف عن الحديث، أو العمل، أو معاركي مع أطفال العائلة وأمهاتهم، انشغل في قراءة كتاب، سماع اغنية، انفض عن نفسي بلا جدوى التفكير في الحرب ونهايتها الضبابية، أعمال المنزل التي لا تنتهي، عرس بنت خالة صديقة صديقتي وكيفية تخلصي من الذهاب إليه، البوم عمرو دياب الذي لم اسمعه حتى اليوم..
أجبر نفسي على الصمت مقبضة على أصابعي بعنف حتى لا أكتب منشور أو مقال أندم عليه وأنا أصف معارك الفيس بوك البائسة، وان تخلصت مما سبق اختار الصمت للتفكير في مشروع يدر علي أرباح سريعة سهلة قبل الشروع في التنفيذ العملي لفكرة السطو على الكريمي للصرافة، لن يعترض مالكها على ما سأقوم به، فأنا أولى من الميليشيا، ولن اطمع في اكثر من حاجتي !!"..

تناثر لعابي من شدة انفعالي :"
" من يراني يعتقدني صامتة لكن عقلي يستمر بالتخطيط وتبادل الحوارات مع نفسه، الصراخ والتمتمات والهمسات، لا يقوى حتى النوم على اسكات ضجيجي أو التخفيف منه، فعن أي استرخاء تتحدث؟!" ..

توقفت عن الكلام ولم يتبقى مني غير لهاث ساخن غاضب، لاسمعه يقول :" وهنا يأتي الاختلاف الجوهري بين الرجل والمرأة، عقولكن عبارة عن شبكة شبيهة بشبكة الإنترنت، لا تتوقف عن العمل وربط الاشياء ببعضها البعض، تتذكرين تهديد اختك مساء البارحة ووعيدها بسبب تأخر موعد انتهاء الحرب وتحميلك ذنب ذلك التأخير نتيجة تحليل استقرأته قبل سنوات، في حين أن السبب الحقيقي لغضبها قد يكون انتهاء الطاقة في بطاريتها الشمسية، أو خلافها مع صاحب البقالة الذي مازال مصراً على نهبها بورقة الدين التي لا تقل مهما سددتها، على العكس منا نحن معشر الرجال، كل شيء موضوع في صندوقه، لا يتعدى وظيفته المخصصة له ولا يخرج منها إلا في حالة استدعائه في الوقت المناسب له ؟! ..

حاولت المكابرة ورفض نظريته والاعتراض عليها، وأنا ابحث في ثنايا عقلي عن صناديقي، إلا أنه قاطع ذلك البحث،  لا أعرف السبب الحقيقي الذي يدعو الناس لمقاطعتي، لن انسى موقف اغضبني ولم استطع نسيانه منذ سنوات، حين قاطعتني اختي " المتوعدة لي" وانا أسرد عليها قصة نضال مانديلا ضد العنصرية وسنوات سجنه الطويلة، لماذا لا يرغب الناس في حكاياتي ويقاطعونها باستمرار، هل تكمن المشكلة في طريقة سردي، أم سوء اختياري للتوقيت؟!..

لعل الناس يفضلون أخبار زواج الفنانين من الدعاة، أو مشاهدة رقصة كيكي  عن نضال الشعوب ومعاناتها، وبالرغم من ذلك احمل  أنا وزر الحرب وسبب استمرارها!..

عزوفنا عن معرفة الملاحم الإنسانية التي سبقتنا ورفض تعلم الدروس والمواعظ منها هي السبب الرئيسي لما نعانيه، بالإضافة للفشل الذريع للحكومة والتحالف بالطبع..

تركت مانديلا جانبا لاكمل استماعي لفلسفته غير مقتنعة :" لا تبتأسي، مازال هناك نقاط  تشابه بيننا، نادرة لكنها موجودة"، أمسك جبينه محاولا تذكر إحدى تلك النقاط قبل أن  يكمل :" اممممم لا تسعفني ذاكرتي في الوقت الحالي لكنها حتماً موجودة، لا يعني اختفائها أو اختلافنا الوصول لحد التصادم"، استدار عائدا لمقعده وهو يتمتم بهدوء :" لن أوصف اختلافكن عنا على أنه عيب مصنعي، من الممكن اعتباره خط انتاجي بمواصفات مختلفة !!"..

لملمت أفكاري  مغادرة المكان، وقد اختفى الدماغ البشري من حولي واستعادت الجدران واثاث المكتب اماكنها، فتحت باب الخروج قبل أن التفت اليه واجده مستغرقاً في تأمل الفضاء وكأن شيء مهم يشغله بعمق، هل انتقل لمكان اخر؟!..
أنه في الصندوق حتماً !!..

يبدو أن عملية الكريمي ستتاجل، فهناك ما هو أهم منها، سيكون لي صندوقي الخاص، وعقابا لغروره وثقته المتضخمة، لن أقبل بغير جمجمته للسطو عليها !!.
سيتعلم درس في فائدة الشبكة الدماغية التي املكها وأنا اتسلل متخفية من نقطة لأخرى بينما هو مستغرق في إحدى صناديقه، سأنتظر انتقاله لصندوق كرة القدم، لا أجمل من الاستماع لهتافه الساخن لمشجعات المدرجات، وأنا أودع دماغه قابضة بكفي على "صندوق اللاشيء" وقد أصبح خاصتي!!..

نور 

بقايا إنسانية
تسير بك الأيام في الحروب وكأنك في مهرجان كبير مكتظ بالعجائب: أقنعة بشرية برسم البيع؛ سوق مربحة للمشاعر والآلام؛ منصات لتوزيع الأمل الكاذب. ومع كل لحظة- خلال سيرك فيه- يقتطع جزء منك، حتى يصل بك الأمر إلى القبض على تجويف صدرك خشية تجريف ما تبقى منك ..!
 
بقية من إنسانية، يحاول الغالبية الاحتفاظ بجزء منها ولو بنسب متفاوتة، على أمل التقاء الغد وبنائه بها.
 
لماذا اشتعلت الحرب؟!
 مع مرور السنوات، واختلاط العدو بالصديق، تتحول البدايات الى ضباب خفي. ما تتذكره قد يكون صورة لنوع من العدالة التي حاولنا البحث عنها، أو التمسك بمن أراد نزعها عنوة. قد يكون هذا هو سبب هذه الحرب، أو غيرها. فقد كانت العدالة هي المعضلة التي يبحث عنها الإنسان منذ أن تخلى عن كهفه.
 
"لا أخلاقيات في الحرب"، كانت تلك العبارة هي التبرير البارد لفيديو مصور لعملية إعدام، قام بها- كما قيل- أحد أفراد قوات الشرعية لأسير جريح من طرف العدو !!
عذرٌ جعلني مصدومة من قدرة النفس البشرية على التعاطي مع مثل هذه الأعمال، مع مشاهدة ممتعة، مسبغة بالمبررات المعلبة الجاهزة ..! هل تخلينا فعلا عن كهفنا البدائي، أم أنه باق فينا من البداية؟
 
هل يبقى العدو عدوا، في حالة وقوعه جريحاً في الأسر؟ قد يبقى من الناحية النظرية منضماً للمعسكر الاخر، المعسكر الذي نصرخ مستنكرين حتى اليوم اشعاله الحرب، ونسقط عليه جميع الجرائم التي نتجت عنها، من دماء سالت، إلى معاناة نتجرعها، إلى وطن أمسى في مهب الريح ..!
 
ومع ذلك أتسأل: هل مازال ذلك الأسير مصنفاً ضمن الجنود الواقعين تحت خط الخطر الاحمر، أم أنه جُرِدَ من كل شيء، حتى غدى اشلاء توسلات ملقاة على سفح جبل تنشد العفو والمغفرة؟!
 
قد لا يملك المقاتل- الذي نفذ الواقعة- القدرة على العفو، وقد وجد في الحرب ما يمنعه عن منحه لأي كان بقية حياته، نتيجة لما شاهده من ويلاتها. غير أن تلك الويلات لم تعطه الحق في تولي كرسي القضاء، ولبس رداء الجلاد، لتنفيذ أحكامه، متجاهلا توسلات الأسير ورجاء زملائه، دون الرجوع حتى لقائده المباشر!!
 
مثل هذا التصرف، يجعلنا نقف مطولا، ليس أمام جثمان الاسير، بل أمام ذلك الجندي (القاتل)، للبحث عن الدور الذي راق له، وأصبحه...!!
 
إمساكه بالسلاح مدافعا عن الوطن، لا يمنحه بطاقة إعفاء، تُسقِط عن جرائمه توصيفها الحقيقي، ويجعلنا نلقي على أنفسنا وعليه سؤالا مهما: هل بإمكانك إكمال الحرب، كجندي انضم للقتال، بأهداف نبيلة، وغاية تنتهي ما أن نصل لبر الامان، أم راق لك دور الجلاد وطعم الدماء بكل بساطة؟!
 
ما الغد الذي تأمل في منحه لليمن وللأجيال التي شاهدتك ترتدي سلاح الوطن، وتُردي القانون تحت قدميك؟! لن يجازف أحد- بعد طلقات سلاحك- انتقادك، أو مواجهة الانتقام الذي أثبت- عملياً وبكل فجاجة- أنه الطريق الأسرع للأخذ بالحق ..!!
 
لا تقتصر المعارك على ساحات الجنود فقط. الكثير من جبهاتها، بل الأقوى منها، هي تلك التي تقاد بعيداً عن خطوط المواجهات المشتعلة. ساحات حولت بعض كارهي الحرب لقطعان من الوحوش، تسير هائمة، تبحث هي الاخرى عن فرائس لصيدها، بعد أن شاهدت المهرجان المتنوع لمستفيدي الحرب، وقد أمسى الانضمام إليهم طموح، بعد الفشل في هزيمتهم ..!
 
كل ما أخشاه، أن نقترب من اليوم الذي يتمنى فيه اليمني تأجيل انتهاء الحرب، حتى لا يخرج منها خالي الوفاض، وهو يبحث عن غنيمة، بعد أن أصبحت بقية الإنسانية التي قاتل في يوم ما للحفاظ عليها، مجرد سخافة لم تكن تستحق كل ذلك الحرص ..! 
 

الاثنين، 23 يوليو 2018

الحق في الصرخة..

أي دستور واي مخرجات حوار تم الاتفاق عليها لم تنص فعليا على هذا البند  لاغية، لا لوم على جماعة ما قبل التاريخ الإجرامية انقلابها عليها..

بالطبع لم يقم الإنقلاب من أجل  الحق في الصرخة، فما اطالب به مختلف عن الولولة التي يصيبني الغثيان كلما سمعتها، لكن نكاية في المجتمع المحيط بي قررت الليلة الإنضمام للاوباش..
من المفيد للإنسان أن يكون وغدا ولو لمرة في حياته ليخرج دون خوف ما يعتمل في صدره ...

أكبر ما نعانيه كبشر هي المجاملات وحدود اللياقة التي تقف سد منيع بين ما نود قوله وبين ما يخرج فعلاً من افواهنا، كنت ومازلت أعاني من الصغر من هذه المسألة ..

دائما هناك حاجز يقف بيني وبين اعترافي بكراهيتي لشخص أمامه، اعرف بأن ذلك أمر طبيعي ومفروغ منه، لكنه متعب، متعب فعلا لحد استنزاف روحك ..

كم كنت أود اخبار " ماجدة " أني اكرهها من اعماق قلبي، بلا سبب..
ربما والدتي تحملت جزء من صناعة وزر تلك الكراهية حين أسست لمبدأ المقارنة بيني وبينها حتى امست عقدتي الأبدية، لم تكن أبدية تماما ً، انتهت في الصف السادس لكني احب المبالغة..
مرت الايام، ولا شي يميز ماجدة عني، سوى اجادتها لصنع بنت الصحن !!
اضعت جزء مهم من حياتي في كراهية صحن رش فوقه القليل من الدقيق والسمن، ربما أعيد خطيئة والدتي من باب تعذيب أبنائي!!..
سأعايرهم بمقارنة ظالمة بينهم وبين جميع اولاد الحارة، لاحميهم من المظالم الحقيقية التي تنتظرهم في  الحياة، كما أنه " إن مت ظماناً فلا نزل القطر" !!..

كبرت وأصبحت أكثر تمكنا من إخفاء مشاعري على الرغم من تطورها، فصرخات الكراهية تحولت داخلي لشتائم صامته، أجدت اخافائها بسهولة، وتلك هي المشكلة الحقيقية التي اعاني منها، لماذا لا أملك القوة لاستخدامها؟!..
لماذا لا يحق لنا بيوم عالمي لإفراغ ما في جعبتنا من شتائم تثقلنا دون محاسبة عليها في نهار اليوم التالي؟!..

نخبر صاحب المنزل أنه حرامي فاشل، فجميع سرقاته مكشوفة، نصرخ بوجه جارتنا بأن نكتها سامجة لا تضحك أحد غيرها!..

نوقف مدراء الأقسام في العمل طابور أمامنا، دون استخدام العنف، لا للعنف في يوم الشتم والردح خاصتنا، القليل فقط من البيض الفاسد نلقيه عليهم في  يوم اعتراف بالنقائص دون خوف من معاقبة الخصم أو الحرمان من حقنا الطبيعي من ايام الإجازات..

أنت مثلا فاشل، وأنت مرتشي رخيص بأزهد الأثمان، وانت  شخصية تعاني من قصور في الفهم، لم تصل لمنصبك سوى باستخدام الوساطات، وذلك الواقف في آخر الطابور لا يعاني من شيء لكن  :" تبا لك"، من باب الاحتياط، ووفق مبدأ نظرية " قد باسمه جاء!! "..

اخبري والدة زوجك بأنك لست مسؤولة عن سنوات ترملها الطويلة، وابنتها بأن عليها إلقاء عبء سنوات عنوستها على غيرك، ضعي وجهك مباشرة أمام وجه اخيك واصرخي عليه أنت منافق كبير، ما تحرمه علي تجيزه لنفسك بكل نفاق، لقد تجاوزت الجميع بنفاقك وتخطيته لتكون المنافق الأول أمام الله تعالى فكيف نأمل بحياء منك مع البشر..

اصرخ على ذلك الوجه الذي بداء بزيارة منامك مدعيا الزهد وقد ارتدى ثوب ضميرك ليخيفك، " انا لست بحاجة لضمير، رضاك آخر ما يهمني، سافعل ما يحلو لي نكاية به لا اكثر !.

ارفع سماعة الهاتف، وأخبر حبيبك بكل صراحة بعيوبه!!...

 توقف قليلا ولا تتهور، فحبيبك ليس من فصيلة البشر ليتقبل النقد البشري، رسالة ستكون كافية :" أنت مجرد وحش بضحكة رائعة وصوت يحتل مساماتي، لا تستحق سهر ليلة واحدة أو زيارة في حلم، لا تستحق الوحوش الزيارات بل أقفاص بقضبان حديدية تحيط بها وقت النزهات، وبعض من قطع الموز"..
لا تنس مسح الرسالة قبل إرسالها واستبدالها بالحروف الأربعة التقليدية!! ..

من حقي الصراخ بكل أنواع الشتائم التي تعلمت البعض منها بعد الحرب، لكنها أصبحت سمجة بلا معنى، لذلك ساضطر لإضافة البعض منها لقاموسي وانا اقف أمام المرأة  : انتِ اسخف واضعف نساء الأرض، مازال شريط المنوم كاملا منذ أكثر من عام، كل ما ترين حولك من مجازر لم يحرك فيك ساكنا، حتى الجريمة التي شاهدتها بأم عينيك صباحا لجندي يقتل اسير بنهاية مفجعة وغير متوقعة الجمتك عن الحركة ليس الا...

عن أي غد تبحثين وقد أصبح الموت بالمجان وشريعة الغاب من يحكمه، اقترب حتى ارتعش بين يديك، إن لم تحركك انتفاضة الجسد الميت بفعل اختراق الرصاصات، لا فائدة ترجي لفتحك الدرج الثاني من دولاب التسريحة!..

 إن لم تتحركِ لتجدي طريقة لاخراج قطرة الماء العالقة في اذنك من أسبوع وتسعى لتحطيمك بحمى التصقت في دماغك كمصيدة؟!، أو تتشجعي للكشف عن مصدر الصوت الغريب الصادر من طرف السرير وهو يذكركِ بضربات أجنحة خفاش، متى الخلاص؟!..
لن ينتظر الشريط للابد فله فترة صلاحية كما تعلمين!! ..


إن لم تملكي شجاعة بلعه، حاولي فتح إضاءة الغرفة قبل إغلاق الهاتف، لا داعي لانتظار الاشباح على وسادتك الليلة على الأقل!!..

قليل من الضوء سيشعرك بالتحسن،  وبأن الصراخ المكتوم بين جدران جلدك سيصمت مع ضجة الموسيقى!!..
أدرك ان موسيقى العالم لن تنسيكِِ ما تشعرين به في هذه اللحظة، لكنها ستخفف من وطأته لهذه الليلة على الأقل..

نور

الجمعة، 20 يوليو 2018

صوت المعركة


نور ناجي

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
كل الجهود كل الزنود للمعركة
ألحان جنان تعزف نشيد المعركة
وكمان لجان عشان عيون المعركة..
 
لم أعد أستسيغ قصيدة الشاعر احمد فؤاد نجم " صوت المعركة"، لعل استهلاكها على مدى عقود طويل او خوضنا حرب فعليه، أثقلت من سخرية القصيدة، فلا ظرافة فيها أو مبرر لنقدها اللاذع!
 
لأسباب مختلفة، لم يرق عنوان القصيدة لمجموعات لا بأس بها من أفراد الشعب، تخطوها وتخطوا واقع معركة اليمن المصيرية، لينشغلوا بصراعات خاصة، ليس هذا وقتها أو مكانها المناسب.
 
هذا ما تعايشه اليمن منذ عدة أشهر وهي تحاول فض اشتباك حزبي " المؤتمر والإصلاح "، واصرارهما العجيب على المماحكات المتبادلة، متجاهلين الأصوات العاقلة المنتمية اليهما والمندهشة مع المواطن الحائر أمام ما يحدث، مخفضين رؤوسهم بين الحين والآخر خشية الإصابة بقبضة طائشة أو ركلة غير محمودة النتائج.
 
لكي نكون منصفين لم تبدأ فصول هذا الصراعات قريباً، فقد تعودنا على متابعة معارك سياسية شرسة بين كل الأحزاب لا نار فيها أو دخان عدى التحشيد وكارزما الأعضاء الفاعلين، بعد تلقي تلك الأحزاب دروس في الصراعات السلمية على يد ديمقراطية وليدة كنا نفاخر بها.
 
لم نسمع يوماً بأن أحد الإصلاحيين هدم بيت ناصري أو العكس، لم يكمم اشتراكي رأي، لم يخون مؤتمري سياسي أو يعذبه في المعتقل، لعل أقوى الضربات السياسية التي تلقاها حزب، كانت من نصيب المؤتمر في تجمع اللقاء المشترك ضده.
 
لا ننكر وجود بعض التجاوزات التي لم يعرف فاعلها أو يجرم، لكن هواجس الواقع تقودنا أحيانا للشك في مستفيد وحيد صبت في مصلحته نتائج هذه المعارك، قد تأتي الأيام بإجابات وافية لجميع علامات الاستفهام والالغاز التي لم تحل.
 
يفترض بنا ترك الماضي لحين، فلسنا بصدد خوض انتخابات نقابية، نيابية أو حتى رئاسية، نحن في مواجهة حرب لا تميز بين شهداء جبهاتها وشعاراتهم الحزبية، تحصدهم أياد الغدر في قتالهم من أجل الحرية وازاحة الانقلاب الغادر عن كاهلنا، وفي حالة اهتزاز تلك الجبهات سيدفع الحزبين ثمناً مضاعفا وقد أمست معاركهم السياسية ذكرى، وماض مأسوف عليه.
 
نتوقف طويلا أمام أكبر أحزاب اليمن المفترض بهما التكافل والتعاضد بيد واحدة في أصعب فترة تمر بنا، لنتفاجأ بهما وقد استبدلا أثوابهما التي كانت تسعى لاستيعاب الجميع، بأخرى ضيقة لا تناسب حجمهما حتى بديا كمهرجين أو طفلين في روضة ينقصهما مربي فاضل!!، لك أن تختار التشبيه المناسب لمزاجك وحالتك النفسية.
 
كلاهما يرفعان ضد بعضهما قوائم اتهامات طويلة ومتشابهة لحد مذهل، وكأنها خطت على يد كاتب مشترك وزع نسخ متطابقة على الغريمين.
 
على رأس تلك الاتهامات التحالف مع الحوثي، التهمة التي يسوقها كلا الطرفين، متجاهلين بأننا مازلنا على قيد الحياة ولم ننسى تحالف كليهما مع الحوثي، كلُ في وقت معين ولفترة معينة وبنية التخلص منه حال الانتهاء من ازاحة الآخر.
 
بغض النظر عن " النيات السليمة " !؛، لا أحد ينكر بأن أحدهما ادخله بوضح النهار تحت ظل الخيام، والآخر أدخله بليل تحت ظل الانقلاب، لنستيقظ على نتائج غير متوقعة باستيلاء الحوثي "الأكثر دهاء والأقل نزاهة" على اليمن.
 
ما يؤسف تعميم مثل هذه التهمة على أعضاء الحزبين، مثل هذه القرارات يتخذها كبار السياسيين دون الأخذ برأي أغلبية أعضائه، التي أراهن على عدم اقتناعها بفكرة التحالف مع الحوثي من الأساس، لكن الفهم الخاطئ لمعنى الحزبية تلزم البعض بترديد ما يقوله القادة بطاعة عمياء..
 
ستسمع تهم مباشرة وصريحة هنا وهناك على شاكلة:" لم يقف الإصلاح في وجه المد الحوثي، ولم يمنع دخوله صنعاء؟!"، ليرد عليه:" وهل امتلكت عمران قدرة الدفاع عن نفسها، ومن قبلها دماج؟!"، لقد صفعنا الانقلاب بأكبر مؤامرة حيكت لليمن، لن ننساها ما حيينا.
 
ومن الطرف الآخر سؤال ليس ببعيد:" لماذا لم يعلن " طارق محمد صالح " صراحة انضمامه للحكومة الشرعية، بعد غدر الميليشيا ونفض تحالفها مع المؤتمر ؟!"، وهل كان سيصدق بيان له في اليوم التالي لخروجه من صنعاء؟!، أم أن تهمة الارتزاق كانت معدة لتوجيهها اليه.
 
أليس انضمامه لجبهة الساحل المنطوية تحت قيادة الجيش الوطني، فعل ذو معنى أقوى؟!.
 
تهمة متبادلة مشتركة للحزبين وهي " الفساد "، التي يسوق لها المنظرين ويكيلون لها الشتائم ليل نهار، كل ينسب للأخر ما يخفي حزبه من فساد مستشري حتى النخاع.
 
من كان منكم بلا فساد فليرجم الآخر بحجر، "لم يستثني الفساد أحد"، جميعكم يحمل عورات مكشوفة أمام الشعب بأكمله.
 
واحقاقاً للحق أمسى الفساد تهمة حكومية أكثر من كونها حزبية، الأجدى بالحكومة في المقام الأول تطبيق القانون على الجميع مبتدئة بنفسها، إن لم يستأصل الفساد في كل مؤسسات وأحزاب ومنظومات اليمن لن تجدوا في الغد وطن، تلقون به اتهاماتكم الصادقة.
 
"التطرف" الأسطوانة المشروحة، والتهمة المفضلة لجذب انتباه الغرب، تهمة لم تجد لها ضحية سوى المواطن اليمني البريء منها ومن الحزبية، وقد التصقت به وأمسى مطارداً منفياً في جميع مطارات العالم، على الرغم من أن التحقيقات الصحفية مع بعض خلاياها لم تثبت تورط أطراف عدة فحسب، بل اتهمت شبكة مترابطة ليست بعيدة عن بعض الأعضاء من الطرفين، تهمة بحاجة لقضاء نزيه لإثبات المتورط الحقيقي فيه، ولن يكون أحد سعيد في مثل هذا الوقت بتقديم أوراق اتهامه تحت نيران الحرب، أو سلطة القضاء الواقع تحت سيطرة الانقلاب.
 
تصل عدوى كراهية الأحزاب بينها البين للتخوين المتبادل بتلقي دعم خارجي من دول أخرى تساند الحزب أو تتبع نفس أيدولوجيته بغض النظر ان كانت تلك الدولة تسعى لصالح اليمن أو العكس.
لستم من السذاجة حيث تعتقدون بان
من يدير الحرب سراً أو علناً يمتلك مشاعر ود وعاطفة جياشة تربطه بهذا الحزب أو ذاك، مصالح الدول فقط هي من تحدد علاقاتها، التي قد تستبدل بين ليلة وضحاها وفقاً لحاجتها، ومصلحة اليمن لا تتجزأ عن مصلحة أبنائها وحاجتهم، تحالفكما واجب وان لم يعجب الدول الداعمة لكليكما، وأي تهاون فيه سيجعل من هذا الشعب مطية، إن لم يكن للميليشيا فلغيرها، لا تستحق دماء الشهداء او مستقبل الأجيال القادمة خيانة من هذا النوع.
وتذكروا أن التاريخ لا يرحم!
 
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، إن لم يكن مؤيداً لما يناسب اليمن ومواطنها المطحون..
 
ما يناسبنا وجود وطن!
وطن يسعنا ويسع احلامنا جميعاً، لم يعد هناك من وقت لتخبط مجنون، فقد أخفت الحرب زخم وجودكم الحقيقي على أرض الواقع، لا عدو حقيقي لليمن سوى "ميليشيا الحوثي الانقلابية" التي تنفخ فيكم نيرانكم جذلة، ويديها مشغولة بإعداد أسلحتها الفتاكة للقضاء على ما تبقى من كليكما، وابتلاع ما استطاعت من موائد اليمن العاجزة تحت وطأتها.
 
إن لم تكن الحرب الدائرة مناسبة لرمي خلافاتكم خلف ظهورهم وتناسيها لبعض الوقت، متى ستكون؟!

الأحد، 15 يوليو 2018

حياة موازية / ١ 


والقلب إذا هوى !!..

قررت إيقاف الحرب!!..
لا علاقة بين اتخاذي لهذا القرار وبين السياسة والسياسيين!!..
لا تتوقعوا الكثير منهم، جميعنا يعرف مستويات ذكائهم المنخفضة الممزوجة بنسبة لا بأس بها من المكر الكاذب، تعريفهم لحنكة السياسي تنحصر في " لا تكون سياسياً ماهراً إن لم تخفي غبائك بمهارة" !! ..
في النهاية سيتوقفون، مازالوا بحاجة لضربات  هراوات على رؤوس بعضهم البعض، حتى يقضوا على أنفسهم نهائياً، أو يعودوا لجادة الصواب..

قراري بإنهاء الحرب خاص بي، لست مستعدة ولا أقبل بتحولي لقطعة من الفولاذ البارد، وهذا ما بدأت أطرافي تشعر به!!، أن تم اكتمال هذا التحول لن استطع إيفاء عهودي القديمة لصنعاء بمعانقتها حين يعيد لها السلم عشقها وغنجها الجميل !!..

قد يتسائل قلة عن كيفية تنفيذي لقراري!!، لا تخشوا علي " بيت الخير ما يعدم!!" كما تقول أمي، لا اخفيكم سراً، فأنا احتفظ بحياة موازية لهذه الحياة التي أحيا بها، حياة حقيقية بمفتاح سري يدير نفسه تلقائيا ما أن استدعي أحلام يقظتي..

وقد قررت استدعائها هذه الليلة، لن أذهب بجولتي منفردة ساسطحب معي قلبي، أدركت أن الأمر أمسى جد خطير حين وجدت دموعي تنهار ساخنة على أغنية شبة ميتة للفنان محمد ثروت!!..

لكم أن تصدموا حين تعلمون بأن  الأغنية المتهمة تدعى " هياااااهااا "، وقد أرسلت لي من باب تبادل المزاح السخيف على موديلات ملابس الثمانينات!!..
أرجو أن لا يبحث أحدكم عن الأغنية، ابرىء ذمتي، ولست مسؤولة عن نتيجة فضولكم !!..

بحثت بين ضلوعي عن قلبي حتى وجدته مستعداً يحمل المشط ويسرح شعره المبلل فارقاً خصلاته من منتصف جبينه، وقد ارتدى ذات البنطلون والقميص المملوك لمحمد ثروت !!...
حاولت تجاهل الاسمال البائسة وأنا اطوي أكمامها الطويلة، وارسل له أصدق عبارات الاعتذار الصامتة لما حمّلته، وقد حمّلته  الكثير!!..

" إلى أين ستكون الرحلة اليوم؟! "، بادرني كطفل متشوق لرحلته الأولى، أجبته وانا اربت على كتفه:" ما رأيك بأبو نواس ؟! "، عقد حاجبيه وهو يحاول إخفاء تذمره :" لم لا يكون امرؤ القيس ؟! "، لن ادعه يتمادى، القليل من أبو نواس يكفي لمواجهة الحياة، أريد لهذه الرحلة أن تنتهي بي على قيد الحياة، لن ألقى حتفي الليلة عشقاً على يد بيت شعر لامرؤ القيس!!..

باشارة حازمة من اصبعي :"  لقد بعث أيميل مسبق للرجل وهو بانتظارنا !!"، هز رأسه مطيعاً وهو يقبض على كفي متجها نحو الباب، لا أحد يود اثارة غضبي، الجميع يعرف تبعاته..

توقعت أن أجد ربابة أمام فناء الدار كعادتها تكنس مقدمته أو ترش الحبوب طعام الدجاج إلا أنها لم تكن موجودة، دفعت الباب الموارب لاجد الفناء وخن الدجاجات والمنزل فارغ!!

أين ذهبت ربابة ؟!، هل فارقها أبو نواس ؟!..
رفعت عقيرتي قليلا بالنداء :
ربابة ربة البيت ،،،
تصب الخل في الزيت 
لها عشر دجاجات ،،، 
وديك حسن الصوت !!!..
بدأ قلبي يتقافز على نغمات الأبيات الراقصة إلا أنه توقف مع انخفاض نبرته، فاقترب ليعرف سبب الحيرة البادية علي!!..

حاولت اخفاء قلقي على الدار المهجورة من ربابة وسيدها، وانا امسح إحدى سلالمه المؤدية لحجراته، وجلست في انتظار الغائبين !!..

لم يطل جلوسي حتى حضرت " فائزة " ، وفائزة لم لا يعرفها نمامة حارتنا في صنعاء، بالطبع سأجدها في كل مكان وزمان، ألم يتسائل احدكم كيف وصلتنا أخبار الأمم الماضية، ملحمة جلجامش، شق سور الصين العظيم، أحداث مسلسل صراع العروش، نهاية مدينة بغداد على يد التتار، هدم الهرم الرابع وسر اختفاء احجاره؟!...
لقد كانت فائزة هي المصدر الموثوق لمعظم مؤرخي العصور ..

توالت الأنباء على رأسي!!..

عشق " أبو نواس" وسقط في فخ غانية تدعى ( جنان )، هززت رأسي لفائزة " أي عشق وأي بطيخ، تعرفين أبو نواس خير المعرفة، مثله وسلالته المنتشرة في عصرنا لا تعرف معنى للعشق، سيمل منها وسيصاب بالسأم كما فعل بربابة وغير ربابة..

بهزة نافية واثقة من رأسها أجابت فائزة وهي تجلس جواري وتبث حروفها على أذني بسرعة فائقة :" ليس مع جنان!!،  هل تعرفين أين أبو نواس الآن؟! "، " كلا أين تراه يكون ؟! " ..
أسندت فائزة كتفها على جدار المنزل وبسخرية هازئة :" أنه في موسم الحج، بعد أن تبعها إليه، ولقد قال في الحج ما لم يتوقعه احد، اسمعي هذه الأبيات: 
إلهنـا مـا أعدلـك
مليك كـل من ملـك

لبيك قـد لبيت لـك
 لبيك إن الحمـد لـك

والملك لا شريك لـك
ما خاب عبد سـألك

لبيك إن الحمـد لـك
 أنت لـه حيث سلـك

الشاعر " أبو نواس، ذو السمعة الماجنة في الحج؟!، ليس هذا وحسب، بل بدأت التوبة تصل لسانه وقلبه كما يقولون!!..

لن تخدعني يا أبو نواس، أعرف علتك تمام المعرفة، ليس العشق من طرق قلبك، أو أهداه إلى سواء السبيل،  أنه الصياد الذي يسكنك ويستقر في صدرك من كسر هيبتك وسمعتك السابقة في عالم الخطيئة، انهزامه أمام فريسة أذكى منه جعله أرنب يبكي عجزه أمامها!!
هكذا هم الرجال في كل العصور، لم أجد من يفوقهم في الحمق، سوى السياسيين منهم..

لا تضعف المرأة سوى في لحظات صدقها، الاحرى بك الانحناء لذلك العشق حين يهوي بها قلبها إليك، من يتوهم القوة أمام المرأة واهم، لأنها سرعان ما تنفض عنها رمادها وتعود عنقاء محرقة إياه في لحظات..

اكملت فائزة حكاية أبو نواس وهي تصف لي قسوة جنان البالغة عليه، " يلقي الشعر فلا تطرب له، يحمل لها الطيب ودهن العود فلا تستسيغه، اهدى لها أحدث إصدارات الايفون فألقت به لخن الدجاج، لقد انتهى الرجل، واصبح خاتماً في أصابعها"...

لا أنكر شعور الشماتة الممزوج بقليل من التشفي الأسود، مثل هذا الرجل لن يتربى إلا على يد جنان ومثيلاتها، بعض الدروس قدر لا راد له، قاطعت مشاعر التشفي الصفراء وسألت عن ربابة " لا أحد يعرف لها طريق، أغلب الظن أنها قدمت لجوء لكندا !!"..

" مسكينة أنت ياربابة !"، همست قبل أن امصمص شفتي والقي بعبارة لم يكن هناك من داع لالقائها، لكنها اللحظة النسوية من قادتني مجبرة وليس العكس :" تستحق ما حدث لها، نصحتها لآلاف المرات أن تعمل له عمل، وتربطه في رجل جمل، ولم تستمع لنصحي " ، أجابت فائزة :" نصيب !"..

أمسكت بيد قلبي وفررت من السؤال المطل من عيني فائزة، " كيف لي ان أجد لها عمل في مثل هذه الظروف، لم تعد الوظائف متوفرة في صنعاء كالسابق، كما أنها لم تتقن حتى اليوم أداء الصرخة، جنت المرأة حين وضعت عينيها على موقع مشرف حي حدة السكني، بعد رفضها لحارة السنينة!!..

برغم ذلك تفضلت مراسلتي الصحفية علي ببضعة أبيات شعرية للتائب الباكي وصلتها " بالواتس" من مكة، قبل مغادرتي :

حامِلُ الهَوى تَعِبُ
 يَستَخِفُّهُ الطَرَب 
ُإِن بَكى يُحَقُّ لَه 
ُلَيسَ ما بِهِ لَعِب
ُتَضحَكينَ لاهِيَة 
ًوَالمُحِبُّ يَنتَحِب 
ُتَعجَبينَ مِن سَقَمي 
صِحَّتي هِيَ العَجَب
ُكُلَّما اِنقَضى سَبَبٌ
مِنكِ عادَ لي سَبَبُ..

درت بين ازقة بغداد وحوانيتها بعض الوقت، لم احاول أن أثقل من الاحمال علي، فرحلة العودة طويلة، عبايتين وثلاث أزواج من الصنادل القادمة من بلاد السند، وبضعة أثواب سهرة مطرزة " ماركة الشهبندر "، فكما تعلمون خياطي بغداد لا يعلى عليهم في مهارة الصنعة، ورجعت لمنزلي..

وضع قلبي رأسه على وسادته وأنا اتأمله بحنان، واداعب وجنتيه، دندنت له حتى غفى اغنية محمد ثروت :" هياااااهاااااا "..
لحظات قليلة، رحت بعدها في نوم لذيذ أنا الأخرى! ..

نور ناجي 

السبت، 14 يوليو 2018

أدوار بطولة 
فرق هائل بين الدراما اليمنية وغيرها مما تنتجه الدراما العربية، عدى بعض الأعمال التي بدأت تُثّبتْ قَدَميها بمفاجأة غير متوقعة..!!

فقد كانت الدراما اليمنية الأضعف على الأقل في نسب المشاهدة، المحصورة عادة على المتلقي اليمني. لذلك لم نكن نطمح في كسب جوائز المهرجانات الفنية بقدر اهتمامنا بإثبات حضورنا فيها ونيل الجلوس على أحدى مقاعدها الخلفية.

فقد كان صناع الدراما اليمنية يجبرونك على الالتزام بقوالب بطولة معدة وجاهزة سلفاً قبل بداية أي عمل فني، تلك القوالب التي ترتكز بالأساس على عدم وجود "مميزات" لأبطالها؛ بطلها دوما مخفي يعمل من وراء ستار؛ مهمش لا يملك أي قدر من الذكاء؛ تبدو على ملامحه الطيبة التي لا تفرق بينها وبين الغباء؛ يمتلك وفرة في الصبر، وهو يوجه خده الأيسر لمن صفع الأيمن؛ يتنازل عن حقه لعدوه الذي يدّعي توبة غير منطقية..!!

في أفضل الحالات، ومع مخرج محنك يسعى لارتفاع نسبة المشاهدة، يكون البطل مهرجا أو محتال، لا يختلف عن الشرير التقليدي سوى بالعبارات التي يلقيها بين الحين والآخر للتذكير ببطولته، قبل أن يعطي ظهره للكاميرا منتشيا بمجد لا يشعر به أحد حتى نزول كلمة النهاية...، والمدهش أن المشاهد اليمني كان مصر على التلقي دون نقد ما يراه او إبداء رأيه فيه ..!

لا القي باللوم على الدراما اليمنية، فضعف الإمكانيات صخرة تعيق اظهار المواهب، بالإضافة إلى فقدانها عنصراً مهما، فالواقع المحيط بنا يشوبه خلل في بنية "البطولة والأبطال"، لا نستطيع توصيفه..! وهو خلل عجز عن ملئ شاشة الحياة، فكيف تقوى الكاميرات المحدودة مساحتها على ملئه؟ أبطال الشاشة يشبهون محيطهم، وقد تجرف ذلك المحيط لعشرات بل مئات السنين..

تعمد معظم من حكم اليمن على محو التاريخ وتجريف مفهوم البطولة من الأذهان شيئا فشيئا.. تآكلت كما يتآكل الصخر الصلب إثر توالي قطرات الماء عليه؛ قديماً من أجل بقاء حكم سلالة واحدة تؤمن بأحقيتها الالهية، ومؤخرا أُهيل على شجعانها تراب التجاهل والنسيان، بل والتشويه إن لزم الأمر. فالنجم الأوحد هي الصيغة والمعادلة المطلوبة في العقود الأخيرة ..!

اختلفت الصورة نوعاً ما منذ بداية الحرب. فالحرب لا تبخل بالأبطال، هذا ما يفترض به أن يكون، وقد فتحنا اجفاننا للبحث عنهم على أمل التقائهم والخلاص على أيديهم. لكن للأسف، شوهت تقلبات السياسة الكثير. كما أن الجبهات ظنت علينا بأبطالها، ضاقت بهم عقاباً على تواكلنا، فلا تُظهر منهم سوى صور لمن أرتقى، مع نعي حزين في أسفلها ..!!

ورغم ذلك كله، مازلنا مصرين على إحراج حكومتنا بمطالب لا تنتهي، وننهكها بسؤال ما لا تملك..! فهي في نهاية الأمر نتاج تاريخ أخفى أبطاله..!!

لكن توالي أيام الحرب، فاجأتنا بصفات درامية غير متعارف عليها، حين حذفت الحكومة الشرعية سيناريوهاتها..! حذفتها بصمت غريب أقرب الى الوقاحة، وهي تتجنب- عمدا- فتح ملفات اتهامات بالفساد تطفح بين الحين والآخر، غيّرَت من وظيفتها وهي تعطي ظهرها لمعاناة شعب، اقترب من حالة موت سريرية، قد لا نجد قريبا طريقة لشفائُه..

استحدثت نوعية جديدة من البطولة المواكبة للعصر ولحالة الحرب. أبطال كانت صلة القرابة هي الشرط الأساسي لاحتلالهم مقاعد لا يستحقونها ..! نمتلك حكومة تحارب جماعة انقلابية تعتمد السلالية منهجاً وقانونا، لكنها لا تمانع في استخدام منهج مشابه، (في التمييز)، إن اضطرتها ظروف مودة القرابة لذلك ..!

ليس هذا وحسب، فالأخبار لا تحرمنا من بعض الحوادث هنا وهناك، عن فرض بعض موظفي الحكومة البلطجة واستمراء القوة على الأضعف منهم. فذلك يستخدم الضرب أسلوبا ليكمل عقدة نقص فيه وهو يعتدي على عامل في مطبخه، وآخر يجمع أبناؤه لتمرر قراراته بقوة عضلاته الجبرية ..!

من الجيد أن الحكومة لازالت تملك القدرة على إدهاشنا- برغم حالة الرتابة والتبلد التي أصابت الشعب- بأشباه أبطال نحاول جاهدين معرفة المُخرِج الذي أضاف بهاراته لتسويق منتجاته الجديدة ..!!

قد تكون المشكلة الفعلية، التي تواجه بعض أعضاء حكومتنا، عدم إدراكهم حقيقة موقعهم الذي مازال أغلبهم يفضله خارج حدود الوطن، متمسكين بكونهم أعضاء حكومة منفى لا أرض لها، تستند على شرعية ساهموا في تأكل اجزاء لا بأس منها، ببلطجية وعنجهية مزيفة تثير الاستغراب ..!

أعمتهم تصرفاتهم، لدرجة لم يلاحظوا فيها أن جمهورهم اليوم يختلف عن جمهور الزمن الصامت، لا يحمل الكثير من الصبر، ولن يكتفي بالمشاهدة ممسكاً لسانه اللاذع، بعد أن أجاد فنون النقد وتخصص في القاسي منها..

تمر بالبعض لحظات شفقة بسبب ادائها الهزيل أمام جمهورها الغاضب. ولا يرى لها أي مخرج سوى انتهاج أحد طريقين: تصحيح اخطائها، ومفهوم البطولة الغائب عنها ليعبر الجميع بسلام؛ أو التخلص النهائي من جمهورها المشاغب.

 ولا أعتقد- برغم ما تدعيه من قوة مزيفة- أنها قادرة على ذلك.

الجمعة، 13 يوليو 2018

قوة خفية!!..

انت يمني ؟! 
إذن أنت تحيا في سجن، وتمسك بقضبانه ليل نهار باحثا عن نسمة حرية!!..
 في الداخل أو الخارج؟!، لا يهم، مازالت في سجنك ممسكاً بذات القضبان، فالسجن حالة تصيب الروح أكثر من أصابتها للجسد ..

قد يكون ذلك الإحساس عبارة عن اكتئاب جمعي أصيب به الجميع وبنسب متفاوتة!!
أكثرنا حظاً لم يلاحظ بعد تلك الحالة، لكنها ستصيبه بعد فترة، قصيرة أو طويلة يتعمد ذلك على قوته الخفية!!..

أمهاتنا، قوتنا الخفية، ونسمة الحرية التي تزيح عنا ضيق تلك القضبان لبعض الوقت !..

أمهاتنا،، السر الكامن فينا، وكمية التجلد والصبر واللامبالاة التي نحملها دون أن ندرك وجودها أو مصدرها الحقيقي حتى تبعث وقت حاجتنا اليها !..

ربما لم تجد أمهاتنا الرفاهية التي عشناها في طفولتنا لكنهن حملن أضعاف ما نعانيه منذ أمست الأيام أكثر قسوة، وللغرابة الشديدة نجدهن وقد تقبلنها ببساطة حكيمة فاقت قدرة استيعابنا المفترض بها أن تكون الأكثر إدراكاً وفهماً..

نفني الكثير من الوقت في البحث والتحليل لنجد حلا يخرجنا من الفوضى التي وجدنا في مستنقعها، فلا يزيدنا ذلك البحث سوى غرقا فيه، لا ينجينا منه ويزيح هالاته السوداء من حول أعيننا سوى احتضانهن بلهفة لتتساقط عنا أوجاعنا كأوراق خريف يابسة، فاحضانهن الأماكن الوحيدة التي لم ولن تصلها نيران الحرب " بإذن الله"..

لا تملك الأمهات مبادرات السرية، وحلول سياسية تنتظر التوقيع عليها، لتسري وتنهي ما بدأه " فاقدي الأهلية " الذين أشعلوا هذه الحرب، لكنهن يملكن تفاؤل بالغد، بابتسامات مطمئنة وثقة عجيبة واجندات ممتلئة بأيامه، تثير غيظك أحياناً حين تجد نفسك لم تتجرأ على التفكير الفعلي به..

اثبت هذا الجيل فشله، سواء اعترفنا بذلك أو نفيناه عنا، جيل فشل في فهم الماضي، وترك الحاضر حين أسلم عقله لغيره يتلاعب به، ويخشى المستقبل الذي يراه عبء لم يكن من المفترض به حمله لوحده، جيل مهما ادعى القوة والنجاح إلا أنه مازال يبحث عن خلاصه في دعوة لأمهاتنا محفوظة في الغيب !!..

جيل يتهرب من سؤال يطرح نفسه بعناد بعد كل زيارة قصيرة لمنزل والديه!!، هل سيكتسب الغد أمهات تملك القليل من صفات أمهاتنا وقوتهن، وهل سنتمكن من بعث الأمل لغد أبنائنا، وقد استنزفاه في واقعنا الحاضر ؟!.. 

نور

الأربعاء، 11 يوليو 2018

مدينة الغبار

كل بضعة أيام أمسك بقطعة قماشية لامسح زجاج نافذتي..
النافذة التي لا تفتح سوى بضع دقائق في الصباح بعد أن تتأكد من خلو الشارع لتفغر شدقيها مبتلعة أكبر كمية من الهواء، والغبار..

وضعت القطعة القماشية جانباً، ومررت أصابعي على آثاره، لماذا فرضت على نفسي هذا العمل المضني، لماذا يجب على إزاحته ؟!، ما الذي سيختلف إن بقيت نافذتي مغبرة بلا نقاء، كسماء المدينة وبيوتها الحجرية المتأججة به، كجبل نقم الوثن الممل بمريديه..

صنعاء مدينة الغبار الذي يعود دائماً، بعد دقائق أو ساعات او حتى متأخراً لأجيال، لكنه يعود ويتموضع في مكانه معتداً بنفسه واثقاً من قدراته..

متراكم على سكانها و الوافدين عليها بعد تركهم لمدنهم وقراهم خلفهم، وقد اعتادوا طعمه بملامحهم المقتلعة ووجوههم المكوية بالشمس..

لا أسهل من الوصول للنهاية والموت في عمق المدينة، يكفي ترك نفسك مواجها لها لربع ساعة فقط حتى تهاجمك ذرات غبارها كملايين الرصاصات الدقيقة، تسد منافذ عينيك وانفك مفقدة إياك حاسة السمع إلى أن تخنقك وقد تكومت جافة على حلقك منتزعة روحك ببطء..

ليس الأمر بذلك السوء، لن تكون وحيداً تماماً، كثيرون غيرك اختاروا هذه النهاية ويسعون إليها بمحض إرادتهم..

نور 


الاثنين، 9 يوليو 2018

وضعت عليها قوقعتها، وقطعت عنها الحبل السري الذي يربطها بالعالم، لتبقى في عزلتها مع الوحدة المسفوكة التي تناسخت لتقتات منها..

عزلة بطعم الفقد والخسارة، لكنها الوحيدة التي رضيت بتقلبات مزاجها الذي قد يتعكر يوماً فلا تقوى على لملمة جنون خيالها وفوضاه، وتعطيها ظهرها يوماً آخر لتلهو في مكان قصي في أحد أركان قلبها، بعيد عن كل شيء ،، سواه!!..

يغمرها زفيرها وهو يمسح ضباب فراقهما ليتأمل انعكاس وجهه!!..
لم يعد من شيء يثير شهيتها سوى الكتابة على سطور خطوطه المتعبة وجفنه المرهق وقد فقدت إمكانية مقاومة غيابه بلحظات مسروقة منكسرة، أو أخرى متحايلة تنأى عن قول الحقيقة!!..

تعلمت أن لكل حديث وجع يستوجب الدفع، فأحكمت إغلاق شفتيها، واكتفت برسمه حروف لا نهاية لها حتى تحولت أناملها إلى ورق، تنبعث منه رائحة دخان امرأة تحترق..

أمرأة لا تخشى احتراقها قدر هاجسها من تخلي حروفه عنها يوم ما !!..

نور

السبت، 7 يوليو 2018

الهضبة الشمالية وجرائم الهادوية

 السبت, 07 يوليو, 2018 - 06:17 صباحاً
نور ناجي
 نزحف على الأيام في انتظار موعد لنهاية الحرب التي تتلكأ عن الموت، وقد منحت قبلة حياة عبر مفاوضات لا نعرف إلى ما ستؤول أو ماذا ستحقق!!..

لا نترك أنفسنا فريسة سهلة لهذا الانتظار.. لدينا الكثير من المعارك الجانبية التي تشغل فراغنا: من سلالية طبقية مقيتة، إلى مذهبية طائفية؛ نتقاسم بينهما التخوين الساخر، عبر مناطقية نُسَلم لها أنفسنا بكل بساطة!..

لم أرى أسى أعظم من الأسى الذي قاسته اليمن. برغم الوعي المتزايد لدى أفراد الشعب، إلا أن ميراث عيوبنا وتركتنا الثقيلة مازال مسيطراً على أكثر العقول وعياً، ويعاد بتكرار حي بكل جدارة..

قد تكون المعركة المناطقية من أكبر الخطايا التي تقف بيننا وبين استجابة دعواتنا لانتهاء الحرب..

المناطقية التي لم تكن معروفة قبل دخول مؤسس الفكر الهادوي لليمن وغرس جذوره فيها. لم تكن زيارة يحيى إبن محمد القاسم لليمن، عام???هجرية، هي الأولى. ستُفاجئ وأنت تقلب في صفحات تاريخه، بزيارة تسبقها بأربع سنوات، وقفت لها قبائل مناطق الشمال بالمرصاد، لدرجة إلقاء الحجارة والتنديد على موكبه بصوت واحد: "لا نريد العلوي يدخل بلدنا!!" ..

يتهم البعض مناطق شمال الشمال بأنها الحاضنة والمفرخة لهذا الفكر، دون أن يدركوا أن هذه المناطق هي أكثر من عانت من الفكر السلالي، ودفعت ضريبته أثمان مضاعفة منذ وطأت أقدام الرسي عليها..! وللأسف، مازالت هي المتضرر الأول حتى يومنا هذا، وهي تواري الآلاف من شبابها بين التراب الموجوع.

لم تكن حياة الرسي في اليمن هانئة، بعد أن دخلها يراوده حلم إسقاط الخلاقة العباسية، ليسقط عنه لباس الزهد والتقوى، وقد خالفت منهجه الكثير من القبائل، فاستخدم العنف المطلق بواسطة المهاجرين إليه من طبرستان، بالإضافة للعبه على المتناقضات والخلافات بين شيوخ القبائل ..

استبيحت دماء سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته، والتي حاربت فكرة الهادوية عبر مجازر بشعة، انتهت بتهجيرهم، وهدم بيوتهم، وقلع زرعهم وأعنابهم، ودفن آبارهم. هذا بالطبع بعد أن ثبتت رؤوس مقاتليهم على أسطح المنازل، أو تعلقت أجسادهم من عراقيبها على أغصان الأشجار بمنتهى الوحشية..

كلما نظر الهادي للدماء الثائرة مسكوبة على الأرض، أزداد تفنناً بإقامة مذابح جديدة تتفوق عن سابقاتها..! وبرغم عنفه المطلق، إلا أنه لم يستطع دخول مدينة صنعاء حتى عام ??? هجرية، بمساعدة عاملها المدعو "أبو العتاهية"، وبعد استقدامه لمدد جديد لا يستهان به من طبرستان والحجاز ..

استمر الحال مضطربا بينه وبين قبائل الشمال، مد وجزر، استباح فيها كل الأعراف وقيم الدين الذي يتشدق بامتلاكه دون غيره، ليتوفي خائباً، وقد أحاطت به خطيئته في العام ??? هجرية، محاصرا في صعدة، وأصوات المعارك على أسوارها الطينية آخر ما وصل إلى أذنيه ..

توالى بعده حكم الأئمة، متوسعا، أو متقلصا، حتى حدود بؤرة نفوذهم التي لا يتنازلون عنها أبدا. فالتنازل يعني الفناء، وقد استنسخوا طريقة كبيرهم الذي علمهم الذبح والقتل بمجازر يندى لها جبين الإنسانية؛ كمذبحة جماعة المطرفية، التي أُبيدت عن بكرة أبيها دون أن يبقى لأصحابها ذكر أو أثر...!!

ورغم ذلك، استمرت الثورات المناهضة لهم بشجاعة، حتى خارت دفاعاتهم. لا أحد يستطيع محو تاريخ "بني الحارث"، و "بني يعفر"، و"آل طريف"، و"آل الضحاك" ضدهم؛ وكفاح "أبو محمد الحسن الأرحبي البكيلي الهمداني"، الذي وقف بسلاح العلم متصدياً لبطشهم، و"نشوان بن سعيد الحميري" صاحب البيت الشهير: مِنّا التبَّابعةُ اليمانون الأُلى  * * * ملكوا البسيطة سَلْ بذلك تُخْبرِ

وغيرهم الكثير، ستجد في الكتب، التي دونها الإماميون عن أنفسهم، الأدلة الدامغة التي تدينهم وتجرم فكرهم ..

لم تسلم جميع مناطق اليمن من شر الفكر الهادوي، لكنها احتفظت في أغلب الأوقات بمذهبها، وكراهيتها لسيطرة الإمامة، وحريتها لفترات متفاوتة. على عكس مناطق شمال الشمال، التي حرمت- لأكثر من ألف عام- من لحظات شفاء؛ فترة نقاهة من الجاثوم الذي كُتب عليها، مغيرا تركيبتها السكانية؛ مذهبها وطريقة تكسب سكانها وعيشهم..!

نحن بحاجة للكثير من الإنصاف، قبل أن نجرد أسلحة السنتنا في صراعاتنا المناطقية. قد نتوقف قليلا، حين ندرك أننا نتحدث باللسان الذي أراد لنا به الهادي التحدث به؛ نحارب بعضنا بنفس النهج الذي رسمه لنا، دون أي انحرافات أو ميل!! ..

الخميس، 5 يوليو 2018


لا تندهش!!..
لقد كان طيفك هنا !!..
قبل عدة ليال زارني، على وجهه ابتسامتك القديمة وصوتك يناديني بعذوبة جريان ماء..
اقترب دون أن يزيح نظره عني، وبين يديه باقة من ذلك العشق الذي يقرأ عنه الناس دون أن يتذوقوه، يستجدونه شعراً ونثراً وهم يحسبونه خيال..

وكأنه يهزأ بي!!، لا يختار سوى الأوقات التي احسبني فيها أقوى من في الكون، لا كعب أخيل يضعفني أو  قص ظفيرة شعر تنزع عني قوتي..
شجرة ثابتة، واثقة من كمالها لا نقص فيها، ما أن تطل حتى ترتعش اغصانها وتسّاقط أوراقها، وهي تخلع جذورها بعجلة لاحتوائك..

وكعادتي بعد أي من زياراتك، أقوم بطقوس ساذجة سخيفة، كمن تزين نفسها لزيارة غادر ضيوفها، تعد قهوتها لتدفىء ببخارها المتصاعد قلبها المجوف دونك..

أشربها مغمضة اجفاني..
فاستيعاب حضورك وإعادة تفاصيله ليست بتلك السهولة !!..
من غير المسموح تسرب أو إضاعة جزء منك، أجاهد كي لا تفر تنهيدة لك عبر دمعاتي، اتنفس عبقك بعمق رافضة روائح العالم، اشتاقك بصمت تعلم ارتداء الكبرياء حتى تعود!..
كلانا يعرف أنك دائماً تعود،، ولو متاخراً.. 

اتلفت حولي قبل أن افتح علبة العطر القديمة!، مازلت محتفظة بها، أطمئن نفسي باحتجازك فيها!..

على أي منضدة تراك تحتجزني ؟!، أما زلت على عهدك لي بوضعي أمام نافذة واسعة تواجه الشمس مبكرًا، تعلم مقدار عشقي لضوء استفاقة النهار ؟!..

أُفتح غطاء زجاجة عطرك واترك نفسي لعبقها، وأسلم لها بقية ما تركته فيني، استلقي على قاعها لساعات طويلة ممسكة بيدك، ابكيك واشتكيك واناجي أناملك..

لا اغادر حتى أكون مستعدة لسفر جديد وغربة موجعة، اتمتم لك هامسة " بما تعرفه مسبقاً"، قبل أن ألملم روحي واعيدها لمخبئها..

نور 

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...