السبت، 23 نوفمبر 2019

نرسيس صعدة..


نور ناجي

تقول الأسطورة اليونانية إن الغرور أصاب "نرسيس" إبن الإله "كيفيسيا" والحورية "ليريوبي" نتيجة جماله الذي أُشتهر به، لدرجة تجاهله وإعراضه عن كل من يحبه؛ فكان عقاب الآلهة له أن اخذته إلى بحيرة رأى فيها انعكاس صورته ووقع في حبها حتى عجز عن تركها، دون أن يدرك بأنها مجرد صورة حدق فيها دون حراك، حتى فارق الحياة!..

اشتق لفظ النرجسية من تلك الأسطورة. وبعبارات بسيطة يمكننا تعريفها بالاضطراب الذي يصيب صاحبها باعجاب بالذات، مبالغ فيه، لدرجة تجاهله الآخرين، أو حتى مبادلتهم بعضا من مشاعر الحب والإعجاب، ويؤدي به ذلك الإضطراب في النهاية إلى انسلاخه عن المجتمع الذي يعيش فيه، وقضاء بقية حياته وحيداً منعزلاً نافراً من الآخرين ..

هل يحب السلالي نفسه؟! هل يعاني فعلا من نرجسية أجاد اخفائها طويلا؟!

 حاولت تفنيد توصيف سيق أمامي بأن النرجسية هي السبب الحقيقي لجرائم الحوثي ونظرته الفوقية لمن حوله. 

أعدت الفكرة على نفسي قبل أن استرجع فقرة كنت قد قراتها في سيرة "الهادي يحيى ابن حسين الرسّي"، المحتل الأول، والأب الروحي لمن تلاه من أئمة السلاليين بعد أستقرار حكمه في بعض أجزاء اليمن..

يذكر المؤرخ أن الهادي كان مجتمعا مع بعض أفراد حلقته الضيقة، قبل أن يفضي ببعض ما في نفسه، ويقول:

"والله لولا أني أخاف أن يفسد أمر هذه الأمة لطرحت نفسي معها نهاري كله، وما صلى بهم الصلوات كلها غيري، ولبست أدنى اللباس، وإني لا ألبس الثوب الجيد وابدا على نفسي، والله على ما اقول شهيد. ولربما جلس الناس فأفكر فيهم، فأتمنى أن أكون جالسا معهم، ثم أفكر في عاقبة الأمر، فإذا اني فعلت ذلك لفسد الناس علي، وخلقت عندهم حتى تذهب هيبتي من قلوبهم، ولو ذهبت الهيبة، ذهب الاسلام !!"..

ربما لم يسجل ذلك المؤرخ كل شاردة وواردة في سيرة الهادي، إلا أنه على الأقل تجرأ، ودَوّن ما يهمنا لمعرفة نرجسية تلك السلالة من عدمها!..

كما بدى من سيرة الرسي- التي اختفت من الأسواق مؤخراً- أنه لم يطرح نفسه على الأمة التي يفترض به حكمها. اختفى عنهم وربط، بلا مواربة، بين ظهوره وفساد الأمة؟! ما الذي يجعل ظهور الإمام المتكرر بين رعيته سببا في فساد الأمة؟! لا أعتقد أن وسامة الرجل كانت طاغية، لتقود الى فتنة يفترض وقوعها! أم أنه كان يخشاها نتيجة أقوال أو أفعال كان ليقوم بها!..

ليس ذلك وحسب، فقد امتنع الرجل عن إمامة الصلاة واختار غيره بديلا. على الرغم من أن تقدم الصلاة في ذلك العصر كانت أولى مهام الحاكم، أي حاكم، ظالما كان أم عادلا، ما الذي منع الهادي من ذلك؟! لم يكن ذلك لِعّلة أصابته، فسرديات بطولاته أكدت على قوة جسدية لم يضاهيه بها أحد، إلا أنه كان يخشى عملية اغتيال؟! لم لا؟! في ذلك حجة مقبولة لن تجد من يشكك بها نتيجة أعدائه الكثر. لكن ما تلى تلك الحجة من قول كان بعيدا كل البعد عن شبهة اغتيال أو فتنة قد تتبعها. فقد انبرى الرجل وبكل سذاجة الى تغيير مسار الحديث نحو ما يرتدي من ثياب لا يلبسها العامة من الناس!!..

لم تكن لدور الأزياء ركن مهم في تاريخ الحكام، مسلمين كانوا أم "اعاجم". كما كان يطلق عليهم، إلا من بعض الحالات الخاصة، على سبيل المثال مقارنة ثياب الخليفة "عمر  ابن عبد العزيز" قبل استلامه الخلافة وبعدها. والتي دلت على حالة زهد تمسك بها. وعلى العكس من ذلك، ستجد المقارنة ذاتها حال تباين بذخ ازياء الحاكم وما يرتدي شعبه من اسمال، والتي قد تؤخذ كدليل فساد ولامبالاة، وقد تكون "ماري انطوانيت" وحاشيتها مثالا مناسبا وإن كان بعيدا !..

فأين الرسّي مما سبق؟!..

عشق "نرسيس" نفسه، ملامح وجهه، تفاصيلها، لم تشر له مرآة المياه بحاجته لتسريحة جديدة أو لون ثوب يبرز إضاءة وجنتيه، لذلك يمكننا تبرئة الهادي من داء النرجسية. أدرك الرجل حالته بمنتهى الدقة واحتاط لنتائجها، لم يكن كنرسيس، لا جاذبية فيه أو كاريزما قد يحملها "رجال العصابات"، فاختار الغياب حتى لا يكشف من يتبعه نقصا واهتزازا بالثقة فيه، سواء في قول أم فعل. كان الرجل صريحا وهو يحدق في المرايا واعترف بحاجته للزينة، بعض من بهرجة في الألوان قد تنطلي على البعض بعض الوقت، وليس كله!!..

استمر الرسّي، رغم الارتباك الذي بدى على جمله المبعثرة، واضاف شارحا لمريديه عاقبة الجلوس الوخيمة بين الناس، حين قال: "فإذا اني فعلت ذلك لفسد الناس علي، وخلقت عندهم حتى تذهب هيبتي من قلوبهم!". عاد الرجل مجدداً للتحذير من فساد الامة. لن تجد لتلك الإضافة سوى أحد سببين: إما أن الرجل لم يجيد فن الخطابة، كما يدعي أنصاره؛ أو لاخفاء خوفه من انقلاب الناس وثورتهم عليه. وعلى الأغلب كان لاجتماع السببين، لكن القارىء قد يجد أن الأهم فيما قال الرسي كان في ما تلاه من عبارات: "ولو ذهبت الهيبة، ذهب الاسلام!!"..

إنه الاسلام إذن!!

كان الدين منذ البدء الطريق الأسهل لقلوب البسطاء.،الباحثين عن جنة وجدوا بها عوضا مناسبا لحياة بائسة. ولن تجد أكثر من صلة دم "مقدسة" لتربط به أولئك البسطاء. فحين تقراء سيرة الهادي ستجده دائم التذكير لمن حوله بمدى صلته مع  النبي: "والله لئن اطعتموني، لافقدتم من رسول الله الا شخصه!"!، وغيرها من العبارات المشابهة..

تكرارك الدائم لاي أمر، لا يجعل من حولك فقط يعتقدون به، بل ستجد أن ذاكرتك هي الآخرى قد خدعت به ورسمت من وحي خيالها صورا تثبتها لنفسك، خاصة حين تكون كذباتك هي سبب بقاء قوتك!..

لكن هل صدق الهادي كذبته؟! وعلى افتراض أنها حقيقة، هل كان مقتنعا تماما بالمنحة الإلهية التي حصل عليها كنتاج، رغم مخالفتها الواضحة للدين القويم الذي يفترض انه يدعو إليه، والذي لن يأخذ الكثير من معارضيه الوقت أو الحجة لنقضه!!..

أي حيرة أوقع الرجل نفسه بها، خاصة بعد أن بدأت مكاسب رحلته تنهال عليه!!..

إلا أن شيئا لم يكن ليقف أمامه، إن كان الإسلام الحقيقي هو العثرة التي تقف بينه وبين مشروعه، لا بأس من صناعة "اسلام خاص" به كما فعل من قبله، وتم له الأمر حتى اقترب من أن يكون نبيا لمريديه. إلا أن الرجل مازال يتشبث باثواب الاسلام القديمة، أين حب الذات إذن!! أين النرجسية المفترض أنه يملكها؟!

قد يكون الدين المُختَرَع وسيلة لنيل ما يريد، لكنه لن يمنحه المغفرة حال سقوطه. أدرك الرسي ذلك مبكرا وتوسل التصديق والإيمان بعد أن عجز لوقت طويل عن اخفاء عيوبه ومساوئه. 

لن تجد افضل من غطاء قرابة بينك وبين رسول الأمة. الحصانة والرباط الذي قد يكون أقوى من صلة الانتماء لقبيلة أو لأرض أو لحق. كل الحقوق ستتساقط أمام الغطاء الطاهر لمثل هذه القرابة، لابد إذن من التمسك بخرافتها واعادتها على مسامعك قبل الآخرين! ربما كرر الهادي ذلك لنفسه بينما كان يراقب الجموع التي لا يبدو عليها الانصياع التام وتقف بين الشك واليقين!!..

ورغم ما ساقه الرجل من أدلة وبراهين، الا انها لم تكن شفيعة له، ومات محاصرا بين اسوار صعدة وهتافات الثائرين ضده. ترى ما الذي كان يفكر فيه أمام الموت اللاهث نحوه، هل حاول حجب نفسه عنه هو الآخر، أم أنه استسلم سريعا لشريط جرائمه المعروض له؟!

"لعل الزمن والخبرة الطويلة غيرت من طبائع السلالي، وأمسى أشد ثقة بنفسه وحبا لذاته؟!". قد يقول البعض مفندين ما سبق، قبل أن يشير لهم الواقع!!..

ما الذي تغير فعلا؟ أين هو الزعيم السلالي عبد الملك الحوثي؟ ولماذا يحجب نفسه عن مؤيديه؟ إلا من خطابات هزيلة لا تختلف ركاكة عمن سبقه؟!..

وعلى الرغم من تزايد حاله المقت الموجهة للسلالة، مازالت تجد في البحث عن أعياد ومناسبات دينية تذكر الناس بقربى وهمية تغطي بها مساوئها عبر طلاء الشوارع وتزيينها بخرق بالية. فكما كانت خرافتهم طريقهم للسيطرة، كانت كذلك حبل نجاة مذل، قد يقف بينهم وبين انتقام يستحقونه..
    
 

السبت، 16 نوفمبر 2019

زمن "علي مقلى!"..


نور ناجي

  "أي حال صعبة نحياها. مازلنا نتذوق مرارة العيش وحربا تجاوزت الحرب العالمية الثانية بعدد سنواتها، ولا ضوء يبشر بأمل، أو حتى لا يقيناً من إيقاف سقوط لا قاع له!!".
 
لا يكاد اليمني ينهي بكائياته حتى يشعر بمن يربت على كتفه: "أرجو المعذرة، لم الشكوى، فليس ما يجري عليك هو الأول، هل نسيت زمن "علي مقلى؟!". كان ذلك صوت التاريخ الذي لا ينفك عن إلقاء دروسه، ولا نكف نحن عن نسيانها!..
 
ربما يتداول البعض لفظ "علي مقلى" من باب السخرية والتندر، دون أن نجهد أنفسنا في معرفة أصل الكلمة، أو معرفة "صاحب المقلى" الذي أطلقت عليه، لذلك يجدر بنا العودة إلى منتصف القرن الثامن عشر ميلادي، والتي وصفها الشاعر "القارة" في مطلع إحدى قصائده:
 
ضاعت الصعبه على الخلفاء
خبط عشواء والسراج طفا
لا تصدق أن ثم وفا
حسبنا، لا إله إلا الله..
 
لبجوا في كل أرض وما
أمروا عرباً ولا عجما
إنما هم في عمى وضمى
حسبنا، لا إله إلا الله..
 
كانت الإمامة قد نقلت مركزها من صعدة قبل ذلك التاريخ، وثبتت حكمها في قلب صنعاء، لتمتد الى ما حولها لفترة لا بأس بها، بعد أن فشل "الرّسّي" ومن جاؤا بعده في إبقاء سيطرتهم عليها لفترة طويلة. فقد كانت صنعاء على الدوام سلاحا ذا حدين، بالرغم من موقعها الجغرافي الذي هيئ لها أن تكون نقطة الاستيلاء على بقية أراض اليمن؛ إلا أن تلك القوة لم تساعد حاكمها على يقين التمسك بها منفردة في لحظات ضعفه:
 
قالوا إن الجن قد حضروا
 
في القرانع للبقر عقروا
 
وبشغل الكيمياء سبروا
 
كم ذهب، لا إله إلا الله..
 
والخلايق كلهم رغبوا
 
وبنو قيس احتبوا جدبوا
 
والضريبه، كل يوم ضربوا
 
كم دسوت لا إله إلا الله..
 
من مفارقات الإمامة وتاريخها الدامي في اليمن، أنها لا تكاد تنتهي من إخماد ثورة اهلها ضدها عبر طرقها التقليدية، حتى تبدأ صراع عجلة حروب أشد وطأة بين أفرادها. كيف لا وقد امتلأت أزقة المدن والمتربصين خارجها بالعديد من الذين لا ينقصهم سوى السيف لنيل مبتغاهم. وما أخف ضرب السيوف في سبيل إشباع شراهة الحكم. لذلك كان لابد من أن يقول الشاعر تلك الحقيقة:
 
وشياطين البلاد أتوا
 
بعد ما قد أفسدوا وعتوا
 
إبصروا جواء الكلام هتوا
 
وإلخ، لا إله إلا الله..
 
والكتب من كل فج عميق
 
والهواتف في شهيق وعقيق
 
والغرايم في مرض وصقيق
 
زيق ميق، لا إله إلا الله..
 
والذي في السر كان إماما
 
قد نبع منها بعير كلام
 
ورجع يزحر بغير وحام
 
ونزق، لا إله إلا الله..
 
انساق أئمة ذلك العصر بغواية الإمامة، دون أن يبالوا بالمخاطر المحدقة حولهم، وانشغلوا بصراعاتهم الداخلية والاقتتال الذي لم يكن يتوقف، بينما استسلمت المدينة المغلوب على أمرها للواقع الذي بدى وكأن لا نهاية لنفقه:
 
وابن شمس الحور في غربة
قد دعا حتى جته شحبة
وخرج منها إلى الرحبة
لا لشيء، لا إله آلا الله
 
والإمام محسن إمام عظيم
بالخلافة والشروط عليم
وهو في حصن الغراس مقيم
منتظر، لا إله إلا الله
 
كلهم قاموا بغير ركب
من ملك رطلين نحاس ضرب
والوقيد قالوا كبا وقصب
وقشاش، لا إله إلا الله..
 
ستجد إماما يبحث عن لقب مناسب بعد أن استهلك من سبقه غالبية الألقاب. هل يعيد استخدام "المتوكل بالله" ، أم أن "الغالب لأمر الله" أفضل؟! "المنتصر" أم "المنصور"، "الهادي" و "المهدي"؟! حتى سمع أحد أهالي صنعاء، بحيرة، الامام الجديد ليقول باللهجة الصنعانية، وبروح فكاهتها البسيطة: "سيكون لقب الامام "التعوذ بالله" جيدا؟!"..
 
واستمرت تلك الصراعات خاصة أن تكلفتها لم تكن جائرة وفق معاييرهم، لم يأتِ المثل الشعبي المتداول: "الحجر من الأرض، والدم من رأس القبيلي" من فراغ..
 
كلها في ذنب أهل أزال
عيفطوا عيفاط بغير كلام
واستهلوا للفساد هلال
مدبرين، لا إله إلا الله..
 
من دعاهم للصلاح منعوا
في النهايه طول ما هجعوا
ما رضوا يرزوا ولا خنعوا
في جغير، لا إله إلا الله..
 
دخلت اليمن بكافة مناطقها فوضى، فاقت بكثير الفوضى التي نحيا بها في العصر الحالي. لم يكن مستغربا بين أفراد الشعب تعدد الأئمة، حتى نصب خمسة أئمة أنفسهم حكام لصنعاء، في وقت واحد. أو ربما لن تجاوز نيل أحدهم اللقب يوم واحد، بعد أن أمسى للعمامة ومقعد الحكم ثمن لا يتجاوز بضعة قروش:
 
وأمير المؤمنين معيض
قد فعل فيها طرق وفريض
شاربه قالوا طويل وعريض
مجعلي، لا إله إلا الله..
 
ورعا يا ذا الزمان همج
خلو الدنيا ملان رهج
من دعاء الامام ضحك وزبج
عسبوا، لا إله إلا الله..
 
تؤكد المراجع أن القصيدة، الموزعة بين السطور أعلاه، كتبت في زمن المنصور علي بن المهدي عبدالله، والمولود من جارية حبشية، والذي قيل أنه تولى الإمامة أربع مرات بعد وفاة والده. وقد تناقل عنه العامة وصف: "الأبلة في صورة الحاذق". فقد كان خالي من المؤهلات، ولاهيا في حياة الترف والعبث مع الجواري تاركا أمر الحكم لنواب لا يسألهم أو يحاسبهم على شيء، ليمنح لقب "المقلى" بجدارة، قبل أن ينقلب عليه عسكره ويقبضوا عليه في إحدى حدائقه ويودع السجن، ولم يكن قد أكمل العامين بعد من حكمه، وتزداد بعده وتيرة الانقلابات:
 
لاحت الفرصه لأهل جدر
لعبوا بالناس عدر دعدر
شمخوا فوق الصيد وخمر
ووايله، لا إله إلا الله..
 
ودغيش المام حق شعوب
في كلام جابر وشوع وزوب
والمراتب والخيول سنوب
عقل تيس، لا إله إلا الله..
 
لم يؤدي الانقلاب على "علي مقلى" إلا إلى مزيد من فوضى الطامعين، الذين أخذوا يتنازلون عن أرض اليمن قطعة قطعة في سبيل إبقاء العمائم على رؤوسهم، حتى تحركت قوات الاحتلال العثماني نحو اليمن، وقد فتحت لها أبواب عودة جديدة، ????م. لم تكن المطامع التي تنازلت عنها إبان خروجها الأول هي سبب العودة وحسب، بل عززتها النداءات المستغيثة التي اخذت تنطلق من أهالي صنعاء ورجالاتها وبعض أئمتها ايضا، وقد وجدوا أن نار المستعمر قد تكون أهون من نيران الأئمة..
 
لعلك تسمع وانت تقرأ هذا الجزء من التاريخ صدى هتافات على شاكلة "شكرا عصمالي!":
 
قلبوها اليوم ضرب سقل
وقطع من نار وهاد وجبل
ذا نهب هذا فلان قتل
جيبره، لا إله إلا الله..
 
قتلوا قوبل بغير سبب
وحسين لما علم وطلب
وارثه قال لو فعلت عبب
كان بخير، لا إله إلا الله..
 
مثل فاعل لاش ليت عليه
صكوا النوعه وقمحذويه
بقباقب في صوابريه
الخضيع، لا إله إلا الله..
 
واستمر الحال، حتى سقطت عدن هي الأخرى، والتي كتب التاريخ أن سقوطها كان مرهونا بسقوط صنعاء تحت حكم الإمامة، وأمست تحت سيطرة الاحتلال البريطاني ????م، ليبدأ بعدها نضال اليمني ضد الاستعمار والامامة والتي استمرت عشرات السنين، قبل أن تنتهي الحكاية!!..
 
كلا، لم تنتهِ الحكاية بعد. فها نحن نقف مذهولين أمام دائرة الزمن التي أكملت إحدى حلقاتها، لترجع بنا إلى زمن أسوأ من زمن "علي مقلى" وحماقاته. ربما لم ينحصر "علي مقلى" هذا العصر باصحاب العمائم، بل امتد ليشمل مرتدي البدل وربطات العنق الأنيقة. لكن ذلك لم يمنعنا من إستعارة "أبيات القارة"، وهي تختم نفسها بكل سخرية وأسى:
 
كيف تقع دنيا بغير إمام
كيف يقع ننهم حلال وحرام
كيف يقع نعرف ضيا وظلام
كيف يقع، لا إله إلا الله..
 
كم لنا من قطع راس بقتيل
كم لنا من قطع كف جميل
كم لنا من ربط كل ثقيل
كم لنا، لا إله إلا الله؟!..
 

الأحد، 10 نوفمبر 2019


اليمني بين الاختلاف والخلاف


نور ناجي

"على مدى تاريخنا كنا يمنا أعلى ويمنا أسفل، لم نتفق ابدا!"
 
 التقطت العبارة دون محاولة استنكارها أو رفضها. نعم لقد كان على حق؟!، قد نحمل من الاختلافات ما قد تكون للبعض أسبابا مقنعة للخلاف، ولو أننا عدنا للخلف لوجدنا ذات الاختلافات وربما وجدنا ما هو أشد منها..
 
لم تكن أرض اليمن سعيدة بالمطلق، من الطبيعي ألا يستمر ذلك اللقب على منطقة يعتبرها الباحثون أقدم مناطق العالم المأهولة بالسكان، لكن منذ متى تجنب الإنسان المشاكل، أو توقف عن صناعتها؟!..
 
شهدت اليمن قيام الممالك والدويلات منذ أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، إلا أن وعورة أرضها وعدم وجود أنهار  بجريان ثابت؛ لم تربط القبائل الساكنة بالقدر الكافي من هاجس المصير المشترك، حتى ظهرت "سباء" النموذج الأول لمعنى الدولة الحقيقي بالسدود التي أنشأتها والتجارة ذات الدخل الاقتصادي الآمن، لتتمكن بعد وقت قصير من التهام ما حولها من تجمعات بشرية ودويلات وتطويعها تحت كيانها القوي..
 
وكما قامت سباء توالت الدول على هذه الأرض في سياق طبيعي لعملية سير التاريخ، وتبادلت كل من حمير، وحضرموت، وقتبان وغيرها من الدول، عملية توسيع الخرائط أو تقليصها وفقا لمعايير القوة والضعف التقليدية، منتجة بذلك اختلافات فرضتها جغرافية الأرض قبل اختلاف الإنسان، سواء عبر لهجة أو عادات وتقاليد..
 
ليس ذلك وحسب، فقد منح السدود التي بناها اليمني، ولفترة لا بأس بها. الكثير من القوة والسيطرة قبل أن تختلف اراء زائري أرضها والموفدين إليها بعد فترة من تهدمه. على سبيل المثال؛ لم تكن اليمن التي وصفها الصحابي معاذ بن جبل تحمل ذات الصورة التي التقطها رفيقه علي بن ابي طالب..
 
 فكل منهما وجد يمنا تختلف في الوصف عن الأخرى. لكن ذلك لم يعن اختلاف حاجة اليمني في تلك الفترة الزمنية الى ضرورة التخلص من حكم الفرس المستبد، سواء كان يقطن في اليمن الاسفل أم اليمن الأعلى..
 
انضمت قبائل اليمن الى خارطة الدولة الإسلامية قبل أن تشعر بضيق الرداء الذي أجبرت عليه، بعد ان ارتبطت وللمرة الأولى بدولة بعيدة جغرافياً عما اعتادت عليه.
 
وازدادت وطأة ذلك الرداء مع عجز تلك الدولة الالتزام بمسؤوليتها كخلافة تجاه اليمني وأرضه، وانحسار مطالبها بتزويد جيوشها بأبناء القبائل، وخراج مفروض مع نهاية كل عام، لترتبط القبائل مجددا وتنبذ خلافها، باحثة عن خلاص، فلم يكن من السهل عليها دفع زكاة رأى الكثير أن إخراجها من ارض شحيحة الموارد جورا يجب أن يزال.
 
ربما كان ارتباط اليمني الروحي بالدين هو ما أجل- ولوقت لا بأس به- ثورات وحركات التمرد التي قامت متفرقة أو مجتمعة بذات الهدف ضد جور الحكام الذين استمروا في تجاهل اليمني واعتبار ارضه مجرد تجمع لقبائل، يجمعها الشغب والتمرد، عن كونها دولة ذات تاريخ عريق بمطالب مشتركة عادلة..
 
وكما احتار الحكام الذين أرسلوا للسيطرة على اليمن، احتار المستعمر كثيرا في محاولة فهم هذه الأرض وطبيعة أهلها..
 
فما أن يطمئن لخلافهم الدائم ويستعد لترسيخ احتلاله وسيطرته على طرق الملاحة البحرية، حتى تنتفض تلك القبائل بتنوعها ضد وجوده..
 
لا تنطفىء ثورة في منطقة، أو قبيلة، حتى تشتعل ضده في أخرى، ليقرر إثر ذلك اجتزاء بعض مما يحتاجه من أرض تمكنه من تحقيق مصالحه بأقل  قدر من التكاليف. وقد حرص على تجنب المساحات المزعجة له..
 
ربما كان الاحتلال العثماني هو القوة الوحيد التي اقتربت فعلياً من تقسيم اليمن إداريا، ووفق معايير القبائل السائدة، والذي سيجده الباحث الأقرب من تقسيم محافظات اليمن حتى اليوم. لكنه أدرك مبكرا أن الخرائط ليست المعيار الحقيقي الذي تتعامل بها القبائل اليمنية بينها البين أو بينها وبين المحتل. فبرغم اختلافهم، فهناك دائما ما يجمعهم.
 
واستمرت الثورات ضد المستعمر التركي بحسب حاجة القبائل مجتمعة أو متفرقة، حتى تم طرده..
 
لذلك لن تجد، بعد اجتياز رحلة قصيرة في تاريخ هذه الأرض، أن فكرة اختلاف اهلها مثيرة للغضب أو الاستنكار. فما نراه حولنا من اختلافات سياسية ليس سوى استنساخ لما سبق عبر التاريخ، مع إضافة الحسابات التي طرأت نتيجة تغير الزمن والواقع..
 
متى يشعر اليمني بحاجته لوحدة أراضيه ولماذا؟!..
قد نتسائل عبر الملحمة التي خاضها، والتي يحاول البعض في وقتنا الحالي اجتزاء بعض منها وترسيخها كتاريخ مكتمل، متجاهلا أن ذلك الاجتزاء سيؤدي بالضرورة إلى ضعف لن يطول بإبن هذه الأرض حتى يرفضه!..
 
حاجتنا للقوة هي الرابط الذي يجمعنا. مصيرنا المشترك الذي لا نلبث أن نتشبث به حتى آخر رمق. أليست الحاجة إلى القوة سببا كافيا لكوننا شعبا لا سبيل لتقسيمه، رغم اختلافاته العديدة؟!

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...