السبت، 18 يناير 2020

خيال على الناصية!


نور ناجي

الشارع مزدحم بالشتاء، ضممت معطفي حولي وأخذت اراقب العابرين لعل الوقت يطوي نفسه، قبل أن تقترب مني إحدى الفتيات بسؤالها الموجع. لم يعد أحد يستغرب العدد المتزايد من الأيدي الممدودة في صنعاء. يحدث أن تتفق كل أطراف النزاع على هدف ما، وقد اتفق الجميع على تجويع المدينة وأهلها!..
 
تركتني الفتاة واتجهت لاسناد ذراع رجل عجوز يقف على الناصية المقابلة. يبدو أنه والدها، هل كانت تراقبني، تسآلت بقلق لحدقاتها المعلقة علي، قبل أن أدرك خطأي. لم يكن لتواجدي أي أهمية، وكان تحديق الفتاة تجاهي، تبادل للنظرات مع سائل آخر قريب من عمرها. ربما اجادا اخفاء ذلك عمن حولهم، لكنها التقطت ما يجري، هل كانا يعرفان بعضهما مسبقاً، تسألت قبل أن انفي ذلك، فدهشة الاستكشاف الخجولة بينهما دلت على صدفة ساقها الرصيف إليهما..
 
مع مرور الوقت لاحظ العجوز كيف كان الشاب يتودد للفتاة بترك مساحة كافية لتسبقة في السؤال، مثل هذا الأمر قد يثير الحمية والغضب في قلب الأب، لكن هذا لم يحدث،  يبدو أن تقلص الأمعاء يجعلنا ننظر إلى المشاعر بطريقة مختلفة، أكثر بساطة ونقاءاً، ربما؟!..
 
لعل العجوز حدّث نفسه مستبشراً بعد أن ظن أن الحرب لم تترك فينا سوى غول البحث عن الذات، وما يراه من الشاب ليس سوى تضحية مقابل الآخر، فاستحق ابتسامة العجوز الذي أشار له بالاقتراب بعد تركه يد ابنته. بدى الارتباك على الفتى وهو يتجه للجلوس مع العجوز على إحدى دكات الرصيف، وبدأ الاثنان حوار طويل..
 
وجدت ما يشغلني ورحت أتخيل نوعية الحديث الذي قد يدور بينهما، لم يكونا غريبين على الرغم من أنه لقائهما الأول، فالظروف القاسية تنسخ طبائع البشر وملامحهم بطريقة مذهلة..
 
بدى العجوز جاداً، توجب عليه ذلك، حتى يتأكد من جدية الفتى، فلم يكن يسمح بكسر قلب ابنته!..
_العجوز: ما أسمك يا بني؟!..
_ الفتى بخجل: سلطان؟!
_ العجوز: منذ متى وأنت في هذه المهنة؟!..
_ الفتى: لم يمض وقتا طويلا، كنت أمارسها بشكل متقطع، قبل أن تجبرني الحرب على امتهانها!.
 
لعل العجوز امتعض من عدم خبرة الشاب، أو تشكك من جديته في العمل، فمثل تلك المهنة لا تقبل الهواة، لكن لا بأس، سيمنحه فرصة أخرى!..
 
_العجوز: هل تخرج وحيداً؟!.
_ الفتى: للأسف، لقد خرجت معظم عائلتي للشارع، فالجوع كما تعلم يضاعف طاقتنا للعمل!.
بدت الخيبة على الفتى إلا أن العجوز ربت عليه بوجه منشرح، على الأقل لن يكون متزمتاً ويمنع ابنته لاحقاً من الاعتماد على نفسها والخروج للعمل. لعله قال ذلك لنفسه قبل أن يعود لاستكمال استجوابه: "هل من صاحب عاهة في الأسرة"؟! ..
 
لم يكن العجوز فظاً في السؤال أو طماعاً، قد تكون العاهة ميزة، على الرغم من ابتلاع الجمعيات الخيرية وصناديقها غالبية ما كانت تعطي لهكذا حالات، إلا أنها ما زالت تمنح القليل كل حين، والذي سيكون مناسباً لتيقن العجوز من ثبات دخل العائلة التي سيرتبط بها..
 
انتابتني مشاعر غريبة حين لاحظت وقوف الفتاة المتلهف على ما قد يُنتج الحوار. من الصعب أن تجد قلب يقبل بك بكافة عيوبك!!..
لا بأس، كانت الفتاة أصغر وأكثر سذاجة لتتمكن من تمييز ما يرسله الفتى إليها. لا أعتقد أنه وجد في وجهها الباهت أي نقص، كنت على ثقة بأنها وعباءتها المغبرة في عينيه أجمل وأرقى من عارضات بيوت الأزياء العالمية وما ترتديه تصميمات!..
 
قد يكون أقصى ما قد تمنحه لنا الحياة تشابهنا مع أحدهم؛ تقاسمنا الاهتمام وإن كان شعورنا بالحاجة هو ما يشغلنا. سيكون عبور الحياة أسهل حين يكمل نقصنا الآخر ..
 
للأسف، لم أتمكن من معرفة نهاية الحكاية، فقد توجب عليّ إنهاء طريقي، دون أن اقطع خيط بصري عن الثلاثة حتى اختفوا، شعرت بالحنق للحظات قبل أن أعاود ابتسامي، لماذا الإحباط ومازال بإمكاني رسم ما أريد من نهايات؟!، سيتزوج الإثنان في عرس بسيط وينجبا الكثير من الأطفال السعداء، مثل تلك النهاية كانت مناسبة جدا لحاجتي!.
 
لن يجد الزائر لصنعاء أشد إيلاماً من المتسولين الذين ملأوا شوارعها، ونظرات الحاجة والعوز التي طُبعت بقسوة عليهم. يجد البعض منا في تخيل حوارات وقصص مرحة طريقة مناسبة للهروب، إلا أن اجادة خلق النهايات السعيدة بين الحين والآخر لا تنجينا من وطأة حقيقة الواقع الذي نحياه!.
زفة اليمني، الملحمة الخفية!

 يفترض بأغاني الأعراس أن ترسم البهجة في قلوب مستمعيها، وهذا ما تقوم به الزفة اليمنية مادامت الألحان منفردة بذاتها، إلا أن يردد المطرب أو المطربة ما توارث من كلماتها..

 أي حالة من الشجن تصيب مستمعيها، لدرجة تدعو البعض إخفاء أدمعهم عن أنظار الآخرين!. "ساعة الرحمن ذلحين، والشياطين غافلين!".. 

 من الطبيعي أن ترمز "الساعة" إلى الوقت عامة، إلا أن البعض قد يضطر لاختصاره وهو يتذكر ما كان يردده الأجداد عن "الساعة الجِيدة" بكسر الجيم والتي كان يجب على الفقيه تحديدها بمنتهى الدقة لإتمام عقود الزواج وما على شاكلتها من شؤون الحياة..

 أنت أمام إنسان رضي بأن يكون نصيبه من الفرح ساعة، سواء كانت في اليوم أو العمر، سيسعد أي سجين بهبة حرية مختصرة تُمنح له، لذلك ستجد اليمني متلهفاً على فرحته _وإن أُجتزأت_ دون ضغينة ونقمة، على عكس الملامح المغتمة لشعوب غنت للحزن وطربت له!. 

 شتان بين ما يرسم الحزن وبين ما ينحته البؤس على الوجوه!.

أدرك اليمني مبكراً أن الحزن مكلف، باهض الثمن، ما أن يترك نفسه له حتى يستنزف البكاء ما خزنه جسده من مياه أولى به الاحتفاظ بها، خاصة وقد كلفته مسافات منهكة لقيعان الوديان، لم يكن من السهل على اليمني إستهلاك ما حصل عليه بشق الأنفس، لذلك ارتشف دموعه بما تحوي من طحالب استوطنت البرك التي قام بحفرها..

 أي احمق سيجازف بمرافقة الحزن حتى بدائل سحائب لن تأتمر بأمره!.. 

 لن يقيم اليمني أفراحه حتى يتأكد من غفلة الشياطين التي لم يخفي خشيته منها، لم يكن الوحيد الذي ارتبط تراثه بعالم الجن، فغالبية الحضارات حملت تلك الأساطير، أوجدت منها إجابات وجودية ملحة ومنحتها بعض من أمل بروايات كان الخير فيها هو المنتصر، على عكس اليمني الذي لم تمنحه قسوة الأرض رفاهية طرح الأسئلة، كما تميزت حكاياته _على الاغلب_ بنهايات محايدة . 

 كثيراً ما منح "عالم الشياطين والجن" إضافة إلى "الحديد والنار" أعذار مناسبة للحاكم حتى يفرض سيطرته على اليمني، فالامراض تصيبك نتيجة عصيانك له، يقطع عنك المطر لتقليلك من شأن "إلامام" أو لرضى منقوص تجاهه، ما برح اليمني في حالة مس أو جنون لا يصيب سوى "عاصي وكافر"، لحظة استنكاره أوضاع لم يعد يقبل بها!.. 

 حتى يومنا الحالي مازال المذهب الشيعي يبالغ في وصف خرافة "واقعة الحصون" ضد "ملك الجان الساكن في عمران"!، وكأن "الجن" اليمني هو الآخر، متهم بالكفر حتى تثبت براءته، أي قهر وظلم مورس في حق أبناء هذه الأرض ليخفوه بين أبيات الأفراح والمناسبات السعيدة؟!.. 

 تضطر أحيانا لتجاوز مقدمات الزفة "المُوثِقة" لحال أجدادك لعلك تجد في ما تبقى منها بعض من تفاؤل وبشر، قبل أن تدرك بأن" ساعة الرحمن" لم تكن بلا شؤائب، لا تكاد تنتهي من التصفيق لدعوات السرور الخاصة بالعروس وأهله حتى تدخل في ملحمة لا تقل عن تلك التي خاضها جلجامش..

 إلا بسم الله الرحمن، إلا حان الوداع الان.. 
إلا ما أصعب فراق الأهل والإخوان والجيران.. 
يا حجار الدار حني، شمعة الدار خارجة.. 
خارجة من بيت أبوها، سايرة بيت المليح .. 


 حتى الآن، نحن أمام مشاعر وداع طبيعية رغم بطء خطوات العروس وهي تودع زاويا المنزل، ولها كافة العذر، فلن تسمح لها مصاعب السفر ومسافاته الشاقة بوداع هادىء أو بوعود زيارة قريبة، ستمر سنوات ولا شك قبل قيامها بمثل تلك المفاجأة السارة_ أن حدثت_. 

 إلا يا أماه تودعتش، وعيني تسكب الدمعة.. 
إلا يا أماه كثر خيرش، وعيني تسكب الدمعة..
 إلا قومي وزفيني، وضوي لي مائه شمعة.. 
إلا شاودع الحجرة، وضوء البيت، والقمره.. 
إلا شاودع الدرجان، وفرش الدار، والسمرة.. 

 مازال اليمني يعمل منذ توقف عن الحبو، يكد بلا وقت مستقطع أو أجازات، وغالباً بأجر لم يشبع معدته أو يغير في نوعية طعامها، عدى بالطبع أولئك الذين هيأت لهم الحصون والقصور، تدرك العروس بوشاحها المطرز أنها "يد عاملة"، وستكون والدتها المتضرر الأول من خسارتها.. 

 سنوات طويلة مرت في تدريبها وتأهيلها استحقت عليها الكثير من الشكر والاعتذار للعمل المضاعف الذي سيتوجب عليها القيام به منفردة، ربما تجنبت بعض الأسر اليمنية هذا النقص بتبادل "العاملات" عبر مصاهرات وزيجات مشتركة، أو بزواج رب العائلة بأخرى ليخفف من نتائج العجز الذي وقع في منزله..

 إلا يا أماه كثر خيرش، إلا شلي مفاتيحش.. 
إلا وتفقدي بيتش، إلا مادمت انا عندش.. 

 إلا تؤكد الأبيات السابقة حرص اليد العاملة الأمينة على إخلاء عهدتها؟!، لن تجد أفضل من زفة معلنة حتى تظهر جودة عملها وكفائتها أمام رب عمل جديد ستنتقل لكنفه.

 عادني يا أماه شوية، عادني يا أباه قليل.. 
حجبي يا أماه علي، واطرحي فوقي كتاب..


ما أن تقترب لحظة مغادرة العروس حتى تصاب بالرهبة، ستواجه مصاعب عدة، ولا يملك الجميع شجاعة خوض مغامرة_مشروطة بعدم الخسارة_، لا بأس إذن من استزادتها من المشاعر الصادقة التي نالتها بين أهلها، فحصولها على المزيد سيبقى مرهوناً بعلم الغيب..

 مازال اليمني يأمل في "ساعة الرحمن"، إلا أنه لن يقف عاجزاً مكتوف الأيدي حتى حضورها، إن لم يجد قانوناً ينصفه سيقاتل لإيجاد "عرف" يستند عليه عبر قبيلة أو عائلة، وليست المرأة اليمنية سوى جزء من مجتمعها، لذلك تفاخر علناً وبشكل مقصود بمناقب والدها، وكأنها تناشده بطريقة مبطنة مساندته حال دعت الحاجة لذلك.. 

 ودع الحجرة والاجبي، خاطرك يا بيت أبي..
 دار ابوش معمور بياجور والحمام عليش تدور.. 
ليت ابوش يطلع يزورش، ويعين مشقرك.. 

 حاول الكثير إبدال الزفة اليمنية بأخرى مطورة، مواكبة للعصر أو هروباً مما تبطنه من شجن، لكن الغالبية مازالت تصر على تزيين افراحها بها. ليس الماضي بالمجمل سيئ، يحمل في طياته بعض من "ساعات" لم تقبل بهجران الأمل، في حقيقة الأمر نحن لا نختلف عن أجدادنا ومازالت "الساعة الجِيدة" تراودنا عن نفسها، وبالمقابل نتمسك بأمل انتظارها.

 نور ناجي

السبت، 4 يناير 2020

وضعية إنتظار


نور ناجي

يعلم كافة سكان الحي أنه كان في إحدى الجبهات، وأن مقتله- على الأغلب- وقع فيها، إلا أن عائلته مازلت تصر على تلفيق قصة واهية، تنفي عن ابنها شبهة التورط مع ميليشيا الحوثي!

قصة تشعرك بالسقم. لكنها الحقيقة التي لن يمر وقت طويل حتى يصبح الإنضمام للحوثي مفخرة، حتى لأولئك الذين سبق وكانوا كارهين ومعارضين له..
 
أغلقت عصابة الحوثي كافة الخيارات على المواطن اليمني الواقع تحت سيطرتها، لتجعل من الجبهة خياره الوحيد. مفارقة غريبة لكنها الواقع؛ إما أن تحظى بفرصة النجاة من الجبهات المستعرة، أو تفارق الحياة بلا  كرامة!.

لعلنا وقعنا في خطأ جسيم حين اعتقدنا أننا نواجه إحدى صور الإمامة القديمة في ميليشيا الحوثي. نحن أمام عصابة تدرك تماماً ما تقوم به. وعلى ما يبدو أنها استخلصت منهجية وتجارب العديد من الأنظمة القمعية والديكتاتورية قبل أن تقوم بانقلابها. فبينما تمارس عملية إخضاع المواطن بكل الوسائل المتاحة؛ من قمع وتنكيل؛ مازالت تلهيه عن ذلك باختلاق المشاكل الجانبية واعدام وسائل الحل لها أن وجدت.

لم تعد الميليشيا تعتمد على فكرة السلالة المختارة- علناً على الأقل- حتى وهي  تمارس عملية تجويع واذلال الشعب اليمني. مازالت تغري غيرها- وهي تبني قصورها- بافساح مجال الفساد وتجربة الانضمام إليها.. "بعض التنازلات تستحق العناء"، يقول المنضم حديثاً للميليشيا!..

مخطىء من يظن أن تباكيها- بسبب ما تسميه "العدوان"- بكاء حقيقي. فلن تجد أكثر منه وسيلة لاسترزاقها، ولفتح باب إنضمام العديد من الشباب لصفوفها، كونها "الجماعة الوطنية الوحيدة التي تسعى للحفاظ على لُحمة الوطن"!.

وفوق كل ذلك، مازالت الميليشيا تروج لنفسها عبر الدورات التثقيفية، وتغيير المناهج الدراسية لإنشاء جيل جديد يؤمن بفكرها، ويعمل كحاجز صد ضد أي ثورة قد تخرج عليها.

لعل الاتكال على نشوب مثل تلك الثورة- على المدى القريب- ضرب من الوهم، فاستنفاذ رصيد شعب من الإنتظار، لا يقود بالضرورة لثورة، فاليأس يصنع أشد المقاتلين اخلاصاً وتوحشاً.

ليس من السهل إبقاء المواطن في وضعية الإنتظار المحايد، لابد وأن يأتي يوم ويميل للجانب الأقوى. حتى وأن كان ذلك الجانب هو من مارس القمع عليه من الأساس، انتقاماً من الطرف الذي تخاذل عن نصرته، أو ترجيحاً لكفة من يمنحه القدر الأدنى من شروط الحياة..

راهن الحوثي منذ البدء على دولة تتوقف حدودها بين عمران وصعدة، إلا أن الشرعية، الخصم المباشر له، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية، منحاه من القوة وخيارات فرص نصر لم يكن يتوقعها. ورغم ذلك مازال يدرك أنه لن يبقى على سدة الحكم لفترة طويلة، منفردا أو بذات الخارطة على الأقل. لذلك ستجده يجاهد لتحسين شروط مفاوضات الغد في محاولة للخروج منها بأقصى قدر من المكاسب..

فبينما تهيئ ميليشياته في الداخل فكرة بقائها الدائم، تستمر الأصوات المتحدثة باسمه في الخارج بعملية تسويقه إقليمياً وعالمياً. وقد راهنت على ترجيح كفته كبديل مناسب في ساحة سياسة فارغة، إلا ميليشياته، ومن "حزب الإصلاح" القوة السياسية المتبقية فعلياً في المعادلة اليمنية، والتي أظهر العالم جلياً أنه لا يفضل التعامل معها.

لا يعمل الحوثي وحيداً في ترسيخ هذا الوضع، مازال الدور الإقليمي السيء، الذي تم استدعاءه الى الساحة اليمنية، هو المتحكم بساحة المعارك، والطرف الذي لا يستهان به في تحجيم دور الشرعية المتقزم فعلياً جراء فسادها..

دائرة يراد لها أن تبقى مغلقة على أهداف  أصحابها، مما يجعلنا نطرح تساؤل مهم: هل أغلقت الخيارات على الأطراف اليمنية المعنية بالحفاظ على الدولة اليمنية، وتم وضعها رهن "الانتظار" هي الأخرى، حتى تصاب باليأس، وتخضع لتنفيذ تلك الأجندات؟! أم أنها مازالت تملك بعض من خيوط تضمن أو تراهن بها على بقائها؟!..

الأربعاء، 1 يناير 2020

الإنتظار حتى!.. 

 كنت على الدوام أعطي لقلبي مساحة من الثقة عن عقلي، فمع الأسف أمتلك عقل نزق عصبي المزاج، ينقصه التروي، ما أن يُستفز بتأويل خاطىء"حتى" يدق طبول الحرب على كل ما يصادفه!.. 

 "حتى!"، هل عدت حقاً لاستخدام هذا اللفظ بعد العهود التي قطعتها على نفسي، وجمعي حروفه والقائها قعر درج بائس مظلم تستحقه، " حتى" لا أضعف أمامها، "وحتى" أفهم ما الذي يريده مني اللفظ بكل دقة!!.. 

 لا أعلم أين ومتى سمعت عبارة تصف "حتى" "بمحتحتة" قلوب علماء اللغة، لا أجد في الوصف جور مبالغ، فقد اعتبرت _ولفترة طويلة_ أن إكتمال معرفتي بلفظ " حتى" سيزيل عني الكثير من الالتباس، تمييز أن كان اسم، فعل أو مجرد لعنة وضعت في قواميس اللغة العربية.. 

 للأسف مازال كتاب قواعد اللغة العربية كامن في ركن مكتبتي بذرات غباره التي اتجاهل إزالتها متعمدة"حتى" أجد الوقت المناسب لحلحلة عقدتي من لفظ "حتى" كما وعدت، إلا أني مازلت تلك المرأة التي تخلف مواعيدها مع نفسها بكل جدارة، ومن الصعب تغيير عاداتي أن لم يحرجني مبرر قوي..

 إلا أن تكاسلي لم يكن ليمنع مشاعر مقتي "لحتى" أو يخفف من وطأته، مازلت مستمرة في كراهيته لدرجة جعلته مقارب لحساسيتي المفرطة للفظ آخر وهو " الإنتظار"، ويعلم الله كم أبغضه!. 
لفظان كئيبان، لن أجد أكثر كآبة منهما في لغات العالم سوى ترجمتهما، بلا شك!!..

 لعل إحتلال اللفظين نفس المساحة في قلبي ناتج عن جذور علة واحده، فكلاهما يرى في نفسه سيد الوقت، الآلهة المتوجة على رأس الساعات ولا خلاص للبشر دون أي منهما.. 

 بدراسة بسيطة سنجد أن " حتى " ليست سوى حبل غليظ لف الأيام في طرفه وعلقه على شفا حرف جرف هار، مازال يطيل نفسه حتى تكاد اسيرته تهوي من علوه، قبل ان يتوقف فجأة عن الحركة ليذرها معلقة جزعة.

 لا يختلف بذلك عن "الإنتظار"، الكائن اللزج كثير الثرثرة، والذي نراه دائماً في محطات حياتنا ومنعطفاتها، ما أن يقبض عليك بعصاه المعقوفة حتى يحبسك جواره، وأن لم تجد لنفسك حيلة للهروب، سترى أيامك تسابق نفسها في حلقات مفرغة، لن تفضي لمقعد فارغ أو موضع في عربات الحقائب المسافرة.. 

 أكثر ما قد يشعرك بالغيظ ويثير فيك الحنق، البهجة المتبادلة بين كلا اللفظين لحظة التقائهما، احتفالهما المقام للتلاعب باقدارك المجهولة وأنت بينهما طفل ساذج تجهل ما يجري، هل تشاركهما الإحتفال "حتى تنتظر" اللحظة المناسبة للفرار من شباكهما؟!، أم أن عليك التحلي بالقليل فقط من "الإنتظار، حتى" تسفر فوضاهما عن نتيجة ترضيك؟!.. 

 نور ناجي 

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...