الأحد، 15 يوليو 2018

حياة موازية / ١ 


والقلب إذا هوى !!..

قررت إيقاف الحرب!!..
لا علاقة بين اتخاذي لهذا القرار وبين السياسة والسياسيين!!..
لا تتوقعوا الكثير منهم، جميعنا يعرف مستويات ذكائهم المنخفضة الممزوجة بنسبة لا بأس بها من المكر الكاذب، تعريفهم لحنكة السياسي تنحصر في " لا تكون سياسياً ماهراً إن لم تخفي غبائك بمهارة" !! ..
في النهاية سيتوقفون، مازالوا بحاجة لضربات  هراوات على رؤوس بعضهم البعض، حتى يقضوا على أنفسهم نهائياً، أو يعودوا لجادة الصواب..

قراري بإنهاء الحرب خاص بي، لست مستعدة ولا أقبل بتحولي لقطعة من الفولاذ البارد، وهذا ما بدأت أطرافي تشعر به!!، أن تم اكتمال هذا التحول لن استطع إيفاء عهودي القديمة لصنعاء بمعانقتها حين يعيد لها السلم عشقها وغنجها الجميل !!..

قد يتسائل قلة عن كيفية تنفيذي لقراري!!، لا تخشوا علي " بيت الخير ما يعدم!!" كما تقول أمي، لا اخفيكم سراً، فأنا احتفظ بحياة موازية لهذه الحياة التي أحيا بها، حياة حقيقية بمفتاح سري يدير نفسه تلقائيا ما أن استدعي أحلام يقظتي..

وقد قررت استدعائها هذه الليلة، لن أذهب بجولتي منفردة ساسطحب معي قلبي، أدركت أن الأمر أمسى جد خطير حين وجدت دموعي تنهار ساخنة على أغنية شبة ميتة للفنان محمد ثروت!!..

لكم أن تصدموا حين تعلمون بأن  الأغنية المتهمة تدعى " هياااااهااا "، وقد أرسلت لي من باب تبادل المزاح السخيف على موديلات ملابس الثمانينات!!..
أرجو أن لا يبحث أحدكم عن الأغنية، ابرىء ذمتي، ولست مسؤولة عن نتيجة فضولكم !!..

بحثت بين ضلوعي عن قلبي حتى وجدته مستعداً يحمل المشط ويسرح شعره المبلل فارقاً خصلاته من منتصف جبينه، وقد ارتدى ذات البنطلون والقميص المملوك لمحمد ثروت !!...
حاولت تجاهل الاسمال البائسة وأنا اطوي أكمامها الطويلة، وارسل له أصدق عبارات الاعتذار الصامتة لما حمّلته، وقد حمّلته  الكثير!!..

" إلى أين ستكون الرحلة اليوم؟! "، بادرني كطفل متشوق لرحلته الأولى، أجبته وانا اربت على كتفه:" ما رأيك بأبو نواس ؟! "، عقد حاجبيه وهو يحاول إخفاء تذمره :" لم لا يكون امرؤ القيس ؟! "، لن ادعه يتمادى، القليل من أبو نواس يكفي لمواجهة الحياة، أريد لهذه الرحلة أن تنتهي بي على قيد الحياة، لن ألقى حتفي الليلة عشقاً على يد بيت شعر لامرؤ القيس!!..

باشارة حازمة من اصبعي :"  لقد بعث أيميل مسبق للرجل وهو بانتظارنا !!"، هز رأسه مطيعاً وهو يقبض على كفي متجها نحو الباب، لا أحد يود اثارة غضبي، الجميع يعرف تبعاته..

توقعت أن أجد ربابة أمام فناء الدار كعادتها تكنس مقدمته أو ترش الحبوب طعام الدجاج إلا أنها لم تكن موجودة، دفعت الباب الموارب لاجد الفناء وخن الدجاجات والمنزل فارغ!!

أين ذهبت ربابة ؟!، هل فارقها أبو نواس ؟!..
رفعت عقيرتي قليلا بالنداء :
ربابة ربة البيت ،،،
تصب الخل في الزيت 
لها عشر دجاجات ،،، 
وديك حسن الصوت !!!..
بدأ قلبي يتقافز على نغمات الأبيات الراقصة إلا أنه توقف مع انخفاض نبرته، فاقترب ليعرف سبب الحيرة البادية علي!!..

حاولت اخفاء قلقي على الدار المهجورة من ربابة وسيدها، وانا امسح إحدى سلالمه المؤدية لحجراته، وجلست في انتظار الغائبين !!..

لم يطل جلوسي حتى حضرت " فائزة " ، وفائزة لم لا يعرفها نمامة حارتنا في صنعاء، بالطبع سأجدها في كل مكان وزمان، ألم يتسائل احدكم كيف وصلتنا أخبار الأمم الماضية، ملحمة جلجامش، شق سور الصين العظيم، أحداث مسلسل صراع العروش، نهاية مدينة بغداد على يد التتار، هدم الهرم الرابع وسر اختفاء احجاره؟!...
لقد كانت فائزة هي المصدر الموثوق لمعظم مؤرخي العصور ..

توالت الأنباء على رأسي!!..

عشق " أبو نواس" وسقط في فخ غانية تدعى ( جنان )، هززت رأسي لفائزة " أي عشق وأي بطيخ، تعرفين أبو نواس خير المعرفة، مثله وسلالته المنتشرة في عصرنا لا تعرف معنى للعشق، سيمل منها وسيصاب بالسأم كما فعل بربابة وغير ربابة..

بهزة نافية واثقة من رأسها أجابت فائزة وهي تجلس جواري وتبث حروفها على أذني بسرعة فائقة :" ليس مع جنان!!،  هل تعرفين أين أبو نواس الآن؟! "، " كلا أين تراه يكون ؟! " ..
أسندت فائزة كتفها على جدار المنزل وبسخرية هازئة :" أنه في موسم الحج، بعد أن تبعها إليه، ولقد قال في الحج ما لم يتوقعه احد، اسمعي هذه الأبيات: 
إلهنـا مـا أعدلـك
مليك كـل من ملـك

لبيك قـد لبيت لـك
 لبيك إن الحمـد لـك

والملك لا شريك لـك
ما خاب عبد سـألك

لبيك إن الحمـد لـك
 أنت لـه حيث سلـك

الشاعر " أبو نواس، ذو السمعة الماجنة في الحج؟!، ليس هذا وحسب، بل بدأت التوبة تصل لسانه وقلبه كما يقولون!!..

لن تخدعني يا أبو نواس، أعرف علتك تمام المعرفة، ليس العشق من طرق قلبك، أو أهداه إلى سواء السبيل،  أنه الصياد الذي يسكنك ويستقر في صدرك من كسر هيبتك وسمعتك السابقة في عالم الخطيئة، انهزامه أمام فريسة أذكى منه جعله أرنب يبكي عجزه أمامها!!
هكذا هم الرجال في كل العصور، لم أجد من يفوقهم في الحمق، سوى السياسيين منهم..

لا تضعف المرأة سوى في لحظات صدقها، الاحرى بك الانحناء لذلك العشق حين يهوي بها قلبها إليك، من يتوهم القوة أمام المرأة واهم، لأنها سرعان ما تنفض عنها رمادها وتعود عنقاء محرقة إياه في لحظات..

اكملت فائزة حكاية أبو نواس وهي تصف لي قسوة جنان البالغة عليه، " يلقي الشعر فلا تطرب له، يحمل لها الطيب ودهن العود فلا تستسيغه، اهدى لها أحدث إصدارات الايفون فألقت به لخن الدجاج، لقد انتهى الرجل، واصبح خاتماً في أصابعها"...

لا أنكر شعور الشماتة الممزوج بقليل من التشفي الأسود، مثل هذا الرجل لن يتربى إلا على يد جنان ومثيلاتها، بعض الدروس قدر لا راد له، قاطعت مشاعر التشفي الصفراء وسألت عن ربابة " لا أحد يعرف لها طريق، أغلب الظن أنها قدمت لجوء لكندا !!"..

" مسكينة أنت ياربابة !"، همست قبل أن امصمص شفتي والقي بعبارة لم يكن هناك من داع لالقائها، لكنها اللحظة النسوية من قادتني مجبرة وليس العكس :" تستحق ما حدث لها، نصحتها لآلاف المرات أن تعمل له عمل، وتربطه في رجل جمل، ولم تستمع لنصحي " ، أجابت فائزة :" نصيب !"..

أمسكت بيد قلبي وفررت من السؤال المطل من عيني فائزة، " كيف لي ان أجد لها عمل في مثل هذه الظروف، لم تعد الوظائف متوفرة في صنعاء كالسابق، كما أنها لم تتقن حتى اليوم أداء الصرخة، جنت المرأة حين وضعت عينيها على موقع مشرف حي حدة السكني، بعد رفضها لحارة السنينة!!..

برغم ذلك تفضلت مراسلتي الصحفية علي ببضعة أبيات شعرية للتائب الباكي وصلتها " بالواتس" من مكة، قبل مغادرتي :

حامِلُ الهَوى تَعِبُ
 يَستَخِفُّهُ الطَرَب 
ُإِن بَكى يُحَقُّ لَه 
ُلَيسَ ما بِهِ لَعِب
ُتَضحَكينَ لاهِيَة 
ًوَالمُحِبُّ يَنتَحِب 
ُتَعجَبينَ مِن سَقَمي 
صِحَّتي هِيَ العَجَب
ُكُلَّما اِنقَضى سَبَبٌ
مِنكِ عادَ لي سَبَبُ..

درت بين ازقة بغداد وحوانيتها بعض الوقت، لم احاول أن أثقل من الاحمال علي، فرحلة العودة طويلة، عبايتين وثلاث أزواج من الصنادل القادمة من بلاد السند، وبضعة أثواب سهرة مطرزة " ماركة الشهبندر "، فكما تعلمون خياطي بغداد لا يعلى عليهم في مهارة الصنعة، ورجعت لمنزلي..

وضع قلبي رأسه على وسادته وأنا اتأمله بحنان، واداعب وجنتيه، دندنت له حتى غفى اغنية محمد ثروت :" هياااااهاااااا "..
لحظات قليلة، رحت بعدها في نوم لذيذ أنا الأخرى! ..

نور ناجي 

هناك تعليقان (2):

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...