شواهد قبور..
هل من المفترض إدعاء خشيتي من زيارة المقابر، ربما سأكون سيدة أكثر رقة ونعومة أمام المحيطين بي إن وضعت على وجهي قناع مزيف يرتعد جوار أسوارها، لكني سأكون كاذبة في تلك الحالة، برغم تجنب مشاعر الحنين أمام قبريّ والديّ، إلا أني استمتع بزيارة المقابر المجهولة واقضي متجولة بين شواهدها لحظات لطيفة، ربما كانت الأفضل..
لم يكن للاسباب الدينية أية علاقة بهوايتي، لم استدعي الدموع يوماً، ولم أحاول استجداء " دعوة " برشوة غير مدفوعة الثمن على بقايا إنسان إستمرت أجزاءه بالموت على مدى سنوات عمره، فالقبور المرصوصة أمامك لا تحوي شيء مهم، وما توارى تحتها لم يعد ينتمي إلى الأحياء بقدر انتماءه للتراب!!..
قد يشدني فضول الطفولة أحياناً لمحاولة إصغاء تفضي للصمت، لا قصص أو حكايات سيمررها لك صاحب القبر مهما أطلت استراقك للسمع، فالنهايات ليست خفية: "عاشوا دون أن يدركوا سر معاناتهم!"..
كانت ومازالت شواهد القبور مغرية جداً بالنسبة لي، افتش بلهفة بين صورها والعبارات التي كتبت عليها بشغف لذيذ، يسري بي كلما لمحت الحجارة المثبتة فوق جماجم الموتى، أنت تقف أمام محاولة الخلود الأخيرة، الأبدية التي ابتدعها الإنسان في حالة يأسه قبل أن يداهمه الموت..
أعتقد أن ما يختاره شخص كعبارة على شاهد قبره هي النبذة التعريفية والانطباع الذي تمنى أن يؤخذ عنه، والذي لا يختلف كثيراً عن اقتباسات الاحياء التي يُعَرّفون بها أنفسهم على صفحاتهم الالكترونية، ستجد بعد بحث قصير أنها لا تخرج غالباً عن كلمات متراصة ليست بعيدة عن ذات "المعاناة المملة" والتي لا يفهم الإنسان سر خوضه لها !!..
أخذ مني تساؤلي في ما سيكتب على قبري الكثير، وأنا أحاول اختراع عبارة لم يسبقني إليها أحد، حتى تنبهت فجأة بأن لا حق لي فعلا في اختيارها، لا أعتقد بأن من سيقوم بدفني ذات يوم سيمنحني تلك الحرية..
فقررت التراجع عن حقي المسلوب والانسحاب من معركة خاسرة لا محالة، وتركت شاهد قبري فارغاً واستعضت عن حرماني بخيال خصب يمنح ما يراه مناسب لشواهد قبور مصرة على التجول في الحياة رغم تساقط أجزائها تحت قدميها..
نور ناجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق