الجمعة، 14 ديسمبر 2018


رابطة الانذال القومية..

حاولت التهرب كثيراً من( خروجة اليوم) لكن الحاح ( صديقتي) تغلب علي وهي تؤكد بانها ستكون جلسة مميزة، تركت نفسيتي المدمرة تبحث في المنزل عن مشرط لتنفيذ عملية انتحار ما، وذهبت للجلسة..
لا أخرج من المنزل كثيراً، كانت اخر (خروجه) لي في نهاية الموسم الاخير من برنامج ( آرب ايدول)..
برغم عشقي للموسيقى!!، لكني لست من هواة هذه البرامج، قد أنكفىء يوماً على وجهي والقى حتفي بسبب جملة لحنية لبليغ حمدي، أو آهة من (محمد منير)، لكن أن أستمع للموسيقى لأصفع بعدها بترديد ( برااااڤو ) من فم احلام وهي تصفق باصابعها المليئة بالمجوهرات بحماس المقصود منه أصابة جمهورها بعشى ليلي!!!، أمر يستحيل علي تحمله!، مشرطي الحاد اكثر رأفة بي من هذه الميتة البشعة..
لن أطيل الحديث، دخلت ( الديوان ) لأجد مجموعة من الفتيات وقد تموضعن في اماكنهن..
ألقيت بالتحية، فرددن بأفضل منها وعلى وجوههن ابتسامة صادقة!!، تلمست خدودي وضحكتها الكرتونية الفارغة بينما انا اجلس؟!، لعلها حقنّ البوتكس، فلم تعد مثل هذه الضحكة اللينة متواجدة في اليمن منذ فترة، لابد لي من بعض الحقن انا الاخرى، الشعب بأكمله سيحتاج الكثير منها بعد انتهاء الحرب!!.. 
اسخف ما اواجه في الجلسات، بداية فتح الاحاديث والتعرف على الاخر، حاولت فتح حديث مع اقربهن، فاشارت بشكل غريب لإحداهن.. 
التفت فوجدت سيدة جميلة الملامح رقيقة التعابير، تجلس في ركن بارز في المكان تراقب المتواجدين حولها، ولا اعرف سبب لاحتلال صورة ماري منيب خيالي وانا اتابعها!!...
احست بنظراتي، فهزت رأسها بتحية الحكيم المتفهم، وقالت :" نحن ( رابطة الانذال القومية)، منظمة غير حكومية لا تسعى للربح، تقوم على نشر النذالة وتعميم مفاهيمها على المجتمع"، نفخت دخان شيشتها في الهواء واردفت:" في قلب كل منا نذل صغير، يموت إن لم يسقى ونعتني به، وقد حطمت الحرب هذا الصغير وفطمته قبل اوانه، لهذا أخذنا عهداً على انفسنا، بإحياء النذالة، ورفع شعارها مرة اخرى، لا يكون الإنسان انسان، إن لم يكن نذل"، تنهدت بعد شرحها الطويل ومدت يدها لتحيتي :" اعرفك بنفسي، انا رئيسة الرابطة والمكلفة بسياستها الخارجية، والداخلية، ووضع قراراتها ولوائحها، تستطيعين القول بأنني (( الكل في الكل))، فنظام عملنا ديكتاتوري بحت، سأكون الديكتاتورية الأولى حتى يأتي من هو اكثر فائدة مني للرابطة ويسلبني الحكم..
أغمضت عيني لأتأكد، هل وصلت هواجسي وبحثي المتواصل في اخبار الحرب أن أتخيل هذه الخزعبلات!!..
اين مجوهرات احلام؟، اين فستان نانسي؟، اين اللعنات التي تصبها النساء عادة على ازواجهن في مثل هذه الجلسات؟..
انا لا اتخيل، ما أراه حقيقة، لم اصل بعد لحافة الجنون..
بدأ الفضول يشدني (لماري منيب)، تملك كاريزما باذخة لا استطيع انكارها، واسلوب هادىء يرغمك على الاستماع، لابد أن أفهم ما الذي يدور حولي، هل تغلغلت الماسونية العالمية في مجالس اليمنيات، ام انها الرأسمالية البغيضة!! بدات بإلقاء الأسئلة، قبل أن يقتلني الفضول..
س_ ما هي أهداف هذه الرابطة ؟
أجابت الرئيسة: 
ج_ كما قلت لك نشر النذالة..
س_ وما هو تعريف النذالة في نظرك، فتعريفها لغوياً لا يشعل حماس أحد للإنظمام اليها!!
ج_ النذالة في الحرب، هي الانتظار والانكار، والتأمل البعيد، لا تصدق احد، لا تؤمن بشخص، فكر كثير قبل ان تصدق البكائيات، ضع سماعات اذن قبل أن يهتف احدهم بشعارات رنانة، ولا تلق بالً للمقالات الساخنة اغمض عينيك سريعاً قبل أن تقرا احرفها، جميع ما سبق أعداء هذه الرابطة، والسبب الحقيقي لانشائها..
فلا أحد يملك الحقيقة.. لا يملك المعرفة الكاملة سوى الاموات، استمتعي بحياتك الان حتى يحين الموت لتعرفي الحقيقة، أن كنتِ ستبقين مهتمة بها"..
راقني الحديث، فأكملت طرح الأسئلة..
س _ ما شعاركن؟؟..
ج_ كن حزبياً ما شئت، لكن كن نذلاً أولاً وأخيراً..
س_ ما الصفات المطلوبة ليكون المرء نذل ؟.
ج_ لا ينضم للنذالة سوى من يستحقها، الحائر الباحث عن السلام، من خاب ظنه في من ألقى عليهم احلامه، الصادق الذي عانى من وضوحه ودفع ثمنها وجعاً وقهر...
تنهدت بعمق وهي تنظر لي بحنان، أرى فيك عينيكِ حيرة وحزن، تستحقين الانضمام لرابطتنا لكن يلزمك الكثير من العمل الجاد لقبول انضمامك..
كادت دمعتي أن تفر ، وقد شعرت ( بايموشن) الحزن مطبوع على وجهي، استجمعت شجاعتي وتجرأت على الطلب :" اريد الانضمام، كرهت الضحكة الكرتونية والخيبات المتوالية، بغضت الحزن الذي استوطنني"، رفعت عقيرتي بحماس:" ما هي الشروط المتوجبة علي، وسأنفذها الان.."
هزت الرئيسة رأسها بإشارة رافضة : " تخلصي من الحماس الذي ارتفعت في نبرة صوتك اولاً، لن يؤثر علينا، بل سيجعل قبولنا لانضمامهم أمر صعب "، انكمشت على نفسي بعد تحذيرها، فابتسمت لي:" شروطنا صعبة، لا نقبل بالإخلال بها أو التغاضي عن أحداها اتمنى ان تستطيعي اجتيازها:
_ يمنع منعاً باتاً سماع نشرات الاخبار، أو غيرها من المنغصات..
_ يمنع رفع صور القادة، الرؤساء السابقين واللاحقين، ورؤساء الاحزاب، القادة العسكريين _خاصة قادة جبهة نهم_، بالإضافة إلى صورة المعالج بالأعشاب الدكتور( الضنين )!!..
_ يمنع دخول الموبايل الذي يحوى كاميرا، وجنة الاطفال منازلهم..
_ يمنع منعاً باتاً دخول وسائل التواصل الاجتماعي بعد الساعة العاشرة..
_ حفظ نشيد الرابطة القومية خلال ساعة واحدة، وهي أغنية ( ياوليد يا نينو) للمبدع المرحوم فيصل علوي ..
_ يفصل فصلاً لا رجوع عنه، ويمنع من دخول الرابطة نهائياً من يلقي على اي احد سؤال" ما أصلك؟، ومن أي منطقة انت في اليمن؟"..
توقفت الرئيسة عن سرد الشروط، وأخرجت ورقة من ملف امامها، لتضعها بين يدي،" تستطيعين مراجعتها، وكتابة بياناتك ان احببت الانضمام..
عادت لجلستها المراقبة وقد وأشارت لاحداهن أن تفتح جهاز (الستريو)..
صدحت الموسيقى في ارجاء الديوان، فغادرته لقراءة استمارة الشروط وطلب الانضمام للرابطة..
نقاط كثيرة معظمها سهل مقدور عليه، ( يمنع لبس الشرابات القطنية على الصنادل!)، اهتمام الرابطة بمثل هذه التفاصيل يبعث على التفاؤل، يجب على النذل الاهتمام بأناقته..
"رابطة رائعة"..
تحمست وانا اكتب بياناتي، لكن ذاكرتي بدأت بخيانتي كالعادة، وانا احاول استعادة كلمات اغنية (يا وليد يا نينو)، بدون جدوى!!..
كابوس حي يطاردني وانا حائرة، هل عبارة ( شنشني شنشني ، يا مطر رشني) تقع في نفس الاغنية؟؟.

نور ناجي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فرانكشتاين!.. لم أصب بالدهشة حين وجدت أسم الكتابة "ماري شيلي" على غلاف "رواية فرانكشتاين"، فمثل الكائن المتجول بين صف...