ليس الظلام سيئ بقدر الصورة المأخوذة عنه مسبقا ..
إن حاولت اغماض عينيك وتقبل السواد عن طيب خاطر لا يصبح بذلك السوء، قضيت معه فترة لا بأس فيها مؤخراً، ورافقني اليوم بضع ساعات، لم يكن وحيداً بل طرق بابي مصطحبا معه موسيقى عالية لابنة جيراني المراهقة..
يبدو أنها غيرت ذوقها الموسيقي فجأة ووضعت علي عنبة جانباً واقامت صداقة جديدة مع المطرب اللبناني" جورج وسوف"، أسمعه الآن يصدح بمواويله من منور العمارة، لعلها بركات عيد الحب !!..
تغيير حميد على أيه حال، احييها عليه..
توقفت عن التجوال منفردة في قعر جمجمتي!!.. مازالت فارغة كما هي من لحظة ميلادي، لا أجمل من التخفف من الأفكار والذكريات..
لست بحاجة لوزن زائد لا طائل منه وأنت تنوي خوض غمار ريجيم قاسي ..
تنبهت لاقتراب جورج وسوف من أذني بشفتيه الرقيقة وعينيه الذابلتين : " يا الي تعبنا سنين في هواه ، عامل نفسه ما يعرفناش ، بعد العمر دا كله معاه، فاتنا وقال راجع ولا جاش، واهو دلوقتي لما باقابله عينه في عيني ما نزلهاش، حتى ازيك مستخسرها، مستكترها ما بيقولهاش يالي في حبه ضيع قلبي ورحت بلاش !!"..
كيف لي ان اُفهم" وسوف" أن المشاعر التي ترغي وتزبد في صدره مجرد أوهام، كيمياء هرمونية لا أكثر تنتهي بمجرد توازنها، وليس من حقه أن يزعجني بها اولا واخيرا..
فلتكن يا جورج ضيفا خفيف الظل!!..
حركت جفناي وانا التفت إليه لأجد الظلام الذي اخترته قد بهت سواده وانقشع عن صورة لساحل ميناء متوسطي بسمائه الرمادية الباهتة، كلانا انا وجورح نلبس معاطف شتوية ثقيلة ونجلس على الرصيف الرطب أمام الأمواج المتكسرة، ، للعلم لن ينتهي هذا الشتا ابدا، لقد انتهت مفردة " الصيف " من حياتنا للأبد، ولم يبقى لنا سوى الشتاء البارد الأجواء والمشاعر..
تابعت مع جورج ورقة صفراء يابسة تصرخ وقد عبث الريح بها : " تركني وغاب وجوا في العيون دمعة، فراق احباب ، فراق مكتوب بلا رجعة ، يا دنيا يا زمن جراح ، تعبت اشكي حبيبي ساب لي قلبي وراح، لمين احكي "!!..
لهذا الرجل قدرة غريبة على جعلي احزن بلا اسباب، ربما كنت جائرة في حكمي المسبق على علي عنبة!!..
فعلي عنبة لا يجعل منك كئيب يحاول اخراجك من حالة السلام المتشبث بها ليختل توازنك !..
ربما علي عنبة يرفع من ضغط دمك لكنه لا يقترب من اوتار قلبك البتة!!..
تابعت بعيني الورقة الصفراء وفوجئت بها وهي تلقي بنفسها على حجري، أمسكتها لأتأمل الخطوط عليها، من المضحك أن لا تهديك الدنيا الا أوراق خريف ذابلة، وحين لا تطلبها!!..
هل سقطت علي من باب الصدفة ام انها تعشق السخرية السوداء، بحث في حدقات جورج عن إجابة لسؤالي فأجاب:" مافيك تغمض عينيك، وتعمل حالك مش شايف ، صدقني بتروح عليك ، قوي قلبك ليه خايف، شو هالزمان الي وصلنا له ، ما بيترك حدا لحاله ايه والله صدقوا الي قالوا، هالدنيا خلقت الشاطر!!"..
شعرت بالضيق، لا احب النصائح الخفية " عندك شي يا اخينا، تحاكى، ما اشتي الغاز!!"..
ربما جورج على حق في نقطة واحدة ، الدنيا لم تخلق سوى للشطار وقد اجادت معاجم اللغة العربية في وصف معنى الشطارة !!..
قبضت على الورقة الصفراء حتى حولتها الى فتات..
تعودت الدنيا على خداعي ، لا تعطيني ما أريد حتى يصيبني اليأس منه أو أفقد اهتمامي به ، لم اعد أطمح في شيء نفخت بقايا الورقة في الهواء بغل، وطلبت من جورج اغنية عاطفية، وحذرته لا مزيد من الالغاز والنصائح ، فعاد ليغمض عينيه وهو يهز رأسه :
" باسأل على الناس كلها دائما علشان اسال عليه!!"، بعض الأغاني تجعل منك مغفل دون أن تدري!!..
لا احتاج للسؤال عن العالم ولبس أقنعة لآصل بطريقة ملتوية لأخبار شخص ما، حين اريد السؤال عن أي شخص سأسال عنه بمنتهى البساطة حتى أن كان " نتنياهو"، لم اعد اطيق تعقيدات هذا العالم، ولم اعد اطيق جورج وسوف، وربما لم اعد قادرة على تحمل نفسي!.
من حقي ان ابقى في الوحدة المظلمة التي فضلتها أو فضلتني، لا اعرف تحديدا من منا متشبث بالآخر ، لا اتذكر دعوتي لجورج وسوف ولا لمواويله الساذجة ، ربما كنت مخطئة حين سمحت له باقتحام وحدتي..
استأذنكم سأغلق المنور بعد أن القي جورج وسوف خارج حياتي، فانا مقبلة على غمار مغامرة شاقة وصعبة..
ومنعطف جديد في حياتي..
الانغماس في الصمت، صمت اختياري، لا مزيد من اغاني جورج أو علي عنبة..
أو حتى من نفسي الأمارة بالمواويل والغناء..
نور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق