يقولون أن الأمهات تموت، يقولونها بفجاجة وقحة !
يجدر بكل من يقول ذلك أن يموت، أصحاب مثل هذي المزحات القاتلة لا يستحق الحياة، حتى وإن صدقوا الوهم الذي يرددوه، لن اسمح باسقاط ذلك الوهم علي، وكلي ثقة أنه لن يصيب امي ابدا،،
قد تختفي أمهات الغير لبعض الوقت، اختفاء مؤقت!، ربما كن يمارسن لعبة تخفي على ابنائهن وأضعن طريق العودة، لا وجه تشابه بين الموت ولعبة الاختباء!
ثم إن أمي الطيبة لم تجد تلك اللعبة ابدا، انحصرت مهارتها الطيبة في الانهزام في لعبة " الباصرة "!!..
فأي دنيا تموت فيها الأمهات الطيبات، أي أرض !!..
لا تموت الأمهات من مجرد حمى، الأم أقوى من الحمى، أمي أنا أقوى من الحمى، هزمت من قبل الضغط ومرض السكر ، هزمت الحرب وواجهتها أشد مما واجهها الرجال فكيف تريدون أن اصدق بأن مجرد حمى بسيطة تغلبت عليها، لقد أكد لي الجميع أنها ماتت على سرير مستشفى بارد، لم تخشى أمي البرد مطلقاً، كانت أشد قوة منه، تستمع بشعوره على اطرافها، أتذكر سخريتها وضحكتها الجميلة على ضعف جسدي المرتجف بينما تطلب المزيد منه بتحدي، محال أن تموت تلك الضحكة وتتركني لتستمع بكمية أكبر من نسمات البرد !!
أي أرض تغادر فيها الأمهات من أجل نزهة باردة؟!
غرست بي أمي على الدوام فكرة تأجيل الانتقام أو إلغاءه من قاموسي نهائيا، تهز راسها بثقة غريبة، بأن حق الله وعدالته قائمة دون أن أسعي أو ألطخ قلبي بها، وانتظرت معها فقد كانت تحمل هي أيضاً قائمة لبعض نقاط العدالة المستحقة لها، فكيف استطاع أحد ان يلفق مثل هذه الكذبة!، كيف تموت أمي دون أن ترى العدالة كما وعدتني ووعدت نفسها بها؟!، في مثل هذا التصرف مخالفة لاتفاقنا!!..
أي أرض تموت فيها العدالة المستوجبة لامهاتنا؟! ..
حرمتها مني ساعات كثيرة، فكانت تهمس لي وهي تزيح عني عبء التقصير " لا تخشي، أنا راضية عنك، راضية جداً، أريدك فقط كما تحلمين، وستجلسي معي ما أن تحققيه" ؟!،
أي أرض هذه التي تموت فيها الأمهات قبل أن تلمس أحلام ابنائها؟!
أدين لها ببعض المال، أطلبه منها على استحياء لتعطيني سرا، حيناً انكس رأسي خجلا، وأحيانا ادعي القوة والثبات وأنا أؤكد اعادتي لاموالها قربباً، تحول ذلك " القريب" لعدم لا معنى له في مفرداتي، أريد من ذلك " القريب" القليل جدا لتسديد ديوني لامي، لا يجوز لاحد أخذ ما لا يخصه، خاصة ٱن كان يخص أمي!!.
أي أرض تسرق الوقت من بين أيدينا حتى لا نتمكن من سداد ديوننا الثقيلة تجاه امهاتنا ؟! ..
اكره الوداع، الجميع يعلم ذلك عني، اسمع تهامسهم بالانانية التي تجعلني الوح واهز رأسي على بعد مسافة كافية من الوجع، هربت سابقاً من وداع والدي واخوَي، لتعاقبني الحياة بكل سخرية وهي تحقق ما يليق بأنانيتي،،،
لعنة استحقها بكل جدارة، حين كتب علي أن لا احظى بعد اليوم باستقبال مرحب لامي أو لقبلة وداعها،،
أي أرض تحرمنا من قبلة وداع؟!..
لا تغادر الأمهات منازلهن دون تمهيد أو ترتيب مسبق، تتفقد كل شاردة وواردة حتى تتطمئن وتتأكد من وجود ما يكفي مؤنة منزلها، فكيف لامي الأكثر اهتماما من بين كل أمهات العالم أن تغادر ونحن على أبواب الشتاء!!، من غير المعقول أن تنقاد لحمى تجر بيدها باستهتار وتفارق منزلها دون النظر للخلف ولو لمرة واحدة !!
أي أرض تسرق الحمى فيها أكف الأمهات ؟!..
ربما لم تمت أمي، مازلت مصممة على ما أقول ، أنا من توفى دون أن أدرك تغير الزمان والمكان، لطالما كان يشدني الفضول لمعرفة ما يحدث بعد الموت، تراودني لحظات الشك عن عدم وجود حياة بعدها، حتى تأكدت اليوم، من وجودها فعلياً، حياة ميتة اخترقتني واستقرت بي لحظة أخطأ الأطباء تحديد شخص المتوفي، لم يدركوا أنني من فارق الحياة، والقي بي جانباً جسد بلا روح، كومة من تعب، ما يحزنني حقاً هو بكاء أمي على فراقي، لكني سأزورها في المنام، أعدها بذلك، لن اسمح بأن يؤلمها وجع فراقي، يكفي أن تعيش هي لأعبر غربة موتي الجديد، وأنا مطمئنة أن والدتي حية، محال أن تكون قد توفت فعلا ..
محال أن تقبل أرض الأموات بحياة عامرة كروح أمي ؟!..
رحمة الله عليها..
ردحذفرحمة الله تغشاها 😢😢
ردحذف